في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَوۡ تَرَىٰٓ إِذۡ فَزِعُواْ فَلَا فَوۡتَ وَأُخِذُواْ مِن مَّكَانٖ قَرِيبٖ} (51)

43

وأخيراً يجيء الختام في مشهد من مشاهد القيامة حافل بالحركة العنيفة المترددة بين الدنيا والأخرى . كأنما هو مجال واحد ، وهم كرة يتقاذفها السياق في المشهد السريع العنيف :

( ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت وأخذوا من مكان قريب . وقالوا : آمنا به . وأنّى لهم التناوش من مكان بعيد ? وقد كفروا به من قبل ويقذفون بالغيب من مكان بعيد . وحيل بينهم وبين ما يشتهون ، كما فعل بأشياعهم من قبل ، إنهم كانوا في شك مريب ) . .

( ولو ترى ) . . فالمشهد معروض للأنظار . ( إذ فزعوا ) . . من الهول الذي فوجئوا به . وكأنما أرادوا الإفلات( فلا فوت )ولا إفلات ( وأخذوا من مكان قريب ) . . ولم يبعدوا في محاولتهم البائسة وحركتهم المذهولة

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلَوۡ تَرَىٰٓ إِذۡ فَزِعُواْ فَلَا فَوۡتَ وَأُخِذُواْ مِن مَّكَانٖ قَرِيبٖ} (51)

يقول تعالى : ولو ترى - يا محمد - إذ فَزِع هؤلاء المكذبون{[24414]} يوم القيامة ، { فَلا فَوْتَ } أي : فلا مفر لهم ، ولا وزر ولا ملجأ { وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ } أي : لم يكونوا يُمنعون في الهرب{[24415]} بل أخذوا من أول وهلة .

قال الحسن البصري : حين خرجوا من قبورهم .

وقال مجاهد ، وعطية العوفي ، وقتادة : من تحت أقدامهم .

وعن ابن عباس والضحاك : يعني : عذابهم في الدنيا .

وقال عبد الرحمن بن زيد : يعني : قتلهم يوم بدر .

والصحيح : أن المراد بذلك يوم القيامة ، وهو الطامة العظمى ، وإن كان ما ذكر متصلا بذلك .

وحكى ابن جرير عن بعضهم قال : إن المراد بذلك جيش يخسف بهم بين مكة والمدينة في أيام بني العباس ، ثم أورد في ذلك حديثا موضوعا بالكلية . ثم لم ينبه على ذلك ، وهذا أمر عجيب غريب منه .


[24414]:- في ت: "المكذبين".
[24415]:- في ت: "لم يمكنوا أي يمنعوا عن الهرب" ، وفي س ، أ: "لم يمكنوا أن يمنعوا في الهرب"
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَلَوۡ تَرَىٰٓ إِذۡ فَزِعُواْ فَلَا فَوۡتَ وَأُخِذُواْ مِن مَّكَانٖ قَرِيبٖ} (51)

{ ولو ترى إذ فزعوا } عند الموت أو البعث أو يوم بدر ، وجواب { لو } محذوف تقديره لرأيت أمرا فظيعا . { فلا فوت } فلا يفوتون الله بهرب أو تحصن . { وأخذوا من مكان قريب } من ظهر الأرض إلى باطنها ، أو من الموقف إلى النار أو من صحراء بدر إلى القليب ، والعطف على { فزعوا } أو لا فوت ويؤيده أنه قرئ " وأخذ " عطفا على محله أي : فلا فوت هناك وهناك أخذ .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلَوۡ تَرَىٰٓ إِذۡ فَزِعُواْ فَلَا فَوۡتَ وَأُخِذُواْ مِن مَّكَانٖ قَرِيبٖ} (51)

