في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{مَنۡ عَمِلَ صَٰلِحٗا مِّن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤۡمِنٞ فَلَنُحۡيِيَنَّهُۥ حَيَوٰةٗ طَيِّبَةٗۖ وَلَنَجۡزِيَنَّهُمۡ أَجۡرَهُم بِأَحۡسَنِ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (97)

90

وبمناسبة العمل والجزاء ، يعقب بالقاعدة العامة فيهما :

( من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن ، فلنحيينه حياة طيبة ، ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ) . . فيقرر بذلك القواعد التالية :

أن الجنسين : الذكر والأنثى . متساويان في قاعدة العمل والجزاء ، وفي صلتهما بالله ، وفي جزائهما عند الله . ومع أن لفظ( من )حين يطلق يشمل الذكر والأنثى إلا أن النص يفصل : ( من ذكر أو أنثى )لزيادة تقرير هذه الحقيقة . وذلك في السورة التي عرض فيها سوء رأي الجاهلية في الأنثى ، وضيق المجتمع بها ، واستياء من يبشر بمولدها ، وتواريه من القوم حزنا وغما وخجلا وعارا !

وأن العمل الصالح لا بد له من القاعدة الأصيلة يرتكز عليها . قاعدة الإيمان بالله ( وهو مؤمن ) فبغير هذه القاعدة لا يقوم بناء ، وبغير هذه الرابطة لا يتجمع شتاته ، إنما هو هباء كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف . والعقيدة هي المحور الذي تشد إليه الخيوط جميعا ، وإلا فهي أنكاث . فالعقيدة هي التي تجعل للعمل الصالح باعثا وغاية . فتجعل الخير أصيلا ثابتا يستند إلى أصل كبير . لا عارضا مزعزعا يميل مع الشهوات والأهواء حيث تميل .

وأن العمل الصالح مع الإيمان جزاؤه حياة طيبة في هذه الأرض . لا يهم أن تكون ناعمة رغدة ثرية بالمال . فقد تكون به ، وقد لا يكون معها . وفي الحياة أشياء كثيرة غير المال الكثير تطيب بها الحياة في حدود الكفاية : فيها الاتصال بالله والثقة به والاطمئنان إلى رعايته وستره ورضاه . وفيها الصحة والهدوء والرضى والبركة ، وسكن البيوت ومودات القلوب . وفيها الفرح بالعمل الصالح وآثاره في الضمير وآثاره في الحياة . . وليس المال إلا عنصرا واحدا يكفي منه القليل ، حين يتصل القلب بما هو أعظم وأزكى وأبقى عند الله .

وأن الحياة الطيبة في الدنيا لا تنقص من الأجر الحسن في الآخرة .

وأن هذا الأجر يكون على أحسن ما عمل المؤمنون العاملون في الدنيا ، ويتضمن هذا تجاوز الله لهم عن السيئات . فما أكرمه من جزاء !

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{مَنۡ عَمِلَ صَٰلِحٗا مِّن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤۡمِنٞ فَلَنُحۡيِيَنَّهُۥ حَيَوٰةٗ طَيِّبَةٗۖ وَلَنَجۡزِيَنَّهُمۡ أَجۡرَهُم بِأَحۡسَنِ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (97)

هذا وعد من الله تعالى لمن عمل صالحا - وهو العمل المتابع لكتاب الله تعالى وسنة نبيه{[16682]} من ذكر أو أنثى من بني آدم ، وقلبه مؤمن بالله ورسوله ، وإن هذا العمل المأمور به مشروع من عند الله - بأن يحييه الله حياة طيبة في الدنيا وأن يجزيه{[16683]} بأحسن ما عمله في الدار الآخرة .

والحياة الطيبة تشمل وجوه الراحة من أي جهة كانت . وقد روي عن ابن عباس وجماعة أنهم فسروها بالرزق الحلال الطيب .

وعن علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه ، أنه فسرها بالقناعة . وكذا قال ابن عباس ، وعِكْرِمة ، ووهب بن منبه .

وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : أنها{[16684]} السعادة .

وقال الحسن ، ومجاهد ، وقتادة : لا يطيب لأحد حياة إلا في الجنة .

وقال الضحاك : هي الرزق الحلال والعبادة في الدنيا ، وقال الضحاك أيضا : هي{[16685]} العمل بالطاعة والانشراح بها .

والصحيح أن الحياة الطيبة تشمل هذا كله كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد : حدثنا عبد الله بن يزيد ، حدثنا سعيد بن أبي أيوب ، حدثني شرحبيل بن شريك ، عن أبي عبد الرحمن الحُبُلي ، عن عبد الله بن عَمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " قد أفلح من أسلم ورُزق كفافا ، وقَنَّعه الله بما آتاه " .

ورواه مسلم ، من حديث عبد الله بن يزيد المقرئ به{[16686]}

وروى الترمذي والنسائي ، من حديث أبي هانئ ، عن أبي علي الجنبي{[16687]} عن فضالة بن عُبَيد ؛ أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " قد أفلح من هُدي إلى الإسلام ، وكان عيشه كفافا ، وقنع{[16688]} به " . وقال الترمذي : هذا حديث صحيح{[16689]} .

وقال الإمام أحمد ، حدثنا يزيد ، حدثنا هَمَّام ، عن يحيى ، عن قتادة ، عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله لا يظلم المؤمن حسنة يعطى بها في الدنيا [ ويثاب عليها في الآخرة ، وأما الكافر فيعطيه حسناته في الدنيا ]{[16690]} حتى إذا أفضى إلى الآخرة ، لم تكن له حسنة يعطى بها خيرًا " . انفرد بإخراجه مسلم{[16691]} .


[16682]:في ت: "رسوله".
[16683]:في ت: "يجزى".
[16684]:في ت، ف: "هي".
[16685]:في ت، ف: "هو".
[16686]:المسند (2/ 168) وصحيح مسلم برقم (1054).
[16687]:في ت، ف، أ: "الحسبي".
[16688]:في ت: "ومنع".
[16689]:سنن الترمذي برقم (2349).
[16690]:زيادة من ت، ف، أ، والمسند.
[16691]:المسند (3/ 123) وصحيح مسلم برقم (2818).
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{مَنۡ عَمِلَ صَٰلِحٗا مِّن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤۡمِنٞ فَلَنُحۡيِيَنَّهُۥ حَيَوٰةٗ طَيِّبَةٗۖ وَلَنَجۡزِيَنَّهُمۡ أَجۡرَهُم بِأَحۡسَنِ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (97)

القول في تأويل قوله تعالى : { مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىَ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنّهُ حَيَاةً طَيّبَةً وَلَنَجْزِيَنّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } .

يقول تعالى ذكره : من عمل بطاعة الله ، وأوفى بعهود الله إذا عاهد من ذكر أو أنثى من بني آدم وهُوَ مُؤْمِنٌ يقول : وهو مصدّق بثواب الله الذي وعد أهل طاعته على الطاعة ، وبوعيد أهل معصيته على المعصية { فَلَنُحْيِيَنّهُ حَياةً طَيّبَةً } .

واختلف أهل التأويل في الذي عَنَى الله بالحياة الطيبة التي وعد هؤلاء القوم أن يُحْييهموها ، فقال بعضهم : عني أنه يحييهم في الدنيا ما عاشوا فيها بالرزق الحلال . ذكر من قال ذلك :

