فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{أُوْلَـٰٓئِكَ عَلَيۡهِمۡ صَلَوَٰتٞ مِّن رَّبِّهِمۡ وَرَحۡمَةٞۖ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُهۡتَدُونَ} (157)

{ صلوات من ربهم } مدح وتعظيم { رحمة } نعم عاجلة وآجلة

{ المهتدون } الملتزمون بمنهاج الصواب الفائزون بالكرامة والثواب

{ أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون } قال عمر رضي الله عنه نعم العدلان ونعم العلاوة أراد بالعدلين الصلاة والرحمة وبالعلاوة الاهتداء ؛ وصلاة الله على عبده عفوه وبركته وتشريفه إياه في الدنيا والآخرة وقال الزجاج : الصلاة من الله عز وجل الغفران والثناء الحسن . . ا ه . وقد يراد بالرحمة كشف الكربة وقضاء الحاجة – يعني تعالى ذكره بقوله { أولئك } هؤلاء الصابرون{[541]} الذين وصفهم ونعتهم { عليهم } يعني لهم { صلوات } يعني مغفرة وصلوات الله على عباده غفرانه كالذي روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( اللهم صل على آل أبي أوفى ) يعني اغفر لهم . . . ثم أخبر تعالى ذكرهم مع الذي ذكر أنه معطيهم على اصطبارهم على محنه تسليما منهم لقضائه من المغفرة والرحمة أنهم هم المهتدون المصيبون طريق الحق والقائلون مال يرضى عنهم والفاعلون ما استوجبوا به من الله جزيل الثواب .


[541]:نقل النيسابوري عن الغزالي رحمه الله تعالى بحثا في الصبر ومما قال.. لكنه إذا بلغ انضم له مع الشهوة الباعثة على اللذات العاجلة عقل يدعوه إلى الإعراض عنها والإقبال على تحصيل السعادات الباقية فيقع بين داعيتي العقل والشهوة تضاد وتضاد قصد العقل إياها هو المعنى بالصبر وإنه ضربان بدني فعلا كتعاطي الأعمال الشاقة أو انفعالا كالثبات على الآلام ونفساني وهو منع النفس عن مقتضيات الطبع فإن كان حبسا عن شهوة البطن والفرج سمي عفة وإن كان احتمال مكروه فإن كان من مصيبة خص باسم الصبر ويضاده حالة هي الجزع وإن كان في حال الغنى سمي ضبط النفس شكرا ويضاده حال البطر... وإن كان في كظم الغيظ والغضب يسمى حلما ويضاده النزق.. وإن كان على قدر يسير من المال يسمى قناعة ويضاده الشره وليس الصبر أن لا يجد الإنسان ألم المكروه ولا أن يكره ذلك فإنه غير ممكن وإنما الصبر هو حمل النفس على ترك إظهار الجزع ولا بأس في ظهور الدمع وتغير اللون فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم بكى على ابنه إبراهيم فقيل له في ذلك فقال (إنها رحمة إنما يرحم الله من عباده الرحماء) ثم قال (العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا) وقد وصف الله تعالى الصبر في القرآن في نيف وسبعين موضعا وأضاف أكثر الخيرات إليه فقال {وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا} {وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا} {ولنجزين الذين صبروا} فما من طاعة إلا فأجرها مقدر إلا الصبر ووعد الصابرين أنه معهم فقال {واصبروا إن الله مع الصابرين }.. وقال إن تصبروا وتتقوا ويأتيكم من فوركم هذا يمدكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة...} 1هـ. وروى أحمد والترمذي عن ابن سنان قال دفنت ابنا لي فإني لفي القبر إذ أخذ بيدي أبو طلحة (يعني الخولاني) فأخرجني وقال لي ألا أبشرك قلت بلى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {قال الله: يا ملك الموت قبضت ولد عبدي قبضت قرة عينه وثمرة فؤاده قال نعم قال فما قال قال حمدك واسترجع قال ابنوا له بيتا في الجنة وسموه بيت الحمد} وفي الأثر عن زين العابدين إذ جمع الله الأولين والآخرين ينادي مناد أين الصابرون ليدخلوا الجنة قبل الحساب قال فيقوم ناس فتتلقاهم الملائكة فيقولون إلى أين يا بني آدم فيقولون إلى الجنة فيقولون قبل الحساب قالوا نعم قالوا من أنتم قالوا نحن الصابرون قالوا وما كان صبركم قالوا صبرنا على طاعة الله وصبرنا عن معصية الله قالوا أنتم كما قلتم ادخلوا الجنة فنعم أجر العاملين ويشهد لهذا قوله تعالى {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب}.