في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أَوۡ يُزَوِّجُهُمۡ ذُكۡرَانٗا وَإِنَٰثٗاۖ وَيَجۡعَلُ مَن يَشَآءُ عَقِيمًاۚ إِنَّهُۥ عَلِيمٞ قَدِيرٞ} (50)

ويهب لمن يشاء أزواجاً من هؤلاء وهؤلاء . ويحرم من يشاء فيجعله عقيماً [ والعقم يكرهه كل الناس ] . . وكل هذه الأحوال خاضعة لمشيئة الله . لا يتدخل فيها أحد سواه . وهو يقدرها وفق علمه وينفذها بقدرته : ( إنه عليم قدير ) . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{أَوۡ يُزَوِّجُهُمۡ ذُكۡرَانٗا وَإِنَٰثٗاۖ وَيَجۡعَلُ مَن يَشَآءُ عَقِيمًاۚ إِنَّهُۥ عَلِيمٞ قَدِيرٞ} (50)

{ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا } أي : ويعطي من يشاء من الناس الزوجين الذكر والأنثى ، أي : من هذا وهذا{[25972]} . قال البغوي : كمحمد ، عليه الصلاة والسلام { وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا } أي : لا يولد له . قال البغوي : كيحيى وعيسى ، عليهما السلام ، فجعل الناس أربعة أقسام ، منهم من يعطيه البنات ، ومنهم من يعطيه البنين ، ومنهم من يعطيه من النوعين ذكورا وإناثا ، ومنهم من يمنعه هذا وهذا ، فيجعله عقيما لا نسل له ولا يولد له ، { إِنَّهُ عَلِيمٌ } أي : بمن يستحق كل قسم من هذه الأقسام ، { قَدِيرٌ } أي : على من يشاء ، من تفاوت الناس في ذلك .

وهذا المقام شبيه بقوله تعالى عن عيسى : { وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ } [ مريم : 21 ] أي : دلالة لهم على قدرته ، تعالى وتقدس ، حيث خلق الخلق على أربعة أقسام ، فآدم ، عليه السلام ، مخلوق من تراب لا من ذكر ولا أنثى ، وحواء عليها السلام ، [ مخلوقة ]{[25973]} من ذكر بلا أنثى ، وسائر الخلق سوى عيسى [ عليه السلام ] {[25974]} من ذكر وأنثى ، وعيسى ، عليه السلام ، من أنثى بلا ذكر فتمت الدلالة بخلق عيسى ابن مريم ، عليهما السلام ؛ ولهذا قال : { وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ } ، فهذا المقام في الآباء ، والمقام الأول في الأبناء ، وكل منهما أربعة أقسام ، فسبحان العليم القدير .


[25972]:- (6) في ت: "هذا من هذا".
[25973]:- (7) زيادة من ت.
[25974]:- (8) زيادة من ت، م، وفي أ: "عيسى ابن مريم عليهما السلام".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{أَوۡ يُزَوِّجُهُمۡ ذُكۡرَانٗا وَإِنَٰثٗاۖ وَيَجۡعَلُ مَن يَشَآءُ عَقِيمًاۚ إِنَّهُۥ عَلِيمٞ قَدِيرٞ} (50)

{ أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما } بدل من { يخلق } بدل البعض ، والمعنى يجعل أحوال العباد في الأولاد مختلفة على مقتضى المشيئة فيهب لبعض إما صنفا واحدا من ذكر أو أنثى أو الصنفين جميعا ويعقم آخرين ، ولعل تقديم الإناث لأنها أكثر لتكثير النسل ، أو لأن مساق الآية للدلالة على أن الواقع ما يتعلق به مشيئة الله لا مشيئة الإنسان والإناث كذلك ، أو لأن الكلام في البلاء والعرب تعدهن بلاء ، أو لتطييب قلوب آبائهن أو للمحافظة على الفواصل ولذلك عرف الذكور ، أو لجبر التأخير وتغيير العاطف في الثلث لأنه قسيم المشترك بين القسمين ، ولم يحتج إليه الرابع لا فصاحة بأنه قسيم المشترك بين الأقسام المتقدمة . { إنه عليم قدير } فيفعل ما يفعل بحكمة واختيار .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{أَوۡ يُزَوِّجُهُمۡ ذُكۡرَانٗا وَإِنَٰثٗاۖ وَيَجۡعَلُ مَن يَشَآءُ عَقِيمًاۚ إِنَّهُۥ عَلِيمٞ قَدِيرٞ} (50)