حدثني أبو السائب ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن إسماعيل بن سَميع ، عن أبي مالك ، عن ابن عباس : { فَلَنُحْيِيَنّهُ حَياةً طَيّبَةً } قال : الحياة الطيبة : الرزق الحلال في الدنيا .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن إسماعيل بن سَمِيع ، عن أبي مالك وأبي الربيع ، عن ابن عباس ، بنحوه .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن إسماعيل بن سَمِيع ، عن أبي الربيع ، عن ابن عباس ، في قوله : { مَنْ عَمِلَ صَالِحا مِنْ ذَكَرٍ أوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنّهُ حَياةً طَيّبَةً } قال : الرزق الحسن في الدنيا .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن إسماعيل بن سَمِيع ، عن أبي الربيع ، عن ابن عباس : { فَلَنُحْيِيَنّهُ حَياةً طَيّبَةً } قال : الرزق الطيب في الدنيا .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا الفضل بن دكين ، قال : حدثنا سفيان ، عن إسماعيل بن سَمِيع ، عن أبي الربيع ، عن ابن عباس : { فَلَنُحْيِيَنّهُ حَياةً طَيّبَةً } قال : الرزق الطيب في الدنيا .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : { مَنْ عَمِلَ صَالِحا مِنْ ذَكَرٍ أوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنّهُ حَياةً طَيّبَةً } ، يعني : في الدنيا .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن عيينة ، عن مطرف ، عن الضحاك : { فَلَنُحْيِيَنّهُ حَياةً طَيّبَةً } ، قال : الرزق الطيب الحلال .

حدثني عبد الأعلى بن واصل ، قال : حدثنا عون بن سلام القرشيّ ، قال : أخبرنا بشر بن عُمارة ، عن أبي رَوْق ، عن الضحاك ، في قوله : { فَلَنُحْيِيَنّهُ حَياةً طَيّبَةً } ، قال : يأكل حلالاً ويلبس حلالاً .

وقال آخرون : { فَلَنُحْيِيَنّهُ حَياةً طَيّبَة } ، ً بأن نرزقه القناعة . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا يحيى بن يمان ، عن المنهال بن خليفة ، عن أبي خزيمة سليمان التمّار ، عمن ذكره عن عليّ : { فَلَنُحْيِيَنّهُ حَياةً طَيّبَةً } ، قال : القنوع .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا أبو عصام ، عن أبي سعيد ، عن الحسن البصريّ ، قال : الحياة الطيبة : القناعة .

وقال آخرون : بل يعني بالحياة الطيبة : الحياة مؤمنا بالله عاملاً بطاعته . ذكر من قال ذلك :

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { فَلَنُحْيِيَنّهُ حَياةً طَيّبَةً } يقول : من عمل عملاً صالحا وهو مؤمن في فاقة أو ميسرة ، فحياته طيبة ، ومن أعرض عن ذكر الله فلم يؤمن ولم يعمل صالحا ، عيشته ضنكة لا خير فيها .

وقال آخرون : الحياة الطيبة السعادة . ذكر من قال ذلك :

حدثني المثنى وعليّ بن داود ، قالا : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : { فَلَنُحْيِيَنّهُ حَياةً طَيّبَةً } ، قال : السعادة .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : الحياة في الجنة . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا هَوْذة ، عن عوف ، عن الحسن : { فَلَنُحْيِيَنّهُ حَياةً طَيّبَةً } ، قال : لا تطيب لأحد حياة دون الجنة .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبو أسامة ، عن عوف ، عن الحسن : { فَلَنُحْيِيَنّهُ حَياةً طَيّبَةً } ، قال : ما تطيب الحياة لأحد إلا في الجنة .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { مَنْ عَمِلَ صَالِحا مِنْ ذَكَرٍ أوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنّهُ حَياةً طَيّبَةً } ، فإن الله لا يشاء عملاً إلا في إخلاص ، ويوجب من عمل ذلك في إيمان ، قال الله تعالى : { فَلَنُحْيِيَنّهُ حَياةً طَيّبَةً } ، وهي الجنة .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : فَلَنُحْيِيَنّهُ حَياةً طَيّبَةً قال : الاَخرة يحييهم حياة طيبة في الاَخرة .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { مَنْ عَمِلَ صَالِحا مِنْ ذَكَرٍ أوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنّهُ حَياةً طَيّبَةً } ، قال : الحياة الطيبة في الاَخرة : هي الجنة ، تلك الحياة الطيبة ، قال : { وَلَنَجْزِيَنّهُمْ أجْرَهُمْ بأحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ } ، وقال : ألا تراه يقول : { يا لَيْتَنِي قَدّمْتُ لِحَياتي } ؟ قال : هذه آخرته . وقرأ أيضا : { وَإنّ الدّارَ الاَخِرَةَ لَهِيَ الحَيَوَانُ } ، قال : الآخرة دار حياة لأهل النار وأهل الجنة ، ليس فيها موت لأحد من الفريقين .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، في قوله : { مَنْ عَمِلَ صَالِحا مِنْ ذَكَرٍ أوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ } ، قال : الإيمان : الإخلاص لله وحده ، فبين أنه لا يقبل عملاً إلا بالإخلاص له .

