في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{جَنَّـٰتُ عَدۡنٖ يَدۡخُلُونَهَا يُحَلَّوۡنَ فِيهَا مِنۡ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٖ وَلُؤۡلُؤٗاۖ وَلِبَاسُهُمۡ فِيهَا حَرِيرٞ} (33)

27

جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤاً ولباسهم فيها حرير . وقالوا : الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن . إن ربنا لغفور شكور . الذي أحلّنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب ) . .

إن المشهد يتكشف عن نعيم مادي ملموس ، ونعيم نفسي محسوس . فهم ( يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤاً ولباسهم فيها حرير ) . . وذلك بعض المتاع ذي المظهر المادي ، الذي يلبي بعض رغائب النفوس . وبجانبه ذلك الرضا وذلك الأمن وذلك الاطمئنان :

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{جَنَّـٰتُ عَدۡنٖ يَدۡخُلُونَهَا يُحَلَّوۡنَ فِيهَا مِنۡ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٖ وَلُؤۡلُؤٗاۖ وَلِبَاسُهُمۡ فِيهَا حَرِيرٞ} (33)

{ جنات عدن يدخلونها } مبتدأ وخبر والضمير للثلاثة أو ل { الذين } أو لل { مقتصد } وال { سابق } ، فإن المراد بهما الجنس وقرئ " جنة عدن " و { جنات عدن } منصوب بفعل يفسره الظاهر ، وقرأ أبو عمرو " يدخلونها " على البناء للمفعول . { يحلون فيها } خبر ثان أو حال مقدرة ، وقرئ " يحلون " من حليت المرأة فهي حالية . { من أساور من ذهب } { من } الأولى للتبعيض والثانية للتبيين . { ولؤلؤا } عطف على { ذهب } أي { من ذهب } مرصع باللؤلؤ ، أو { من ذهب } في صفاء اللؤلؤ ونصبه نافع وعاصم رحمهما الله تعالى عطفا على محل { من أساور } { ولباسهم فيها حرير } .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{جَنَّـٰتُ عَدۡنٖ يَدۡخُلُونَهَا يُحَلَّوۡنَ فِيهَا مِنۡ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٖ وَلُؤۡلُؤٗاۖ وَلِبَاسُهُمۡ فِيهَا حَرِيرٞ} (33)

والضمير في { يدخلونها } عائد على الأصناف الثلاثة ، قالت عائشة : دخلوا الجنة كلهم ، وقال كعب الأحبار : استوت مناكبهم ورب الكعبة وتفاضلوا بأعمالهم ، وفي رواية تحاكت مناكبهم ، وقال أبو إسحاق السبيعي{[9727]} : أما الذي سمعت مذ ستين سنة فكلهم ناج ، وقال عبد الله بن مسعود : هذه الأمة يوم القيامة أثلاث ، ثلث يدخلون الجنة بغير حساب ، وثلث يحاسبون حساباً يسيراً ، ثم يدخلون الجنة ، وثلث يجيئون بذنوب عظام فيقول الله ما هؤلاء وهو أعلم بهم فتقول الملائكة : هم مذنبون إلا أنهم لم يشركوا فيقول الله عز وجل : أدخلوهم في سعة رحمتي ، وقالت عائشة في كتاب الثعلبي : «السابق » من أسلم قبل الهجرة ، و «المقتصد » من أسلم بعدها ، و «الظالم » نحن ، وقال الحسن : «السابق » من رجحت حسناته ، و «المقتصد » من استوت سيئاته و «الظالم » من خفت موازينه ، وقال سهل بن عبد الله{[9728]} : «السابق » العالم ، و «المقتصد » المتعلم ، و «الظالم » الجاهل ، وقال ذو النون{[9729]} المصري ، «الظالم » الذاكر لله بلسانه فقط و «المقتصد » الذاكر بقلبه و «السابق » الذي لا ينساه ، وقال الأنطاكي : «الظالم » صاحب الأقوال ، و «المقتصد » صاحب الأفعال ، و «السابق » صاحب الأحوال ، وروى أسامة بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية وقال :

«كلهم في الجنة »{[9730]} ، وقرأ عمر بن الخطاب هذه الآية ثم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «سابقنا سابق ومقتصدنا ناج وظالمنا مغفور له{[9731]} » ، وقال صلى الله عليه وسلم : «أنا سابق العرب وسلمان سابق فارس وصهيب سابق الروم وبلال سابق الحبشة{[9732]} » .