أو ينوعهم مرة يهب ذكراً ويهب أنثى ، وذلك معنى قوله تعالى : { أو يزوجهم } . وقال محمد بن الحنفية : يريد بقوله تعالى : { أو يزوجهم } التوأم ، أي يجعل في بطنٍ زوجاً من الذرية ذكراً وأنثى . والعقيم : الذي لا يولد له ، وهذا كله مدبر{[10171]} بالعلم والقدرة ، وهذه الآية تقضي بفساد وجود الخنثى المشكل . وبدئ في هذه الآية بذكر الإناث تأنيساً بهن وتشريفاً لهن ليتهمم بصونهن والإحسان إليهن ، وقال النبي عليه السلام : «من ابتلي من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كن له حجاباً من النار »{[10172]} . وقال واثلة بن الأسقع : من يمن المرأة تبكيرها بالأنثى قبل الذكر ، لأن الله تعالى بدأ بالإناث ، حكاه الثعلبي . وقال إسحاق بن بشر : نزلت هذه الآية في الأنبياء ثم عمت ، فلوط أبو البنات لم يولد له ذكر ، وإبراهيم ضده ، ومحمد عليه السلام ولد له الصنفان ، ويحيى بن زكرياء عقيم .


[10171]:في بعض النسخ: (وهذا كله مؤيد بالعلم والقدرة).
[10172]:أخرجه البخاري في كتاب الزكاة، ومسلم والترمذي في كتاب البر، وأحمد في مسنده (6-، 88، 166)، ولفظه كما في مسند أحمد عن عروة بن الزبير أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: جاءت امرأة ومعها ابنتان لها تسألني، فلم تجد عندي شيئا غير تمرة واحدة فأعطيتها إياها، فأخذتها فشقتها اثنتين بين ابنتيها، ولم تأكل منها شيئا، ثم قامت فخرجت هي وابنتاها، فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدثته حديثها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من ابتلي من البنات شيء فأحسن إليهن كن له سترا من النار).
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{أَوۡ يُزَوِّجُهُمۡ ذُكۡرَانٗا وَإِنَٰثٗاۖ وَيَجۡعَلُ مَن يَشَآءُ عَقِيمًاۚ إِنَّهُۥ عَلِيمٞ قَدِيرٞ} (50)

والتزويج قرن الشيء بشيء آخر فيصيران زوجاً . ومن مجازه إطلاقه على إنكاح الرجل امرأة لأنهما يصيران كالزوج ، والمراد هنا : جعلهم زوجاً في الهبة ، أي يجمع لمن يشاء فيهب له ذكراناً مشفَّعين بإناث فالمراد التزويج بصنف آخر لا مقابلة كل فرد من الصنف بفَرد من الصنف الآخر .

والضمير في { يزوجهم } عائد إلى كلاً من الإناث والذكور . وانتصب { ذكراناً وإناثاً } على الحال من ضمير الجمع في { يزوجهم } .

والعقيم : الذي لا يولد له من رجل أو امرأة ، وفعله عَقِم من باب فرِح وعقُم من باب كرم . وأصل فعله أن يتعدّى إلى المفعول يقال عقمها الله من باب ضرب ، ويقال عُقِمت المرأة بالبناء للمجهول ، أي عقَمها عاقم لأن سبب العقم مجهول عندهم . فهو مما جاء متعدياً وقاصراً ، فالقاصر بضم القاف وكسرها والمتعدي بفتحها ، والعقيم : فعيل بمعنى مفعول ، فلذلك استوى فيه المذكر والمؤنث غالباً ، وربما ظهرت التاء نادراً قالوا : رحم عقيمة .

{ إِنَّهُ عَلِيمٌ قدير } .

جملة في موضع العلة للمبدل منه وهو { يخلق ما يشاء } فموقع ( إنّ ) هنا موقع فاء التفريع . والمعنى : أن خلقه ما يشاء ليس خلقاً مهملاً عرياً عن الحكمة لأنه واسع العلم لا يفوته شيء من المعلومات فخلقه الأشياء يجري على وفق علمه وحكمته . وهو { قدير } نافذ القدرة ، فإذا علم الحكمة في خلق شيء أراده ، فجرى على قَدَره . ولمّا جمع بين وصفي العلم والقدرة تعين أن هنالك صفة مطوية وهي الإرادة لأنه إنما تتعلق قدرته بعد تعلق إرادته بالكائن .

وتفصيلُ المعنى : أنه عليم بالأسباب والقُوى والمؤثرات التي وضعها في العوالم ، وبتوافق آثار بعضها وتخالف بعض ، وكيف تتكون الكائنات على نحو ما قُدِّر لها من الأوضاع ، وكيف تتظاهر فتأتي الآثار على نسق واحد ، وتتمانع فينقص تأثير بعضها في آثاره بسبب ممانعة مؤثراتتٍ أخرى ، وكل ذلك من مظاهر علمه تعالى في أصل التكوين العالمي ومظاهر قدرته في الجري على وفاق علمه .