في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِرَمَ ذَاتِ ٱلۡعِمَادِ} (7)

أما المقسم عليه بذلك القسم ، فقد طواه السياق ، ليفسره ما بعده ، فهو موضوع الطغيان والفساد ، وأخذ ربك لأهل الطغيان والفساد ، فهو حق واقع يقسم عليه بذلك القسم في تلميح يناسب لمسات السورة الخفيفة على وجه الإجمال :

" ألم تر كيف فعل ربك بعاد ، إرم ذات العماد ، التي لم يخلق مثلها في البلاد ؟ وثمود الذين جابوا الصخر بالواد ؟ وفرعون ذي الأوتاد ؟ . . الذين طغوا في البلاد ، فأكثروا فيها الفساد ، فصب عليهم ربك سوط عذاب ؟ إن ربك لبالمرصاد " . .

وصيغة الاستفهام في مثل هذا السياق أشد إثارة لليقظة والالتفات . والخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - ابتداء . ثم هو لكل من تتأتى منه الرؤية أو التبصر في مصارع أولئك الأقوام ، وكلها مما كان المخاطبون بالقرآن أول مرة يعرفونه ؛ ومما تشهد به الآثار والقصص الباقية في الأجيال المتعاقبة ، وإضافة الفعل إلى " ربك " فيها للمؤمن طمأنينة وأنس وراحة . وبخاصة أولئك الذين كانوا في مكة يعانون طغيان الطغاة ، وعسف الجبارين من المشركين ، الواقفين للدعوة وأهلها بالمرصاد .

وقد جمع الله في هذه الآيات القصار مصارع أقوى الجبارين الذين عرفهم التاريخ القديم . . مصرع : " عاد إرم " وهي عاد الأولى . وقيل : إنها من العرب العاربة أو البادية . وكان مسكنهم بالأحقاف وهي كثبان الرمال . في جنوبي الجزيرة بين حضرموت واليمن . وكانوا بدوا ذوي خيام تقوم على عماد .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{إِرَمَ ذَاتِ ٱلۡعِمَادِ} (7)

فقوله تعالى : { إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ } {[30039]} عطف بيان ؛ زيادة تعريف بهم .

وقوله : { ذَاتِ الْعِمَادِ } لأنهم كانوا يسكنون بيوت الشِّعر التي ترفع بالأعمدة الشداد ، وقد كانوا أشد الناس في زمانهم{[30040]} خلقة وأقواهم بطشا ، ولهذا ذكَّرهم هود بتلك النعمة وأرشدهم إلى أن يستعملوها في طاعة ربهم الذي خلقهم ، فقال : { وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ [ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ] }{[30041]} [ الأعراف : 69 ] . وقال تعالى : { فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً } [ فصلت : 15 ] ، وقال هاهنا : { الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ } أي : القبيلة التي لم يخلق مثلها في بلادهم ، لقوتهم وشدتهم وعظم تركيبهم .

قال مجاهد : إرم : أمة قديمة . يعني : عادا الأولى ، كما قال قتادة بن دعامة ، والسُّدِّيُّ : إن إرم بيت مملكة عاد . وهذا قول حسن جيد قوي .

وقال مجاهد ، وقتادة ، والكلبي في قوله : { ذَاتِ الْعِمَادِ } كانوا أهل عمود لا يقيمون .

وقال العوفي ، عن ابن عباس : إنما قيل لهم : { ذَاتِ الْعِمَادِ } لطولهم .

واختار الأول ابنُ جرير ، ورد الثاني فأصاب .


[30039]:- (5) في م: "بعاد إرم".
[30040]:- (6) في م: "زيادتهم".
[30041]:- (7) في م، أ، هـ: "ولا تعثوا في الأرض مفسدين" والصواب ما أثبتناه.
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِرَمَ ذَاتِ ٱلۡعِمَادِ} (7)

واختلف الناس في { إرم } فقال مجاهد وقتادة : هي القبيلة بعينها ، وهذا على قول ابن الرقيات : [ المنسرح ]

مجداً تليداً بناه أوله . . . أدرك عاداً وقبله إرما{[11791]}

وقال زهير : [ البسيط ]