وأولى الأقوال بالصواب قول من قال : تأويل ذلك : فلنحيينه حياة طيبة بالقناعة ، وذلك أن من قنعه الله بما قسم له من رزق ، لم يكثر للدنيا تعبه ، ولم يعظم فيها نَصَبه ، ولم يتكدّر فيها عيشه ، باتباعه بغية ما فاته منها ، وحرصه على ما لعله لا يدركه فيها .

وإنما قلت ذلك أولى التأويلات في ذلك بالآية ؛ لأن الله تعالى ذكره أوعد قوما قبلها على معصيتهم إياه إن عصوه أذاقهم السوء في الدنيا والعذاب في الآخرة ، فقال تعالى : { وَلا تَتّخِذُوا أيمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتزِلّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها وَتَذُوقُوا السّوءَ بِمَا صَدَدَتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ } ، فهذا لهم في الدنيا ، ولهم في الآخرة عذاب عظيم ، فهذا لهم في الآخرة . ثم أتبع ذلك ما لمَن أوفى بعهد الله وأطاعه فقال تعالى : ما عندكم في الدنيا ينفد ، وما عند الله باق ، فالذي هذه السيئة بحكمته أن يعقب ذلك الوعد لأهل طاعته بالإحسان في الدنيا ، والغفران في الآخرة ، وكذلك فَعَلَ تعالى ذكره .

وأما القول الذي رُوِي عن ابن عباس أنه الرزق الحلال ، فهو محَتمَل أن يكون معناه الذي قلنا في ذلك ، من أنه تعالى يقنعه في الدنيا بالذي يرزقه من الحلال وإن قلّ ، فلا تدعوه نفسه إلى الكثير منه من غير حله ، لا أنه يرزقه الكثير من الحلال ، وذلك أن أكثر العاملين لله تعالى بما يرضاه من الأعمال لم نرهم رُزِقوا الرزق الكثير من الحلال في الدنيا ، ووجدنا ضيق العيش عليهم أغلب من السعة .

وقوله : { وَلَنَجْزِيَنّهُمْ أجْرَهُمْ بأحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ } ، فذلك لا شكّ أنه في الآخرة وكذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني أبو السائب ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن إسماعيل بن سميع ، عن أبي مالك ، عن ابن عباس : { وَلَنَجْزِيَنّهُمْ أجْرَهُمْ بأحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ } ، قال : إذا صاروا إلى الله جزاهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن إسماعيل بن سُمَيع ، عن أبي مالك ، وأبي الربيع ، عن ابن عباس ، مثله .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن إسماعيل بن سُمَيع ، عن أبي الربيع ، عن ابن عباس : { وَلَنَجْزِيَنّهُمْ أجْرَهُمْ } ، قال : في الاَخرة .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن إسماعيل بن سُمَيع ، عن أبي الربيع ، عن ابن عباس ، مثله .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : { وَلَنَجْزِيَنّهُمْ أجْرَهُمْ بأحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ } ، يقول : يجزيهم أجرهم في الآخرة بأحسن ما كانوا يعملون .

