في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَوۡ كَانَ خَيۡرٗا مَّا سَبَقُونَآ إِلَيۡهِۚ وَإِذۡ لَمۡ يَهۡتَدُواْ بِهِۦ فَسَيَقُولُونَ هَٰذَآ إِفۡكٞ قَدِيمٞ} (11)

وبعد ذلك يمضي في استعراض مقولات المشركين عن هذا القرآن وعن هذا الدين ؛ فيحكي اعتذارهم عن التكذيب به والإعراض عنه ، اعتذار المستكبر المتعالي على المؤمنين :

ولقد سارع إلى الإسلام وسبق إليه نفر من الفقراء والموالي في أول الأمر . فكان هذا مغمزا في نظر الكبراء المستكبرين . وراحوا يقولون : لو كان هذا الدين خيرا ما كان هؤلاء أعرف منا به ، ولا أسبق منا إليه . فنحن ، في مكانتنا وسعة إدراكنا وحسن تقديرنا ، أعرف بالخير من هؤلاء !

والأمر ليس كذلك . فما كان يمنعهم عنه أنهم يشكون فيه أو يجهلون الحق الذي يقوم عليه . والخير الذي يحتويه ، إنما كان هو الكبر عن الإذعان لمحمد - كما كانوا يقولون - وفقدان المراكز الاجتماعية ، والمنافع الاقتصادية ، كما كان هو الاعتزاز الأجوف بالآباء والأجداد وما كان عليه الآباء والأجداد . فأما الذين سارعوا إلى الإسلام وسبقوا إليه فلم تكن في نفوسهم تلك الحواجز التي منعت الكبراء والأشراف .

إنه الهوى يتعاظم أهل الكبر أن يذعنوا للحق ، وأن يستمعوا لصوت الفطرة ، وأن يسلموا بالحجة . وهو الذي يملي عليهم العناد والإعراض ، واختلاق المعاذير ، والادعاء بالباطل على الحق وأهله . فهم لا يسلمون أبدا أنهم مخطئون ؛ وهم يجعلون من ذواتهم محورا للحياة كلها يدورون حوله ويريدون أن يديروا حوله الحياة : ( وإذ لم يهتدوا به فسيقولون : هذا إفك قديم ) . .

طبعا ! فلا بد من عيب في الحق ما داموا لم يهتدوا به ، ولم يذعنوا له . لا بد من عيب في الحق لأنهم هم لا يجوز أن يخطئوا . وهم في نظر أنفسهم ، أو فيما يريدون أن يوحوا به للجماهير ، مقدسون معصومون لا يخطئون !

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَوۡ كَانَ خَيۡرٗا مَّا سَبَقُونَآ إِلَيۡهِۚ وَإِذۡ لَمۡ يَهۡتَدُواْ بِهِۦ فَسَيَقُولُونَ هَٰذَآ إِفۡكٞ قَدِيمٞ} (11)

ولما دل على أن تركهم للإيمان إنما هو تعمد للظلم استكباراً ، عطف على قولهم { إنه سحر } ما دل على الاستكبار فقال تعالى : { وقال الذين كفروا } أي تعمدوا تغطية الحق{[58664]} { للذين } أي لأجل إيمان الذين { آمنوا } إذ{[58665]} سبقوهم إلى الإيمان : { لو كان } إيمانهم بالقرآن {[58666]}وبهذا الرسول{[58667]} { خيراً } أي من جملة الخيور { ما سبقونا إليه } ونحن أشرف منهم وأكثر أموالاً وأولاداً وأعلم بتحصيل العز والسؤدد الذي هو مناط الخير فكأن{[58668]} لم يسبقونا{[58669]} إلى شيء من هذه الخيرات التي نحن فائزون بها وهم صفر منها ، لكنه ليس بخير ، فلذلك سبقوا{[58670]} إليه فكان-{[58671]} حالهم فيه حالهم فيما هو محسوس من أمورهم في المال والجاه .

ولما أخبر عما قالوا حين سبقهم غيرهم ، أخبر عما يقولون عند تعمد الإعراض عنه فقال : { وإذ } أي وحين { لم يهتدوا به } يقولون عناداً {[58672]}وتكبراً وكفراً{[58673]} : لو كان هدى لأبصرناه{[58674]} ولم يعلموا أنها لا تعمي الأبصار ولكن تعمي القلوب التي في الصدور{[58675]} .

ولما كان التقدير : فإن قيل لهم : فما هو ؟ أجابه بقوله مسبباً عن هذا المقدر علماً من أعلام النبوة : { فسيقولون } بوعد لا خلف فيه لأن الناس أعداء ما جهلوا ولأنهم لم يجدوا على ما يدعونه من أنه لو كان خيراً لسبقوا غيرهم إليه-{[58676]} دليلاً : { هذا } أي الذي سبقتم إليه { إفك } أي شيء مصروف عن وجهه إلى قفاه { قديم * } أفكه غيره وعثر{[58677]} هو عليه فأتى به ونسبه إلى الله .


[58664]:زيد في الأصل: بالباطل والتغافل عنه كأنهم على الرشاد، ولم تكن الزيادة في ظ و م ومد فحذفناها.
[58665]:من ظ و م ومد، وفي الأصل:أي.
[58666]:سقط ما بين الرقمين من ظ و م ومد.
[58667]:سقط ما بين الرقمين من ظ و م ومد.
[58668]:من ظ و م، وفي الأصل ومد: كان.
[58669]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: لم يسبقوا.
[58670]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: سبقونا.
[58671]:زيد من م ومد.
[58672]:سقط ما بين الرقمين من ظ و م ومد.
[58673]:سقط ما بين الرقمين من ظ و م ومد.
[58674]:سقط ما بين الرقمين من ظ و م ومد.
[58675]:سقط ما بين الرقمين من ظ و م ومد.
[58676]:سقط ما بين الرقمين من ظ و م ومد.
[58677]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: غير.