في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَوۡ تَرَىٰٓ إِذِ ٱلۡمُجۡرِمُونَ نَاكِسُواْ رُءُوسِهِمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ رَبَّنَآ أَبۡصَرۡنَا وَسَمِعۡنَا فَٱرۡجِعۡنَا نَعۡمَلۡ صَٰلِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ} (12)

وبمناسبة البعث الذي يعترضون عليه والرجعة التي يشكون فيها ، يقفهم وجها لوجه أمام مشهد من مشاهد القيامة ؛ مشهد حي شاخص حافل بالتأثرات والحركات والحوار كأنه واقع مشهود :

ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رؤوسهم عند ربهم . ربنا أبصرنا وسمعنا ، فارجعنا نعمل صالحا ، إنا موقنون - ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ، ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين - فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا ، إنا نسيناكم ، وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون . .

إنه مشهد الخزي والاعتراف بالخطيئة ، والإقرار بالحق الذي جحدوه ، وإعلان اليقين بما شكوا فيه ، وطلب العودة إلى الأرض لإصلاح ما فات في الحياة الأولى . . وهم ناكسو رؤوسهم خجلا وخزيا . . ( عند ربهم ) . . الذي كانوا يكفرون بلقائه في الدنيا . . ولكن هذا كله يجيء بعد فوات الأوان حيث لا يجدي اعتراف ولا إعلان .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلَوۡ تَرَىٰٓ إِذِ ٱلۡمُجۡرِمُونَ نَاكِسُواْ رُءُوسِهِمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ رَبَّنَآ أَبۡصَرۡنَا وَسَمِعۡنَا فَٱرۡجِعۡنَا نَعۡمَلۡ صَٰلِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ} (12)

يخبر تعالى عن حال المشركين يوم القيامة ، وحالهم حين عاينوا البعث ، وقاموا بين يدي الله حقيرين ذليلين ، ناكسي رؤوسهم ، أي : من الحياء والخجل ، يقولون : { رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا } {[23075]} أي : نحن الآن نسمع قولك ونطيع أمرك ، كما قال تعالى : { أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا } [ مريم : 38 ] . وكذلك يعودون على أنفسهم بالملامة إذا {[23076]} دخلوا النار بقولهم : { لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ } [ الملك : 10 ] . وهكذا هؤلاء يقولون : { رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا } أي : إلى الدار الدنيا ، { نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ } أي : قد أيقنا وتحققنا أن وعدك حق ولقاءك حق ، وقد علم الرب تعالى منهم أنه لو أعادهم إلى الدار الدنيا لكانوا كما كانوا فيها كفارا يكذبون آيات{[23077]} الله ويخالفون رسله ، كما قال : { وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ . بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ } [ الأنعام : 27 - 29 ] . وقال هاهنا { وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا }


[23075]:- بعدها في ف، أ: "فارجعنا نعمل صالحا".
[23076]:- في ت: "إذ".
[23077]:- في ت، ف: "بآيات".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلَوۡ تَرَىٰٓ إِذِ ٱلۡمُجۡرِمُونَ نَاكِسُواْ رُءُوسِهِمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ رَبَّنَآ أَبۡصَرۡنَا وَسَمِعۡنَا فَٱرۡجِعۡنَا نَعۡمَلۡ صَٰلِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ} (12)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَلَوْ تَرَىَ إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُواْ رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبّهِمْ رَبّنَآ أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنّا مُوقِنُونَ } .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : لو ترى يا محمد هؤلاء القائلين أئِذَا ضَلَلْنا فِي الأرْضِ أئِنّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ إذ هم ناكسوا رؤوسهم عند ربهم حياء من ربهم ، للذي سلف منهم من معاصيه في الدنيا ، يقولون : يا رَبّنَا أبْصَرْنَا ما كنا نكذّب به من عقابك أهل معاصيك وَسَمِعْنَا منك تصديق ما كانت رسلك تأمرنا به في الدنيا ، فارجعنا يقول : فارددنا إلى الدنيا نعمل فيها بطاعتك ، وذلك العمل الصالح إنّا مُوقِنُونَ يقول : إنا قد أيقنا الاَن ما كنا به في الدنيا جهالاً من وحدانيتك ، وأنه لا يصلح أن يُعبد سواك ، ولا ينبغي أن يكون ربّ سواك ، وأنك تحيي وتميت ، وتبعث من في القبور بعد الممات والفناء وتفعل ما تشاء .

وبنحو ما قلنا في قوله : نَاكِسُوا رُءُوسِهمْ قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، قوله وَلَوْ تَرَى إذِ المُجْرِمونَ ناكِسُوا رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبّهِمْ قال : قد حزنوا واستحيوا .