وقيل : إن هذه الآية نزلت بسبب قوم من أهل مِلَل شتى تفاخروا ، فقال أهل كلّ ملة منها : نحن أفضل ، فبين الله لهم أفضل أهل الملل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا يعلى بن عبيد ، عن إسماعيل ، عن أبي صالح ، قال : جلس ناس من أهل الأوثان وأهل التوراة وأهل الإنجيل ، فقال هؤلاء : نحن أفضل ، وقال هؤلاء : نحن أفضل ، فأنزل الله تعالى : { مَنْ عَمِلَ صَالِحا مِنْ ذَكَرٍ أوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنّهُ حَياةً طَيّبَةً وَلَنَجْزِيَنّهُمْ أجْرَهُمْ بأحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ } .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{مَنۡ عَمِلَ صَٰلِحٗا مِّن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤۡمِنٞ فَلَنُحۡيِيَنَّهُۥ حَيَوٰةٗ طَيِّبَةٗۖ وَلَنَجۡزِيَنَّهُمۡ أَجۡرَهُم بِأَحۡسَنِ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (97)

لما كان الوعد المتقدم بقوله تعالى ؛ { وليجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون } [ سورة النحل : 96 ] خاصاً بأولئك الذين نهوا عن أن يشتروا بعهد الله ثمناً قليلاً عُقب بتعميمه لكل من ساواهم في الثبات على الإسلام والعمل الصالح مع التبيين للأجر ، فكانت هذه الجملة بمنزلة التذييل للتي قبلها ، والبيان لما تضمّنته من مجمل الأجر . وكلا الاعتبارين يوجب فصلها عمّا قبلها .

وقوله تعالى : { من ذكر أو أنثى } تبيين للعموم الذي دلّت عليه { مَن } الموصولة . وفي هذا البيان دلالة على أن أحكام الإسلام يستوي فيها الذكور والنساء عدا ما خصّصه الدين بأحد الصّنفين . وأكّد هذا الوعدُ كما أكّد المبيّن به .

وذُكر « لنحيينّه » ليبنى عليه بيان نوع الحياة بقوله تعالى : { حياة طيبة } . وذلك المصدر هو المقصود ، أي لنجعلنّ له حياة طيّبة . وابتدىء الوعد بإسناد الإحياء إلى ضمير الجلالة تشريفاً له كأنه قيل : فله حياة طيبة مِنّا . ولما كانت حياة الذّات لها مدّة معيّنة كثُر إطلاق الحياة على مدّتها ، فوصفها بالطيّب بهذا الاعتبار ، أي طيب ما يحصل فيها ، فهذا الوصف مجاز عقلي ، أي طيّباً ما فيها . ويقارنها من الأحول العارضة للمرء في مدّة حياته ، فمن مات من المسلمين الذين عملوا صالحاً عوّضه الله عن عمله ما فاته من وعده .

ويفسّر هذا المعنى ما ورد في الصحيح عن خباب بن الأرت قال : « هاجرنا مع رسول الله نبتغي بذلك وجه الله فوجب أجرنا على الله ، فمنّا من مضى لم يأكل من أجره شيئاً ، كان منهم مُصعَب بنُ عمير قتل يوم أُحد فلم يترك إلا نَمِرة كنّا إذا غطّينا بها رأسه خرجت رجلاه ، وإذا غُطي بها رجلاه خرج رأسه ، ومنّا من أينعت له ثمرته فهو يَهْدُبُها » .

والطيِّب : ما يطيب ويحسن . وضد الطيّب : الخبيث والسيّىء . وهذا وعد بخيرات الدنيَا . وأعظمها الرضى بما قسم لهم وحسن أملهم بالعاقبة والصحّة والعافية وعزّة الإسلام في نفوسهم . وهذا مقام دقيق تتفاوت فيه الأحوال على تفاوت سرائر النفوس ، ويعطي الله فيه عبادهُ المؤمنين على مراتب هممهم وآمالهم . ومن راقب نفسه رأى شواهد هذا .

وقد عُقب بوعد جزاء الآخرة بقوله تعالى : { ولنجزينَّهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون } ، فاختص هذا بأجر الآخرة بالقرينة بخلاف نظيره المتقدّم آنفاً فإنه عامّ في الجَزاءين .