في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أُوْلَـٰٓئِكَ عَلَيۡهِمۡ صَلَوَٰتٞ مِّن رَّبِّهِمۡ وَرَحۡمَةٞۖ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُهۡتَدُونَ} (157)

وهؤلاء هم الذين يعلن المنعم الجليل مكانهم عنده جزاء الصبر الجميل :

( أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة ، وأولئك هم المهتدون ) . .

صلوات من ربهم . . يرفعهم بها إلى المشاركة في نصيب نبيه الذي يصلي عليه هو وملائكته سبحانه . . وهو مقام كريم . . ورحمة . . وشهادة من الله بأنهم هم المهتدون . .

وكل أمر من هذه هائل عظيم . .

وبعد . . فلا بد من وقفة أمام هذه الخاتمة في تلك التعبئة للصف الإسلامي . التعبئة في مواجهة المشقة والجهد ، والاستشهاد والقتل ، والجوع والخوف ، ونقص الأموال والأنفس والثمرات . التعبئة في هذه المعركة الطويلة الشاقة العظيمة التكاليف .

إن الله يضع هذا كله في كفة . ويضع في الكفة الأخرى أمرا واحدا . . صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون . . إنه لا يعدهم هنا نصرا ، ولا يعدهم هنا تمكينا ، ولا يعدهم هنا مغانم ، ولا يعدهم هنا شيئا إلا صلوات الله ورحمته وشهادته . . لقد كان الله يعد هذه الجماعة لأمر أكبر من ذواتها وأكبر من حياتها . فكان من ثم يجردها من كل غاية ، ومن كل هدف ومن كل رغبة من الرغبات البشرية - حتى الرغبة في انتصار العقيدة - كان يجردها من كل شائبة تشوب التجرد المطلق له ولطاعته ولدعوته . . كان عليهم أن يمضوا في طريقهم لا يتطلعون إلى شيء إلا رضى الله وصلواته ورحمته وشهادته لهم بأنهم مهتدون . . هذا هو الهدف ، وهذه هي الغاية ، وهذه هي الثمرة الحلوة التي تهفو إليها قلوبهم وحدها . . فأما ما يكتبه الله لهم بعد ذلك من النصر والتمكين فليس لهم ، إنما هو لدعوة الله التي يحملونها .

إن لهم في صلوات الله ورحمته وشهادته جزاء . جزاء على التضحية بالأموال والأنفس والثمرات . وجزاء على الخوف والجوع والشدة . وجزاء على القتل والشهادة . . إن الكفة ترجح بهذا العطاء فهو أثقل في الميزان من كل عطاء . أرجح من النصر وأرجح من التمكين وأرجح من شفاء غيظ الصدور . .

هذه هي التربية التي أخذ الله بها الصف المسلم ليعده ذلك الإعداد العجيب ، وهذا هو المنهج الإلهي في التربية لمن يريد استخلاصهم لنفسه ودعوته ودينه من بين البشر أجمعين .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{أُوْلَـٰٓئِكَ عَلَيۡهِمۡ صَلَوَٰتٞ مِّن رَّبِّهِمۡ وَرَحۡمَةٞۖ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُهۡتَدُونَ} (157)

ولهذا أخبر تعالى عما{[2980]} أعطاهم على ذلك فقال : { أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ } أي : ثناء من الله عليهم ورحمة .

قال سعيد بن جبير : أي أَمَنَةٌ من العذاب { وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ } قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب : نعم العدْلان ونعمت العلاوة { أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ } فهذان العدلان { وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ } فهذه العلاوة ، وهي ما توضع بين العدلين ، وهي زيادة في الحمل وكذلك هؤلاء ، أعطوا ثوابهم وزيدوا{[2981]} أيضًا .

/خ157


[2980]:في جـ: "بما".
[2981]:في جـ: "ويزيدوا".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{أُوْلَـٰٓئِكَ عَلَيۡهِمۡ صَلَوَٰتٞ مِّن رَّبِّهِمۡ وَرَحۡمَةٞۖ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُهۡتَدُونَ} (157)

القول في تأويل قوله تعالى : { أُولََئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مّن رّبّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولََئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ }

يعني تعالى ذكره بقوله : أُولَئِكَ هؤلاء الصابرون الذين وصفهم ونعتهم عليهم ، يعني لهم صلوات يعني مغفرة . وصلوات الله على عباده : غفرانه لعباده ، كالذي رُوي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال : «اللّهُمّ صَلّ على آل أبي أوْفَى » يعني اغفر لهم . وقد بينا الصلاة وما أصلها في غير هذا الموضع .

وقوله : وَرَحْمَةٌ يعني ولهم مع المغفرة التي بها صفح عن ذنوبهم وتغمدها رحمة من الله ورأفة .

ثم أخبر تعالى ذكره مع الذي ذكر أنه معطيهم على اصطبارهم على محنه تسليما منهم لقضائه من المغفرة والرحمة أنهم هم المهتدون المصيبون طريق الحقّ والقائلون ما يرضى عنهم والفاعلون ما استوجبوا به من الله الجزيل من الثواب . وقد بينا معنى الاهتداء فيما مضى فإنه بمعنى الرشد بالصواب . وبمعنى ما قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال حدثني معاوية بن صالح ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله : الّذِينَ إذَا أصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إنّا لِلّهِ وإنّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ المُهْتَدُونَ قال : أخبر الله أن المؤمن إذا سلم الأمر إلى الله ورجع واسترجع عند المصيبة ، كتب له ثلاث خصال من الخير : الصلاة من الله ، والرحمة ، وتحقيق سبيل الهدى . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مَنْ اسْتَرْجَعَ عِنْدَ المُصِيبَةِ جَبَرَ اللّهُ مُصِيبَتَهُ ، وأحْسَنَ عُقْبَاهُ ، وَجَعَلَ لَهُ خَلَفا صَالِحا يَرْضَاهُ » .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع في قوله : أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبّهِمْ وَرَحْمَةٌ يقول : الصلوات والرحمة على الذين صبروا واسترجعوا .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان العصفري ، عن سعيد بن جبير ، قال : ما أعطي أحد ما أعطيت هذه الأمة : الّذِينَ إذَا أصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إنّا لِلّهِ وإنّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبّهِمْ وَرَحْمَةٌ ولو أعطيها أحد لأُعطيها يعقوب عليه السلام ، ألم تسمع إلى قوله : يا أسَفَى عَلَى يُوسُفَ .