المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{إِرَمَ ذَاتِ ٱلۡعِمَادِ} (7)

واختلف الناس في { إرم } فقال مجاهد وقتادة : هي القبيلة بعينها ، وهذا على قول ابن الرقيات : [ المنسرح ]

مجداً تليداً بناه أوله . . . أدرك عاداً وقبله إرما{[11791]}

وقال زهير : [ البسيط ]

وآخرين ترى الماذي عدتهم . . . من نسج داود أو ما أورثت إرم{[11792]}

قال ابن إسحاق : { إرم } هو أبو عاد كلها ، وهو عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح ، وقال : هو أحد أجدادها ، وقال جمهور المفسيرين : { إرم } مدينة لهم عظيمة كانت على وجه الدهر باليمن ، وقال محمد بن كعب : هي «الإسكندرية » ، وقال سعيد بن المسيب والمقبري{[11793]} : هي دمشق ، وهذان القولان ضعيفان ، وقال مجاهد { إرم } معناه القديمة ، وقرأ الجمهور «بعادٍ وإرمٍ » فصرفوا «عاداً » على إرادة الحي ونعت ب { إرم } بكسر الهمزة على أنها القبيلة بعينها ، ويؤيد هذا قول اليهود للعرب : سيخرج فينا نبي نتبعه نقتلكم معه قتل عاد وإرم ، فهذا يقتضي أنها قبيلة ، وعلى هذه القراءة يتجه أن يكون { إرم } أباً لعاد أو جداً غلب اسمه على القبيل ، وقرأ الحسن بن أبي الحسن «بعادَ إرمٍ » بترك الصرف في «عاد » وإضافتها إلى { إرم } ، وهذا يتجه على أن يكون { إرم } أباً أو جداً وعلى أن تكون مدينة ، وقرأ الضحاك «بعادَ أرَمَ » بفتح الدال والهمزة من «أرَمَ » وفتح الراء والميم على ترك الصرف في «عاد » والإضافة ، وقرأ ابن عباس والضحاك «بعاد إرمّ » بشد الميم على الفعل الماضي بمعنى بلى وصار رميماً ، يقال ارمّ العظم وأرم وأرمه الله تعدية رم بالهمزة ، وقرأ ابن عباس أيضاً : «ارم ذاتَ » بالنصب في التاء على إيقاع الإرمام عليها ، أي أبلاها ربك وجعلها رميماً ، وقرأ ابن الزبير : «أرِم ذات العماد » بفتح الهمزة وكسر الراء ، وهي لغة في المدينة ، وقرأ الضحاك بن مزاحم «أرْم » بسكون الراء وفتح الهمزة وهو تخفيف في «ارم » كفخذة وفخذ ، واختلف الناس في قوله تعالى : { ذات العماد } فمن قال { إرم } مدينة ، قال العماد أعمدة الحجارة التي بنيت بها ، وقيل القصور العالية والأبراج يقال لها عماد ، ومن قال { إرم } قبيلة قال { العماد } إما أعمدة بنيانهم وإما أعمدة بيوتهم التي يرحلون بها لأنهم كانوا أهل عمود ينتجعون البلاد ، قاله مقاتل وجماعة .

وقال ابن عباس : هي كناية عن طول أبدانهم .


[11791]:البيت من قصيدة قالها عبيد الله بن قيس الرقيات يمدح عمر بن عبد العزيز، وهو في القرطبي، والبحر المحيط، وفتح القدير، والكشاف، والتليد: القديم الأصلي الذي ورثته أو ولد عنك، وهو نقيض الطارف، وعاد هي القبيلة المعروفة، ويضرب بها المثل في القدم، وإرم هي نفس القبيلة، وعلى هذا يستشهد المؤلف بالبيت، وقيل غير ذلك مما سيذكره.
[11792]:هذا البيت من قصيدة قالها زهير بن أبي سلمى يمدح هرم بن سنان، والماذي: الدروع السهلة اللينة الضافية، من نسج داود: من صنعته التي عرف بها ، وإرم: هي القبيلة وأراد بذلك أنها دروع قديمة متوارثة جيدة النسج، منسوبة إلى النبي داود عليه السلام أول من عمل الدروع، أو من ميراث تركته إرم القديمة.
[11793]:هو كيسان بن سعيد المقبري المدني، أبو سعيد، مولى أم شريك، ولهذا لم يعرف نسبه، وهو تابعي ثقة، كثير الحديث، كان منزله بالقرب من المقابر فاشتهر بالمقبري، أو لأنه تولى النظر في أمر القبور، توفي سنة مائة.