في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦٓ أَن تَقُومَ ٱلسَّمَآءُ وَٱلۡأَرۡضُ بِأَمۡرِهِۦۚ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمۡ دَعۡوَةٗ مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ إِذَآ أَنتُمۡ تَخۡرُجُونَ} (25)

17

( ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره ، ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون . وله من في السماوات والأرض كل له قانتون ) .

وقيام السماء والأرض منتظمة سليمة مقدرة الحركات لا يكون إلا بقدرة من الله وتدبير . وما من مخلوق يملك أن يدعي أنه هو أو سواه يفعل هذا . وما من عاقل يملك أن يقول : إن هذا كله يقع بدون تدبير . وإذن فهي آية من آيات الله أن تقوم السماء والأرض بأمره ، ملبية لهذا الأمر ، طائعة له ، دون انحراف ولا تلكؤ ولا اضطراب .

( ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون ) . .

ومن يرى هذا التقدير في نظام الكون ، وهذه السلطة على مقدراته ، لا يشك في تلبية البشر الضعاف لدعوة تصدر إليهم من الخالق القادر العظيم ، بالخروج من القبور !

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦٓ أَن تَقُومَ ٱلسَّمَآءُ وَٱلۡأَرۡضُ بِأَمۡرِهِۦۚ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمۡ دَعۡوَةٗ مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ إِذَآ أَنتُمۡ تَخۡرُجُونَ} (25)

{ ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره } قيامهما بإقامته لهما وإرادته لقيامهما في حيزيها المعينين من غير مقيم محسوس ، والتعبير بالأمر للمبالغة في كمال القدرة والغنى عن الآلة . { ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون } عطف على { أن تقوم } على تأويل مفرد كأنه قيل : ومن آياته قيام السماوات والأرض بأمره ثم خروجكم من القبور { إذا دعاكم دعوة } واحد فيقول أيها الموتى اخرجوا ، والمراد تشبيه سرعة ترتب حصول ذلك على تعلق إرادته بلا توقف واحتياج إلى تجشم عمل بسرعة ترتب إجابة الداعي المطاع على دعائه ، وثم أما لتراخي زمانه أو لعظم ما فيه ومن الأرض متعلق بدعا كقولك : دعوته من أسفل الوادي فطلع إلي لا بتخرجون لان ما بعد إذا لا يعمل فيما قبلها ، و { إذا } الثانية للمفاجأة ولذلك نابت مناب الفاء في جواب الأولى .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦٓ أَن تَقُومَ ٱلسَّمَآءُ وَٱلۡأَرۡضُ بِأَمۡرِهِۦۚ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمۡ دَعۡوَةٗ مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ إِذَآ أَنتُمۡ تَخۡرُجُونَ} (25)

و { من الأرض } حال للمخاطبين كأنه قال : خارجين من الأرض ، ويجوز أن يكون { من الأرض } صفة للدعوة .

قال الفقيه الإمام القاضي : و { من } ، عندي ها هنا لانتهاء الغاية كما تقول دعوتك من الجبل إذا كان المدعو في الجبل{[9302]} ، والوقف في هذه الآية عند نافع ويعقوب الحضرمي على { دعوة } ، والمعنى بعد إذا أنتم تخرجون من الأرض ، وهذا على أن { من } لابتداء الغاية ، والوقف عند أبي حاتم على قوله { من الأرض }{[9303]} ، وهذا على أن { من } لانتهاء الغاية ، قال مكي : والأحسن عند أهل النظر أو الوقف في آخر الآية لأن مذهب الخليل وسيبويه في { إذا } الثانية أنها جواب الأولى كأنه قال : ثم إذا دعاكم خرجتم وهذا أسدّ الأقوال .

وقرأ حمزة والكسائي «تَخرجون » بفتح التاء ، وقرأ الباقون «تُخرجون » بضم التاء{[9304]} .


[9302]:اعترض أبو حيان في البحر على ذلك وقال: "وكون (من) لانتهاء الغاية قول مردود عند أصحابنا".
[9303]:أيضا قال أبو حيان تعليقا على ذلك: " وهذا لا يجوز لأن فيه الفصل بين الشرط وجوابه، والوقف على [دعوة] فيه إعمال ما بعد (إذا) الفجائية فيما قبلها، وهذا لا يجوز".
[9304]:من الثابت في المصحف أن قراءة حفص عن عاصم جاءت بفتح التاء وضم الراء مثل حمزة والكسائي.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦٓ أَن تَقُومَ ٱلسَّمَآءُ وَٱلۡأَرۡضُ بِأَمۡرِهِۦۚ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمۡ دَعۡوَةٗ مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ إِذَآ أَنتُمۡ تَخۡرُجُونَ} (25)

ختمت الآيات بهذه الآية السادسة وهي التي دلت على عظيم القدرة على حفظ نظام المخلوقات العظيمة بعد خلقها ؛ فخلقُ السماوات والأرض آيةٌ مستقلة تقدمت ، وبقاء نظامهما على ممر القرون آية أخرى . وموقع العبرة من هاته الآية هو أولها وهو أن تقوم السماء والأرض هذا القيام المتقن بأمر الله دون غيره .