واختلف المتأولون في قوله تعالى : { لو ترى } الآية ، فقال ابن عباس والضحاك : هذا في عذاب الدنيا ، وروي أن ابن أبزى{[9674]} قال ذلك في جيش يغزو الكعبة فيخسف بهم في بيداء من الأرض ولا ينجو إلا رجل من جهينة فيخبر الناس بما نال الجيش قالوا بسببه قيل :

وعند جهينة الخبر اليقين{[9675]}

وهذا قول سعيد ، وروي في هذا المعنى حديث مطول عن حذيفة وذكر الطبري أنه ضعيف السند مكذوب فيه على رواد بن الجراح{[9676]} ، وقال قتادة : ذلك في الكفار عند الموت ، وقال ابن زيد : ذلك في الكفار في بدر ونحوها ، وقال الحسن بن أبي الحسن : ذلك في الكفار عند خروجهم من القبور في القيامة .

قال الفقيه الإمام القاضي : وهذا أرجح الأقوال عندي ، وأما معنى الآية فهو التعجيب من حالهم إذا فزعوا من أخذ الله إياهم ولم يتمكن لهم أن يفوت منهم أحد ، وقوله { من مكان قريب } معناه أنهم للقدرة قريب حيث كانوا قبل من تحت الأقدام ، وهذا يتوجه على بعض الأقوال والذي يعم جميعها أن يقال إن الأخذ يجيئهم من قرب في طمأنينتهم ويعقبها بينا الكافر يؤمل ويظن ويترجى إذ غشيه الأخذ ، ومن غشيه أخذ من قريب ، فلا حيلة له ولا روية ، وقرأ الجمهور «وأخذوا » ، وقرأ طلحة بن مصرف «فلا فوت وأخذ » ، كأنه قال وجاء لهم أخذ{[9677]} من مكان قريب .


[9674]:في الأصل:"وروي أن أبزى"، والصواب ماذكرناه.
[9675]:هذا عجز بيت من الوافر، وقد صار مثلا يضرب في معرفة حقيقة الشيء، وقد ذكر الميداني قصة المثل في "مجمع الأمثال" في خبر طويل خلاصته أن رجلا من جهينة اسمه الأخنس بن كعب أحدث في قومه أمرا ثم فرّ هاربا، فلقي حصين بن عمرو الكلابي، وكان قد خرج من قومه أيضا لأمر قد أحدثه، وتعارفا، ثم صحبا كل منهما صاحبه على حذر، ومضيا يقطعان الطريق على الناس، حتى التقيا برجل من لخم يتناول الطعام ومعه أموال كثيرة، فدعاهما لطعامه فأكلا وشربا وتحدثا، ثم ابتعد حصين لبعض أمره، فقتل الجهيني اللخمي، فلما عاد حصين فوجئ بذلك، فلام صاحبه على فعلته، وقال: ويحك، فتكت برجل قد ترحمنا بطعامه وشرابه، ثم غافل الجهيني حصينا وقتله، وأخذ متاعه ومتاع اللخمي وعاد إلى قومه، وفي الطريق التقى بامرأة حصين تسأل عنه فأخبرها أنه قتل زوجها، ثم وقف في القوم يقول أبياتا منها: تسائل عن حصين كل ركب وعند جهينة الخبر اليقين جهينة معشري وهم ملوك إذا طلبوا المعالي لم يهونوا وقال الأصمعي، وابن الأعرابي: اسمه جفينة بالفاء، وكان عنده خبر رجل مقتول، وفيه يقول الشاعر: تسائل عن أبيها كل ركب وعند جفينة الخبر اليقين
[9676]:في الأصل:"على رواد بن الجراح"، والتصويب عن الطبري وفيه، حدثنا عصام بن رواد بن الجراح...الخ"، والخبر بطوله هناك.
[9677]:قال ابن جني: يجوز أن يكون فاعلا لفعل محذوف، والتقدير: وأحاط بهم أخذ، ويجوز أن يكون مبتدأ والخبر محذوف، والتقدير: وهناك أخذ لهم.