في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَكَيۡفَ إِذَآ أَصَٰبَتۡهُم مُّصِيبَةُۢ بِمَا قَدَّمَتۡ أَيۡدِيهِمۡ ثُمَّ جَآءُوكَ يَحۡلِفُونَ بِٱللَّهِ إِنۡ أَرَدۡنَآ إِلَّآ إِحۡسَٰنٗا وَتَوۡفِيقًا} (62)

58

ثم يعرض مظهرا من مظاهر النفاق في سلوكهم ؛ حين يقعون في ورطة أو كارثة بسبب عدم تلبيتهم للدعوة إلى ما أنزل الله وإلى الرسول ؛ أو بسبب ميلهم إلى التحاكم إلى الطاغوت . ومعاذيرهم عند ذلك . وهي معاذير النفاق :

( فكيف إذا أصابتهم مصيبة - بما قدمت أيديهم - ثم جاؤوك يحلفون بالله : إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا ) . .

وهذه المصيبة قد تصيبهم بسبب انكشاف أمرهم في وسط الجماعة المسلمة - يومذاك - حيث يصبحون معرضين للنبذ والمقاطعة والازدراء في الوسط المسلم . فما يطيق المجتمع المسلم أن يرى من بينه ناسا يزعمون أنهم آمنوا بالله وما أنزل ، وبالرسول وما أنزل إليه ؛ ثم يميلون إلى التحاكم لغير شريعة الله ؛ أو يصدون حين يدعون إلىالتحاكم إليها . . إنما يقبل مثل هذا في مجتمع لا إسلام له ولا إيمان . وكل ما له من الإيمان زعم كزعم هؤلاء ؛ وكل ما له من الإسلام دعوى وأسماء !

أو قد تصيبهم المصيبة من ظلم يقع بهم ؛ نتيجة التحاكم إلى غير نظام الله العادل ؛ ويعودون بالخيبة والندامة من الاحتكام إلى الطاغوت ؛ في قضية من قضاياهم .

أو قد تصيبهم المصيبة ابتلاء من الله لهم . لعلهم يتفكرون ويهتدون . .

وأياما ما كان سبب المصيبة ؛ فالنص القرآني ، يسأل مستنكرا : فكيف يكون الحال حينئذ ! كيف يعودون إلى الرسول [ ص ] :

( يحلفون بالله إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا ) . . .

إنها حال مخزية . . حين يعودون شاعرين بما فعلوا . . غير قادرين على مواجهة الرسول [ ص ] بحقيقة دوافعهم . وفي الوقت ذاته يحلفون كاذبين : أنهم ما أرادوا بالتحاكم إلى الطاغوت - وقد يكون هنا هو عرف الجاهلية - إلا رغبة في الإحسان والتوفيق ! وهي دائما دعوى كل من يحيدون عن الاحتكام إلى منهج الله وشريعته : أنهم يريدون اتقاء الإشكالات والمتاعب والمصاعب ، التي تنشأ من الاحتكام إلى شريعة الله ! ويريدون التوفيق بين العناصر المختلفة والاتجاهات المختلفة والعقائد المختلفة . . إنها حجة الذين يزعمون الإيمان - وهم غير مؤمنين - وحجة المنافقين الملتوين . . هي هي دائما وفي كل حين !

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَكَيۡفَ إِذَآ أَصَٰبَتۡهُم مُّصِيبَةُۢ بِمَا قَدَّمَتۡ أَيۡدِيهِمۡ ثُمَّ جَآءُوكَ يَحۡلِفُونَ بِٱللَّهِ إِنۡ أَرَدۡنَآ إِلَّآ إِحۡسَٰنٗا وَتَوۡفِيقًا} (62)

ثم قال تعالى في ذم المنافقين : { فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ } أي : فكيف بهم إذا ساقتهم المقادير إليك في مصائب تطرقهم بسبب ذنوبهم واحتاجوا إليك في ذلك ، { ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا } أي : يعتذرون إليك ويحلفون : ما أردنا بذهابنا إلى غيرك ، وتحاكمنا إلى عداك إلا الإحسان والتوفيق ، أي : المداراة والمصانعة ، لا اعتقادا منا صحة تلك الحكومة ، كما أخبرنا تعالى عنهم في قوله : { فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى [ أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ ]{[7824]} فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ } [ المائدة : 52 ] .

