قوله : { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ إِرَمَ } .
قرا العامة : «بعاد » : مصروفاً ، «إرم » بكسر الهمزة ، وفتح الراء ، والميم .
ف «عاد » اسم لرجل في الأصل ، ثم أطلق على القبيلة أو الحي ، وقد تقدم في الكلام عليه ، وأما : «إرَمَ » فقيل : اسم قبيلة . وقيل : اسم مدينة [ اختلفوا في تعيينها ، فقيل : «إسكندرية » ، وقيل : «دمشق » ، وهذان القولان ضعيفان ؛ لأنها منازل كانت من «عمان » إلى «حضرموت » ، وهي بلاد الرمال والأحقاف ، وأما «الإسكندرية » و «دمشق » ، فليستا من بلاد الرمال ]{[60081]} .
فإن كانت اسم قبيلة كانت بدلاً ، أو عطف بيان ، أو منصوبة بإضمار : «أعني » ، وإن كانت اسم مدينة ، فتعلق الإعراب من : «عاد » وتخريجه على حذف مضاف ، كأنه قيل : بعاد أهل إرم . قاله الزمخشري{[60082]} .
وهو حسن ، ويبعد أن يكون بدلاً من : «عاد » ، بدل اشتمال ، إذ لا ضمير ، وتقديره قلق وقد يقال : إنه لما كان المراد{[60083]} ب «عاد » : مدينتهم ؛ لأن «إرم » قائمة مقام ذلك ، صح البدل .
وإرَمَ : اسم جد عاد ، وهو عادُ بنُ عوصِ بنِ إرمَ بْنِ نوحٍ عليه الصلاة والسلام ؛ قال زهيرٌ : [ البسيط ]
5193- وآخَرينَ تَرَى المَاذيَّ عُدَّتهُمْ *** مِنْ نسْجٍ دَاوُد أوْ مَا أوْرثَتْ إرَمْ{[60084]}
وقال ابن قيس الرقيات : [ المنسرح ]
5194- مَجْداً تَلِيداً بَناهُ أوَّلهُ *** أدْركَ عاداً وقَبْلهَا إرَمَا{[60085]}
وقرأ الحسن{[60086]} : «عاد » غير مصروف .
قال أبُو حيَّان{[60087]} : مضافاً إلى «إرَمَ » ، فجاز أن يكون «إرَمَ » أباً ، أو جداً ، أو مدينة .
قال شهاب الدين{[60088]} : يتعين أن يكون في قراءة الحسن ، غير مضاف ، بل يكون كما كان منوناً ، ويكون «إرَمَ » بدلاً أو بياناً أو منصوباً بإضمارِ : أعني ، ولو كان مضافاً لوجب صرفه وإنما منع «عاد » اعتباراً بمعنى : القبيلة ، أو جاء على أحد الجائزين في : «هند » وبابه .
وقرأ الضحاكُ{[60089]} في رواية : «بِعادَ أرَمَ » ممنوع الصرف ، وفتح الهمزة من : «أرم » .
قال مجاهد : من قرأ بفتح الهمزة شبههم بالآرام التي هي الأعلام .
وعنه أيضاً : فتح الهمزة ، وسكون الراء ، وهو تخفيف «أرِم » بكسر الراء ، وهي لغة في اسم المدينة ، كما قرئ : { بِوَرِقْكُمْ } [ الكهف : 19 ] ، وهي قراءة ابن الزبير ، وعنه في : «عاد » مع هذه القراءة : الصرف وتركه .
وعنه - أيضاً - وعن ابن عباسٍ : «أرَمَّ » بفتح الهمزة والراء والميم المشددة جعلاه فعلاً{[60090]} ماضياً ، [ يقال : أرم العظم أي بَلِيَ ، وأرم وأرمه غيره ، فأفعل يكون لازماً ومتعدياً في هذا ]{[60091]} .
و«ذات » على هذه القراءة مجرورة صفة ل : «عاد » ويكون قد راعى لفظها تارة في قوله : «إرَمَ » ، فلم تلحق علامة التأنيث ، ويكون : «أرم » معترضاً بين الصفة والموصوف ، أي : أرمت هي ، بمعنى : رمَتْ وبَليتْ ، وهو دعاء عليهم ، ويجوز أن يكون فاعل : «أرم » ضمير الباري تعالى ، والمفعول محذوف ، أي : أرمها الله تعالى ، والجملة الدعائية معترضة - أيضاً - وراعى معناها أخرى في : «ذات » فأنث .
وروي عن ابن عبَّاسٍ - رضي الله عنهما - : «ذاتَ » بالنَّصْب ، على أنها مفعول ب «أرم » وفاعل «أرم » ضمير يعود على الله - تعالى - ، أي : أرمها الله ، ويكون : «أرم » بدلاً من : «فعَل ربُّك » وتبييناً له .
وقرأ ابنُ الزُّبيرِ{[60092]} : «بعادِ أرمَ » بإضافة : «عاد » إلى : «أرمِ » مفتوح الهمزة مكسور الراء ، وقد تقدم أنه اسم مدينة .
وقرأ{[60093]} : «إرمَ ذَات » ، بإضافة : «إرم » إلى : «ذات » .
وروي عن مجاهدٍ : «أرَم »{[60094]} يعني : بفتحتين ، مصدر «أرَمَ ، يَأرم » ، أي : هلك ، فعلى هذا يكون منصوباً ب : «فَعَلَ ربُّك » نصب المصدر التشبيهي ، والتقدير : كيف أهلك ربك عاداً إهلاك ذات العماد ؟ وهذا أغرب الأقوال .
و«ذَاتِ العمادِ » : إن كان صفة لقبيلة ، فمعناه : أنهم أصحاب خيام لها أعمدة يظعنون بها ، أو هو كناية عن طول أبدانهم [ كقولهم : رفيع العماد طويل النجاد قاله ابن عباس رضي الله عنهما ]{[60095]} ، وإن كان صفة للمدينة ، فمعناه : أنها ذات عُمُد من الحجارة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.