في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{لَّيۡسَ عَلَى ٱلضُّعَفَآءِ وَلَا عَلَى ٱلۡمَرۡضَىٰ وَلَا عَلَى ٱلَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِۦۚ مَا عَلَى ٱلۡمُحۡسِنِينَ مِن سَبِيلٖۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (91)

وأخيرا يحدد التبعة . فليس الخروج ضربة لازب على من يطيقون ومن لا يطيقون . فالإسلام دين اليسر ولا يكلف اللّه نفسا إلا وسعها . والذين عجزوا عن النفرة لا تثريب عليهم ولا مؤاخذة لهم ، لأنهم معذورون :

( ليس على الضعفاء ولا على المرضى ، ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا للّه ورسوله . ما على المحسنين من سبيل ، واللّه غفور رحيم . ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزناً ألا يجدوا ما ينفقون ) .

ليس على الضعفاء العاجزين عن القتال لعلة في تكوينهم ، أو لشيخوخة تقعدهم ؛ ولا على المرضى الذين لا يستطيعون الحركة والجهد ؛ ولا على المعدمين الذين لا يجدون ما يتزودون به . . ليس على هؤلاء حرج إذا تخلفوا عن المعركة في الميدان ، وقلوبهم مخلصة للّه ورسوله ، لا يغشون ولا يخدعون ، ويقومون بعد ذلك بما يستطيعونه - دون القتال - من حراسة أو صيانة أو قيام على النساء والذرية في دار الإسلام ، أو أعمال أخرى تعود بالنفع على المسلمين . ليس عليهم جناح ، وهم يحسنون بقدر ما يستطيعون ، فلا جناح على المحسنين ، إنما الجناح على المسيئين .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{لَّيۡسَ عَلَى ٱلضُّعَفَآءِ وَلَا عَلَى ٱلۡمَرۡضَىٰ وَلَا عَلَى ٱلَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِۦۚ مَا عَلَى ٱلۡمُحۡسِنِينَ مِن سَبِيلٖۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (91)

ثم بين تعالى الأعذار التي لا حَرَج على من قعد فيها عن القتال ، فذكر منها ما هو لازم للشخص لا ينفك عنه ، وهو الضعف في التركيب الذي لا يستطيع معه الجلاد في الجهاد ، ومنه العمى والعَرَج ونحوهما ، ولهذا بدأ به . ما هو عارض بسبب مرض عَنَّ له في بدنه ، شغله عن الخروج في سبيل الله ، أو بسبب فقره{[13772]} لا يقدر على التجهز للحرب ، فليس على هؤلاء حَرَج إذا قعدوا ونصحوا في حال قعودهم ، ولم يرجفوا بالناس ، ولم يُثَبِّطوهم ، وهم محسنون في حالهم هذا ؛ ولهذا قال : { مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ }

وقال سفيان الثوري ، عن عبد العزيز بن رفيع ، عن أبي ثمامة ، رضي الله عنه ، قال : قال الحواريون : يا روح الله ، أخبرنا عن الناصح لله ؟ قال : الذي يُؤثِر حق الله على حق الناس ، وإذا حدث له أمران - أو : بدا له أمر الدنيا وأمر الآخرة - بدأ بالذي للآخرة ثم تفرغ للذي للدنيا .

وقال الأوزاعي : خرج الناس إلى الاستسقاء ، فقام فيهم بلال بن سعد ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : يا معشر من حضر : ألستم مقرين بالإساءة ؟ قالوا : اللهم نعم . فقال : اللهم ، إنا نسمعك تقول : { مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ } اللهم ، وقد أقررنا بالإساءة فاغفر لنا وارحمنا واسقِنا . ورفع يديه ورفعوا أيديهم فَسُقوا .

وقال قتادة : نزلت هذه الآية في عائذ بن عمرو المزني .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا هشام بن عبيد الله الرازي ، حدثنا ابن جابر ، عن ابن فروة ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن زيد بن ثابت قال : كنت أكتبُ لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكنت أكتب " براءة " فإني لواضعُ القلم على أذني إذ أمرْنا بالقتال ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر ما ينزل عليه ، إذا جاء أعمى فقال : كيف بي يا رسول الله وأنا أعمى ؟ فأنزل الله{[13773]} { لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى } الآية{[13774]} وقال العوفي ، عن ابن عباس في هذه الآية : وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرَ الناس أن ينبعثوا غازين معه ، فجاءته عصابة من أصحابه ، فيهم عبد الله بن مُغَفَّل المزني{[13775]} فقالوا : يا رسول الله ، احملنا . فقال لهم : " والله لا{[13776]} أجد ما أحملكم عليه " . فتولوا ولهم بكاء ، وعزَّ عليهم أن يجلسوا عن الجهاد ، ولا يجدون نفقة ولا محملا . فلما رأى الله حرْصَهم على محبته ومحبة رسوله أنزل عذرهم في كتابه ، فقال : { لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ } إلى قوله تعالى : { فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ } .


[13772]:- في ت ، أ : "فقر".
[13773]:- في ت ، أ : "فنزلت".
[13774]:- ورواه الدارقطني في الأفراد كما في الأطراف لابن طاهر (ق 134) وقال : "غريب من حديث أبي فروة - مسلم بن سالم عنه - أي ابن أبي ليلى - عن زيد ، تفرد به محمد بن جابر عنه ، وهو غريب من حديث ابن أبي ليلى لا يعلم حدث به عنه غير أبي فروة".
[13775]:- في ت ، ك ، أ : "عبد الله بن معقل بن مقرن".
[13776]:- في ت ، ك : "ما".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{لَّيۡسَ عَلَى ٱلضُّعَفَآءِ وَلَا عَلَى ٱلۡمَرۡضَىٰ وَلَا عَلَى ٱلَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِۦۚ مَا عَلَى ٱلۡمُحۡسِنِينَ مِن سَبِيلٖۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (91)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ لّيْسَ عَلَى الضّعَفَآءِ وَلاَ عَلَىَ الْمَرْضَىَ وَلاَ عَلَى الّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ للّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَاللّهُ غَفُورٌ رّحِيمٌ } .

يقول تعالى ذكره : ليس على أهل الزمانة وأهل العجز عن السفر والغزو ، ولا على المرضى ، ولا على من لا يجد نفقة يتبلغ بها إلى مغزاه حرج ، وهو الإثم يقول : ليس عليهم إثم إذا نصحوا الله ولرسوله في مغيبهم عن الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم . ما عَلى المُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ يقول : ليس على من أحسن فنصح الله ورسوله في تخلفه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن جهاد معه لعذر يعذر به طريق يتطرّق عليه فيعاقب من قبله . وَاللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ يقول : والله ساتر على ذنوب المحسنين ، يتغمدها بعوفه لهم عنها ، رحيم بهم أن يعاقبهم عليها .

وذُكر أن هذه الآية نزلت في عائذ بن عمرو المزني . وقال بعضهم : في عبد الله بن مغفل . ذكر من قال نزلت في عائذ بن عمرو :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : لَيْسَ على الضّعَفَاءِ ولاَ على المَرْضى وَلا على الّذِينَ لاَ يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إذَا نَصَحُوا لِلّهِ ورَسُولِهِ نزلت في عائذ بن عمرو .

ذكر من قال نزلت في ابن مغفل :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : لَيْسَ على الضّعَفاءِ وَلا على المَرْضَى . . . إلى قوله : حَزَنا أنْ لا يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الناس أن ينبعثوا غازين معه ، فجاءته عصابة من أصحابه فيهم عبد الله بن مغفل المزني ، فقالوا : يا رسول الله احملنا فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : «وَاللّهُ ما أجِدُ ما أحْمِلكُمْ عَلَيْهِ » فتولوا ولهم بكاء ، وعزّ عليهم أن يجلسوا عن الجهاد ولا يجدون نفقة ولا مَحملاً . فلما رأى الله حرصهم على محبته ومحبة رسوله ، أنزل عذرهم في كتابه ، فقال : لَيْسَ على الضّعَفاءِ وَلا على المَرْض ولا على الذين لا يجدون ما ينقفون حرج . إلى قوله فهم لا يعلمون .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{لَّيۡسَ عَلَى ٱلضُّعَفَآءِ وَلَا عَلَى ٱلۡمَرۡضَىٰ وَلَا عَلَى ٱلَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِۦۚ مَا عَلَى ٱلۡمُحۡسِنِينَ مِن سَبِيلٖۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (91)

يقول تعالى ليس على أهل الأعذار الصحيحة من ضعف أبدان أو مرض أو زمانة أو عدم نفقة إثم ، و «الحرج » الإثم{[5832]} ، وقوله : { إذا نصحوا } يريد بنياتهم وأقوالهم سراً وجهراً ، وقرأ حيوة «نصحوا الله ورسوله » بغير لام وبنصب الهاء المكتوبة{[5833]} ، وقوله تعالى : { ما على المحسنين من سبيل } الآية ، في لائمة تناط بهم أو تذنيب أو عقوبة ، ثم أكد الرجاء بقوله { والله غفور رحيم } وقرأ ابن عباس «والله لأهل الإساءة غفور رحيم » .

قال القاضي أبو محمد : وهذا على جهة التفسير أشبه منه على جهة التلاوة لخلافه المصحف ، واختلف فيمن المراد بقوله : { الذين لا يجدون ما ينفقون } ، فقالت فرقة : نزلت في بني مقرن .

قال القاضي أبو محمد : وبنو مقرن ستة إخوة صحبوا النبي صلى الله عليه وسلم وليس في الصحابة ستة إخوة غيرهم ، وقيل كانوا سبعة{[5834]} ، وقيل نزلت في عبد الله بن مغفل المزني ، قاله ابن عباس .


[5832]:- هذه الآية أصل في سقوط التكليف عن العاجز، فكل من عجز عن شيء سقط عنه، ولا فرق بين العجز من جهة القوة أو العجز من جهة المال، وسقوط التكليف يكون إلى بدل هو فعل تارة، أو غرم تارة أخرى، ونظيرها قوله تعالى: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها}، وقوله تبارك وتعالى: {ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج}. ومثل هذه الآيات ما رواه البخاري، والإمام أحمد، وأبو الشيخ، وابن مردويه، وغيرهم- عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قفل من غزوة تبوك فأشرف على المدينة قال: (لقد تركتم بالمدينة رجالا ما سرتم في مسير ولا أنفقتم من نفقة ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم فيه): قالوا: يا رسول الله، وكيف يكونون معنا وهم بالمدينة؟ قال: (حبسهم العذر)، فلا حرج على من حبسه العذر، وفضل الله كبير، ورحمته وسعت كل شيء.
[5833]:-يريد لفظ الجلالة.
[5834]:- في (القاموس) –مادة قرن- "عبد الله- وعبد الرحمن، وعقيل، ومعقل، والنعمان، وسويد، وسنان أولاد مقرن "كمحدث صحابيون".