الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَلَوۡ تَرَىٰٓ إِذِ ٱلۡمُجۡرِمُونَ نَاكِسُواْ رُءُوسِهِمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ رَبَّنَآ أَبۡصَرۡنَا وَسَمِعۡنَا فَٱرۡجِعۡنَا نَعۡمَلۡ صَٰلِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ} (12)

قوله : { وَلَوْ تَرَى } : في " لو " هذه وجهان ، أحدهما : أنها لِما كان سيقع لوقوع غيره . وعَبَّر عنها الزمخشريُّ بامتناعٍ لامتناعٍ . وناقشه الشيخ في ذلك . وقد تقدَّم في أول البقرة تحقيقُه . وعلى هذا جوابُها محذوفٌ أي : لَرَأَيْتَ أمراً فظيعاً . الثاني : أنَّها للتمني . قال الزمخشري : كأنه قيل : وَلَيْتَكَ ترى . وفيها إذا كانت للتمني خلافٌ : هل تقتضي جواباً أم لا ؟ وظاهرُ تقديرِ الزمخشري هنا أنه لا جوابَ لها . قال الشيخ : " والصحيحُ/ أنَّ لها جواباً " . وأنشدَ قولَ الشاعر :

3672 فلو نُبِشَ المقابرُ عن كُلَيْبٍ *** فَيُخبِرَ بالذَّنائبِ أيُّ زِيْرِ

بيومِ الشَّعْثَمَيْنِ لَقَرَّ عيناً *** وكيف لِقاءُ مَنْ تحتَ القُبورِ

قال الزمخشري : " و " لو " تجيءُ في معنى التمني كقولك : لو تأتيني فتحدثَني كما تقول : ليتك تأتيني فتحدثني " . قال ابن مالك : " إن أراد به الحذفَ أي : وَدِدْتُ لو تأتيني فتحدثَني فصحيحٌ ، وإن أراد أنها موضوعةٌ له فليس بصحيح ؛ إذ لو كانت موضوعةً له لم يُجْمَعْ بينها وبينه كما لم يُجْمَعْ بين " ليت " وأتمنى ، ولا " لعلَّ " وأترجَّى ، ولا " إلاَّ " وأَسْتَثْني . ويجوز أن يُجْمَعَ بين لو وأتمنى تقول : تمنَّيْتُ لو فعلتُ كذا " . وهل المخاطبُ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أو غيرُه ؟ خلاف . و " إذ " على بابها من المضيِّ لأنَّ " لو " تَصْرِفُ المضارِعَ للمضيِّ . وإنما جيءَ هنا ماضياً لتحقُّقِ وقوعِه نحو : { أَتَى أَمْرُ اللَّهِ } [ النحل : 1 ] وجعله أبو البقاء ممَّا وَقَع فيه " إذ " موقعَ " إذا " ولا حاجةَ إليه .

قوله : " ناكِسُو " العامَّةُ على أنه اسمُ فاعلٍ مضافٌ لمفعوله تخفيفاً . وزيدُ بن علي " نَكَسُوا " فعلاً ماضياً ، " رؤوسَهم " ، مفعولٌ به .

قوله : " ربَّنا " على إضمارِ القول وهو حالٌ . أي قائلين ذلك . وقدَّره الزمخشريُّ " يَسْتغيثون بقولهم " وإضمارُ القول أكثرُ .

قوله : " أَبْصَرْنا وسَمِعْنا " يجوزُ أَنْ يكونَ المفعولُ مقدراً أي : أَبْصَرْنا ما كُنَّا نُكَذِّبُ ، وسَمِعْنا ما كنا نُنْكِرُ . ويجوزُ أَنْ لا يُقَدَّرَ أي : صِرْنا بُصَراءَ سميعين .

قوله : " صالحاً " يجوزُ أَنْ يكونَ مفعولاً به ، وأَنْ يكونَ نعتَ مصدرٍ .