في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَإِذَا طَلَّقۡتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَبَلَغۡنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعۡضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحۡنَ أَزۡوَٰجَهُنَّ إِذَا تَرَٰضَوۡاْ بَيۡنَهُم بِٱلۡمَعۡرُوفِۗ ذَٰلِكَ يُوعَظُ بِهِۦ مَن كَانَ مِنكُمۡ يُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۗ ذَٰلِكُمۡ أَزۡكَىٰ لَكُمۡ وَأَطۡهَرُۚ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ وَأَنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ} (232)

221

كذلك ينهاهم أن يعضلوا المطلقة - حين توفي العدة - ويمنعوها أن تتراجع مع زوجها إذا تراضيا بالمعروف :

( وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف ) . .

وقد أورد الترمذي عن معقل بن يسار ، أنه زوج أخته رجلا من المسلمين على عهد رسول الله [ ص ] فكانت عنده ما كانت . ثم طلقها تطليقة لم يراجعها ، حتى انقضت عدتها ؛ فهويها وهويته ؛ ثم خطبها مع الخطاب . فقال له : يا لكع ابن لكع ! أكرمتك بها وزوجتكها ، فطلقتها . والله لا ترجع إليك أبدا آخر ما عليك . قال : فعلم الله حاجته إليها وحاجتها إلى بعلها ، فأنزل الله : ( وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن )إلى قوله : ( وأنتم لا تعلمون ) . . فلما سمعها معقل قال : سمع لربي وطاعة . ثم دعاه ، فقال : أزوجك وأكرمك . .

وهذه الاستجابة الحانية من الله - سبحانه - لحاجات القلوب التي علم من صدقها ما علم ، تكشف عن جانب من رحمة الله بعباده . . أما الآية بعمومها فيبدو فيها التيسير الذي أراده الله بالعباد ، والتربية التي أخذ بها المنهج القرآني الجماعة المسلمة ، والنعمة التي أفاضها عليها بهذا المنهج القويم ، الذي يواجه الواقع من حياة الناس في جميع الأحوال .

وهنا كذلك يستجيش الوجدان والضمير بعد النهي والتحذير :

( ذلك يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر . ذلكم أزكى لكم وأطهر . والله يعلم وأنتم لا تعلمون ) . .

والإيمان بالله واليوم الآخر هو الذي يجعل هذه الموعظة تبلغ إلى القلوب . حين تتعلق هذه القلوب بعالم أرحب من هذه الأرض ؛ وحين تتطلع إلى الله ورضاه فيما تأخذ وما تدع . . والشعور بأن الله يريد ما هو أزكى وما هو أطهر من شأنه أن يستحث المؤمن للاستجابة ، واغتنام الزكاة والطهر . لنفسه وللمجتمع من حوله . ولمس القلب بأن الذي يختار له هذا الطريق هو الله الذي يعلم ما لا يعلمه الناس من شأنه أن يسارع به إلى الاستجابة كذلك في رضى وفي استسلام .

وهكذا يرفع الأمر كله إلى أفق العبادة ، ويعلقه بعروة الله ، ويطهره من شوائب الأرض ، وأدران الحياة ، وملابسات الشد والجذب التي تلازم جو الطلاق والفراق . .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَإِذَا طَلَّقۡتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَبَلَغۡنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعۡضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحۡنَ أَزۡوَٰجَهُنَّ إِذَا تَرَٰضَوۡاْ بَيۡنَهُم بِٱلۡمَعۡرُوفِۗ ذَٰلِكَ يُوعَظُ بِهِۦ مَن كَانَ مِنكُمۡ يُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۗ ذَٰلِكُمۡ أَزۡكَىٰ لَكُمۡ وَأَطۡهَرُۚ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ وَأَنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ} (232)

{ وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن } أي انقضت عدتهن ، وعن الشافعي رحمه الله تعالى دل سياق الكلامين على افتراق البلوغين . { فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن } المخاطب به الأولياء لما روي ( أنها نزلت في معقل بن يسار حين عضل أخته جميلاء أن ترجع إلى زوجها الأول بالاستئناف ) فيكون دليلا على أن المرأة لا تزوج نفسها ، إذ لو تمكنت منه لم يكن لعضل الولي معنى ، ولا يعارض بإسناد النكاح إليهن لأنه بسبب توقفه على إذنهن . وقيل الأزواج الذين يعضلون نساءهم بعد مضي العدة ولا يتركونهن يتزوجن عدوانا وقسرا ، لأنه جواب قوله { وإذا طلقتم النساء } . وقيل الأولياء والأزواج . وقيل الناس كلهم ، والمعنى : لا يوجد فيما بينكم هذا الأمر فإنه إذا وجد بينهم وهم راضون به كانوا الفاعلين له والعضل الحبس والتضييق منه عضلت الدجاجة إذا نشب بيضها فلم يخرج . { إذا تراضوا بينهم } أي الخطاب والنساء وهو ظرف لأنه ينكحن أو لا تعضلوهن . { بالمعروف } بما يعرفه الشرع وتستحسنه المروءة ، حال من الضمير المرفوع ، أو صفة لمصدر محذوف ، أو تراضيا كائنا بالمعروف . وفيه دلالة على أن العضل عن التزوج من غير كفؤ غير منهي عنه . { ذلك } إشارة إلى ما مضى ذكره ، والخطاب للجميع على تأويل القبيل ، أو كل واحد ، أو أن الكاف لمجرد الخطاب . والفرق بين الحاضر والمنقضي دون تعيين المخاطبين ، أو للرسول صلى الله عليه وسلم على طريقة قوله : { يا أيها النبي إذا طلقتم النساء } للدلالة على أن حقيقة المشار إليه أمر لا يكاد يتصوره كل أحد . { يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر } لأنه المتعظ به والمنتفع . { ذلكم } أي العمل بمقتضى ما ذكر . { أزكى لكم } أنفع . { وأطهر } من دنس الآثام . { والله يعلم } ما فيه النفع والصلاح . { وأنتم لا تعلمون } لقصور علمكم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَإِذَا طَلَّقۡتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَبَلَغۡنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعۡضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحۡنَ أَزۡوَٰجَهُنَّ إِذَا تَرَٰضَوۡاْ بَيۡنَهُم بِٱلۡمَعۡرُوفِۗ ذَٰلِكَ يُوعَظُ بِهِۦ مَن كَانَ مِنكُمۡ يُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۗ ذَٰلِكُمۡ أَزۡكَىٰ لَكُمۡ وَأَطۡهَرُۚ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ وَأَنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ} (232)

وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ( 232 )

وقوله تعالى : { وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن } الآية خطاب للمؤمنين الذين منهم الأزواج ومنهم الأولياء ، لأنهم المراد في { تعضلوهن }( {[2200]} ) ، وبلوغ الأجل في هذا الموضع تناهيه ، لأن المعنى يقتضي ذلك( {[2201]} ) ، وقد قال بعض الناس في هذا الموضع : إن المراد ب { تعضلوهنّ } ، الأزواج ، وذلك بأن يكون الارتجاع مضارة عضلاً عن نكاح الغير ، فقوله { أزواجهن } على هذا يعني به الرجال ، إذ منهم الأزواج ، وعلى أن المراد ب { تعضلوهن } الأولياء فالأزواج هم الذين كنَّ في عصمتهم( {[2202]} ) ، والعضل المنع من الزواج ، وهو من معنى التضييق والتعسير ، كما يقال أعضلت الدجاجة إذا عسر بيضها ، والداء العضال العسير البرء ، وقيل : نزلت هذه الآية في معقل بن يسار وأخته ، وقيل : في جابر بن عبد الله ، وذلك أن رجلاً طلق أخته ، وقيل بنت عمه( {[2203]} ) ، وتركها حتى تمت عدتها ، ثم أراد ارتجاعها فغار جابر ، وقال : «تركتها وأنت أملك بها ، لا زوجتكما أبداً » ، فنزلت الآية ، وهذه الآية تقتضي ثبوت حق الولي في إنكاح وليته ، وأن النكاح يفتقر إلى ولي ، خلاف قول أبي حنيفة إن الولي ليس من شروط النكاح ، وقوله { بالمعروف } معناه المهر والإشهاد .

وقوله تعالى : { ذلك يوعظ به من كان منكم } خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم : ثم رجوع إلى خطاب الجماعة : والإشارة في { ذلكم أزكى } إلى ترك العضل ، و { أزكى } و { أطهر } معناه أطيب للنفس وأطهر للعرض والدين ، بسبب العلاقات التي تكون بين الأزواج ، وربما لم يعلمها الولي فيؤدي العضل إلى الفساد والمخالطة على ما لا ينبغي ، والله - تعالى - يعلم من ذلك ما لا يعلم البشر .


[2200]:- الخطاب إما للأولياء كما يدل على ذلك سبب النزول، وعليه فمعنى [طلّقتم] أي: وإذا تسببتم في طلاقهن عندما رفعن إليكم أمرهن فلا يكن منكم عضل بعد ذلك إذا أرادها وأردتم – وإما للأزواج ويكون معنى قوله: [فلا تعضلوهن]، أي: تمنعوهن من الزواج لحمية الجاهلية كما يقع ذلك كثيرا من الخلفاء والولاة غيرة على من كنّ تحتهم من النساء أن يصرن تحت غيرهم.
[2201]:- كما تقدم في قوله تعالى: [وإذا طلّقتم النّساء فبلغن أجلهنّ فامسكوهن بمعروف أو سرّحوهن بمعروف]، فإن المراد به قرب نهاية الأجل.
[2202]:- المعنى أنه إذا كان الخطاب للأزواج، فقوله تعالى: [أن ينكحن أزواجهن] مجاز باعتبار ما سيكون، وإذا كان للأولياء فهو مجاز باعتبار ما كان.
[2203]:- أي أخت معقل بن يسار العزني، واسم أخته: جُمَيْل بالتصغير، كما في القسطلاني على البخاري، وقوله: وقيل: بنت عمه – أي بنت عم جابر بن عبد الله الأنصاري. فهما روايتان: الرواية الأولى رواها البخاري، وأصحاب السنن وغيرهم، والرواية الثانية رواها ابن جرير، وابن المنذر عن السدي.