وآخرين ترى الماذي عدتهم . . . من نسج داود أو ما أورثت إرم{[11792]}

قال ابن إسحاق : { إرم } هو أبو عاد كلها ، وهو عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح ، وقال : هو أحد أجدادها ، وقال جمهور المفسيرين : { إرم } مدينة لهم عظيمة كانت على وجه الدهر باليمن ، وقال محمد بن كعب : هي «الإسكندرية » ، وقال سعيد بن المسيب والمقبري{[11793]} : هي دمشق ، وهذان القولان ضعيفان ، وقال مجاهد { إرم } معناه القديمة ، وقرأ الجمهور «بعادٍ وإرمٍ » فصرفوا «عاداً » على إرادة الحي ونعت ب { إرم } بكسر الهمزة على أنها القبيلة بعينها ، ويؤيد هذا قول اليهود للعرب : سيخرج فينا نبي نتبعه نقتلكم معه قتل عاد وإرم ، فهذا يقتضي أنها قبيلة ، وعلى هذه القراءة يتجه أن يكون { إرم } أباً لعاد أو جداً غلب اسمه على القبيل ، وقرأ الحسن بن أبي الحسن «بعادَ إرمٍ » بترك الصرف في «عاد » وإضافتها إلى { إرم } ، وهذا يتجه على أن يكون { إرم } أباً أو جداً وعلى أن تكون مدينة ، وقرأ الضحاك «بعادَ أرَمَ » بفتح الدال والهمزة من «أرَمَ » وفتح الراء والميم على ترك الصرف في «عاد » والإضافة ، وقرأ ابن عباس والضحاك «بعاد إرمّ » بشد الميم على الفعل الماضي بمعنى بلى وصار رميماً ، يقال ارمّ العظم وأرم وأرمه الله تعدية رم بالهمزة ، وقرأ ابن عباس أيضاً : «ارم ذاتَ » بالنصب في التاء على إيقاع الإرمام عليها ، أي أبلاها ربك وجعلها رميماً ، وقرأ ابن الزبير : «أرِم ذات العماد » بفتح الهمزة وكسر الراء ، وهي لغة في المدينة ، وقرأ الضحاك بن مزاحم «أرْم » بسكون الراء وفتح الهمزة وهو تخفيف في «ارم » كفخذة وفخذ ، واختلف الناس في قوله تعالى : { ذات العماد } فمن قال { إرم } مدينة ، قال العماد أعمدة الحجارة التي بنيت بها ، وقيل القصور العالية والأبراج يقال لها عماد ، ومن قال { إرم } قبيلة قال { العماد } إما أعمدة بنيانهم وإما أعمدة بيوتهم التي يرحلون بها لأنهم كانوا أهل عمود ينتجعون البلاد ، قاله مقاتل وجماعة .

وقال ابن عباس : هي كناية عن طول أبدانهم .


[11791]:البيت من قصيدة قالها عبيد الله بن قيس الرقيات يمدح عمر بن عبد العزيز، وهو في القرطبي، والبحر المحيط، وفتح القدير، والكشاف، والتليد: القديم الأصلي الذي ورثته أو ولد عنك، وهو نقيض الطارف، وعاد هي القبيلة المعروفة، ويضرب بها المثل في القدم، وإرم هي نفس القبيلة، وعلى هذا يستشهد المؤلف بالبيت، وقيل غير ذلك مما سيذكره.
[11792]:هذا البيت من قصيدة قالها زهير بن أبي سلمى يمدح هرم بن سنان، والماذي: الدروع السهلة اللينة الضافية، من نسج داود: من صنعته التي عرف بها ، وإرم: هي القبيلة وأراد بذلك أنها دروع قديمة متوارثة جيدة النسج، منسوبة إلى النبي داود عليه السلام أول من عمل الدروع، أو من ميراث تركته إرم القديمة.
[11793]:هو كيسان بن سعيد المقبري المدني، أبو سعيد، مولى أم شريك، ولهذا لم يعرف نسبه، وهو تابعي ثقة، كثير الحديث، كان منزله بالقرب من المقابر فاشتهر بالمقبري، أو لأنه تولى النظر في أمر القبور، توفي سنة مائة.