وقد قال الطبراني : حدثنا أبو زيد أحمد بن يزيد الحَوْطِيّ ، حدثنا أبو اليمان ، حدثنا صفوان بن عمر ، عن عكرمة ، عن ابن عباس . قال : كان أبو بَرْزَة الأسلمي كاهنا يقضي بين اليهود فيما يتنافرون فيه فتنافر إليه ناس من المسلمين فأنزل الله عز وجل : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزلَ مِنْ قَبْلِكَ [ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ ]{[7825]} } إلى قوله : { إِنْ أَرَدْنَا إِلا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا }


[7824]:زيادة من أ، وفي هـ: "إلى قوله".
[7825]:زيادة من أ.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَكَيۡفَ إِذَآ أَصَٰبَتۡهُم مُّصِيبَةُۢ بِمَا قَدَّمَتۡ أَيۡدِيهِمۡ ثُمَّ جَآءُوكَ يَحۡلِفُونَ بِٱللَّهِ إِنۡ أَرَدۡنَآ إِلَّآ إِحۡسَٰنٗا وَتَوۡفِيقًا} (62)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ فَكَيْفَ إِذَآ أَصَابَتْهُمْ مّصِيبَةٌ بِمَا قَدّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمّ جَآءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنْ أَرَدْنَآ إِلاّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً } . .

يعني بذلك جلّ ثناؤه : فكيف بهؤلاء الذين يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت ، وهم يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك { إذَا أصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ } يعني : إذا نزلت بهم نقمة من الله ، { بِمَا قَدّمَتْ أيْدِيهِمْ } يعني : بذنوبهم التي سلفت منهم ، { ثُمّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بالله } يقول : ثم جاءوك يحلفون بالله كذبا وزُورا ، { إنْ أَرَدْنا إلاّ إحْسَانا وَتَوْفِيقا } . وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن هؤلاء المنافقين أنهم لا يردعهم عن النفاق العبر والنقم ، وأنهم وإن تأتهم عقوبة من الله على تحاكمهم إلى الطاغوت ، لم يُنيبوا ولم يتوبوا ، ولكنهم يحلفون بالله كذبا وجرأة على الله ما أردنا باحتكامنا إليه إلا الإحسان من بعضنا إلى بعض ، والصواب فيما احتكمنا فيه إليه .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَكَيۡفَ إِذَآ أَصَٰبَتۡهُم مُّصِيبَةُۢ بِمَا قَدَّمَتۡ أَيۡدِيهِمۡ ثُمَّ جَآءُوكَ يَحۡلِفُونَ بِٱللَّهِ إِنۡ أَرَدۡنَآ إِلَّآ إِحۡسَٰنٗا وَتَوۡفِيقًا} (62)

{ فكيف } يكون حالهم . { إذا أصابتهم مصيبة } كقتل عمر المنافق أو النقمة من الله تعالى . { بما قدمت أيديهم } من التحاكم إلى غيرك وعدم الرضى بحكمك . { ثم جاؤوك } حين يصابون للاعتذار ، عطف على أصابتهم . وقيل على يصدون وما بينهما اعتراض . { يحلفون بالله } حال . { إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا } ما أردنا بذلك إلا الفصل بالوجه الأحسن والتوفيق بين الخصمين ، ولم نرد مخالفتك . وقيل جاء أصحاب القتيل طالبين بدمه وقالوا ما أردنا بالتحاكم إلى عمر إلا أن يحسن إلى صاحبنا ويوفق بينه وبين خصمه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَكَيۡفَ إِذَآ أَصَٰبَتۡهُم مُّصِيبَةُۢ بِمَا قَدَّمَتۡ أَيۡدِيهِمۡ ثُمَّ جَآءُوكَ يَحۡلِفُونَ بِٱللَّهِ إِنۡ أَرَدۡنَآ إِلَّآ إِحۡسَٰنٗا وَتَوۡفِيقًا} (62)

قالت فرقة : هي في المنافقين الذين احتكموا حسب ما تقدم ، فالمعنى : فكيف بهم إذا عاقبهم الله بهذه الذنوب بنقمة منه ؟ ثم حلفوا إن أردنا بالاحتكام إلى الطاغوت إلا توفيق الحكم وتقريبه ، دون مر الحكم وتقصي الحق ، وقالت فرقة : هي في المنافقين الذين طلبوا دم الذي قتله عمر ، فالمعنى : { فكيف } بهم { إذا أصابتهم مصيبة } في قتل قريبهم ومثله من نقم الله تعالى ، ثم إنهم حلفوا ما أرادوا بطلب دمه { إلا إحساناً } وحقاً ، نحا إليه الزجّاج ، وموضع { كيف } نصب بفعل تقديره : فكيف تراهم ونحوه ، ويصح أن يكون موضعها رفعاً ، تقديره : فكيف صنيعهم{[4130]} ؟


[4130]:- و(إذا) ظرف منصوب بتراهم أو بصنيعهم. وفي قوله تعالى: {فكيف إذا أصابتهم مصيبة} وعيد لهم على فعلهم، وأنهم سيندمون عليه عند حلول بأس الله تعالى حين لا ينفعهم الندم ولا يغني عنهم الاعتذار.