قال القاضي أبو محمد : أراد صلى الله عليه وسلم أن هؤلاء رؤوس السابقين ، وقال عثمان بن عفان : سابقنا أهل جهادنا ومقتصدنا أهل حضرنا وظالمنا أهل بدونا ، لا يشهدون جماعة ولا جمعة{[9733]} ، وقال عكرمة والحسن وقتادة ما مقتضاه أن الضمير في { منهم } عائد على العباد و «الظالم لنفسه » الكافر والمنافق و «المقتصد » المؤمن العاصي و «السابق » التقي على الإطلاق ، وقالوا وهذه الآية نظير قوله تعالى في سورة الواقعة { وكنتم أزواجاً ثلاثة فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة والسابقون السابقون أولئك المقربون في جنات النعيم }{[9734]} [ الواقعة : 12 ] والضمير في قوله { يدخلونها } على هذا القول خاص على الفريقين المقتصد والسابق الفرقة الظالمة في النار قالوا وبعيد أن يكون ممن يصطفى ظالم كما يقتضي التأويل الأول ، وروي هذا القول عن ابن عباس ، وقال بعض العلماء قدم الظالم لأنه لا يتكل إلا على رحمة الله والمقتصد هو المعتدل في أموره لا يسرف في جهة من الجهات بل يلزم الوسط ، وقال صلى الله عليه وسلم : «خير الأمور أوساطها »{[9735]} ، وقالت فرقة -لا معنى لقولها- إن قوله تعالى : { الذين اصطفيناهم } الأنبياء والظالم منهم لنفسه من وقع في صغيرة .

قال القاضي أبو محمد : وهذا قول مردود من غير ما وجه ، وقرأ جمهور الناس «سابق بالخيرات » ، وقرأ أبو عمرو الجوني «سباق بالخيرات » ، و { بإذن الله } معناه بأمره ومشيئته فيمن أحب من عباده ، وقوله تعالى : { ذلك هو الفضل الكبير } إشارة إلى الاصطفاء وما يكون عنه من الرحمة ، وقال الطبري : السبق بالخيرات هو { الفضل الكبير } ، قال في كتاب الثعلبي جمعهم في دخول الجنة لأنه ميراث ، والبار والعاق سواء في الميراث مع صحة النسب ، فكذلك هؤلاء مع صحة الإيمان ، وقرأ جمهور الناس «جناتُ » بالرفع على البدل من { الفضل } وقرأ الجحدري «جناتِ » بالنصب بفعل مضمر يفسره { يدخلونها } وقرأ زر بن حبيش «جنة عدن » على الإفراد ، وقرأ أبو عمرو وحده «يُدخَلونها » بضم الياء وفتح الخاء ، ورويت عن ابن كثير ، وقرأ الباقون «يَدخُلونها » بفتح الياء وضم الخاء ، و { أساور } جمع أسورة ، وأسورة جمع سوار ، ويقال سُوار بضم السين ، وفي حرف أبي أساوير ، وهو جمع أسوار وقد يقال ذلك في الحلي ، ومشهور أسوار أنه الجيد الرمي من جند الفرس ، ويحلون معناه رجلاً ونساء ، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر{[9736]} ونافع «ولؤلؤاً » بالنصب عطفاً على { أساور } ، وكان عاصم في رواية أبي بكر يقرأ و «لوْلؤاً » بسكون الواو الأولى دون همز ، وبهمز الثانية ، وروي عنه ضد هذا همز الأولى ، ولا يهمز الثانية ، وقرأ الباقون «لؤلؤٍ » بالهمز وبالخفض عطفاً على { أساور } .