فمعنى القيام هنا : البقاء الكامل الذي يشبه بقاء القائم غير المضطجع وغير القاعد من قولهم : قامت السوق ، إذا عظم فيها البيع والشراء . وهذا هو المعبر عنه في قوله تعالى { إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا } [ فاطر : 41 ] وقوله { ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه } [ الحج : 65 ] . والأمر المضاف إلى الله هو أمره التكويني وهو مجموع ما وضعه الله من نظام العالم العلوي والسفلي ، ذلك النظامَ الحارس لهما من تطرق الاختلال بإيجاد ذلك النظام . و { بأمره } متعلق بفعل { تقوم ، } والباء للسببية .

و { ثم } عاطفة الجملة على الجملة . والمقصود من الجملة المعطوفة الاحتراس عما قد يتوهم من قوله { أن تقوم السماء والأرض بأمره } من أبدية وجود السماوات والأرض ، فأفادت الجملة أن هذا النظام الأرضي يعتوره الاختلال إذا أراد الله انقضاء العالم الأرضي وإحضار الخلق إلى الحشر تسجيلاً على المشركين بإثبات البعث . فمضمون جملة { إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون } ليس من تمام هذه الآية السادسة ولكنه تكملة وإدماج موجه إلى منكري البعث .

وفي متعلق المجرور في قوله { مِنَ الأرْض } اضطراب ؛ فالذي ذهب إليه صاحب « الكشاف » أنه متعلق ب { دعاكم } لأن { دعاكم } لما اشتمل على فاعل ومفعول فالمتعلق بالفعل يجوز أن يكون من شؤون الفاعل ويجوز أن يكون من شؤون المفعول على حسب القرينة ، كما تقول : دعوت فلاناً من أعلى الجبل فنزل إليّ ، أي دعوته وهو في أعلى الجبل . وهذا الاستعمال خلاف الغالب ولكن دلت عليه القرينة مع التفصي من أن يكون المجرور متعلقاً ب { تخرجون } لأن ما بعد حرف المفاجأة لا يعمل فيما قبلها ، على أن في هذا المنع نظراً . ولا يجوز تعليقه ب { دعوة } لعدم اشتمال المصدر على فاعل ومفعول ، وهو وجيه وكفاك بذوق قائله . وأقول : قريب منه قوله تعالى { أولئك يُنادَوْن من مكان بعيد } [ فصلت : 44 ] . و { مِن } لابتداء المكان ، والمجرور ظرف لغو . ويجوز أن يكون المجرور حالاً من ضمير النصب في { دَعَاكم } فهو ظرف مستقر . ويجوز أن يكون { من الأرض } متعلقاً ب { تخرجون } قدم عليه . وهذا ذكر في « مغني اللبيب » أنه حكاه عنهم أبو حاتم في كتاب « الوقف » ، وهذا أحسن وأبعد عن التكلف ، وعليه فتقديم المجرور للاهتمام تعريضاً بخطئهم إذ أحالوا أن يكون لهم خروج من الأرض عن بعد صيرورتهم فيها في قولهم المحكي عنهم بقوله تعالى { وقالوا أإذا ضَلَلْنا في الأرض أئنا لفي خلق جديد } [ السجدة : 10 ] وقولهم { أإذا كنّا تُراباً وءاباؤنا أئنّا لمخرجون } [ النمل : 67 ] .

وأما قضية تقديم المعمول على { إذا } الفجائية فإذا سلم عدم جوازه فإن التوسع في المجرور والمظروف من حديث البحر ، فمن العجب كيف سدّ باب التوسع فيه صاحب « مغني اللبيب » في الجهة الثانية من الباب الخامس . وجيء بحرف المفاجأة في قوله { إذا أنتم تخرجون } لإفادة سرعة خروجهم إلى الحشر كقوله { فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم بالساهرة } [ النازعات : 13 ، 14 ] و { إذا } الفجائية تقتضي أن يكون ما بعدها مبتدأ . وجيء بخبر المبتدأ جملة فعلية لإفادة التقوّي الحاصل من تحمل الفعل ضمير المبتدأ فكأنه أعيد ذكره كما أشار إليه صاحب « المفتاح » . وجيء بالمضارع لاستحضار الصورة العجيبة في ذلك الخروج كقوله { فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون } [ يس : 51 ] .