[9727]:هو عمرو بن عبد الله، من بني ذي يحمد بن السبيع الهمذاني الكوفي، أبو إسحق، من أعلام التابعين، كان شيخ الكوفة في عصره، أدرك الإمام عليا رضي الله عنه، ورآه يخطب ، قال: رأيته أبيض الرأس واللحية، قيل: سمع من ثمانية وثلاثين صحابيا، وكان من الغزاة المشاركين في الفتوح، وغزا الروم في زمن زياد ست غزوات، وعمي في كبره.(تاريخ التهذيب تاريخ الإسلام الذهبي، الأعلام).
[9728]:هو سهل بن عبد الله بن يونس التستري، أب محمد، أحد أئمة الصوفية وعلمائهم، له كتاب مختصر في تفسير القرآن(طبقات الصوفية).
[9729]:هو ذو النون المصري، ثوبان بن إبارهيم الإخميمي المصري، أبو الفياض، أحد الزهاد العباد المشهورين، من أهل مصر، نوبي الأصل، كانت له فصاحة وحكمة، وهو أول من تكلم بمصر في ترتيب الأحوال ومقامات أهل الولاية، توفي بالجيزة.(الأعلام)، وقد حدد القرطبي أنه ذو النون المصري هذا، وإلا فهناك آخرون يحملون نفس اللقب ولكنهم غير مقصودين.
[9730]:أخرجه الطبراني، والبيهقي في البعث، عن أسامة بن زيد رضي الله عنه، وأخرج مثله الطيالسي، وأحمد، وعبد بن حميد، والترمذي وحسنه، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وفي لفظه زيادة، حيث قال:(كلهم بمنزلة واحدة، وكلهم في الجنة).(الدر المنثور). وقال ابن كثير عن حديث أبي سعيد الخدري:"هذا حديث غريب، وفي إسناده من لم يسم"، ثم قال:"ومعنى قوله:(بمنزلة واحدة) أي: في أنهم من هذه الأمة، وأنهم من أهل الجنة وإن كان بينهم فرق في المنازل في الجنة".
[9731]:أخرجه سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وابن المنذر، والبيهقي في البعث، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.(الدر المنثور).
[9732]:أخرجه الحاكم في مستدركه، عن أنس رضي الله عنه، قال ذلك الإمام السيوطي في "الجامع الصغير"، ورمز بأنه حديث حسن.
[9733]:أخرجه سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، عن عثمان بن عفان رضي الله عنه. ذكر ذلك في (الدر المنثور) الإمام السيوطي.
[9734]:الآية(7)من سورة(الواقعة)، قال مجاهد موضحا أن آية فاطر نظير آية الواقعة:"{فمنهم ظالم لنفسه} أصحاب المشأمة، {ومنهم مقتصد} أصحاب الميمنة،{ومنهم سابق بالخيرات} السابقون من الناس كلهم".
[9735]:وقيل: إن التقديم في الذكر لا يقتضي تشريفا، وهو كقوله تعالى:{لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة}، وقوله:{يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور}، وقيل: قدم الظالم لتأكيد الرجاء في حقه؛ إذ ليس له شيء يتكل عليه إلا رحمة ربه، واتكل المقتصد على حسن ظنه، والسابق على طاعته، وقيل: قدم الظالم ليخبر أنه لا يتقرب إليه إلا بصرف رحمته وكرمه، وان الظلم لا يؤثر في الاصطفائية إذا كانت ثم عناية، ثم ثنى بالمقتصدين لأنهم بين الخوف والرجاء، ثم ختم بالسابقين لئلا يأمن أحد مكر الله، وكلهم في الجنة بحرمة كلمة الإخلاص: لا إله إلا الله محمد رسول الله.
[9736]:وكذلك في قراءة حفص.