فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَلَوۡ تَرَىٰٓ إِذِ ٱلۡمُجۡرِمُونَ نَاكِسُواْ رُءُوسِهِمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ رَبَّنَآ أَبۡصَرۡنَا وَسَمِعۡنَا فَٱرۡجِعۡنَا نَعۡمَلۡ صَٰلِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ} (12)

{ وَلَوْ تَرَى } لو امتناعية وجوابه محذوف ، أي لرأيت أمرا فظيعا ، وهولا هائلا ، لا يقدر قدره ، والخطاب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم . قال الزجاج والمخاطبة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم مخاطبة لأمته ، فالمعنى : ولو ترى يا محمد منكري البعث يوم القيامة لرأيت العجب ، أو الخطاب لكل أحد ممن يصلح له كائنا من كان ، إذ المراد بيان كمال سوء حالهم ، وبلوغها من الفظاعة إلى حيث لا يختص استغرابها واستعظامها براء دون راء ، ممن اعتاد مشاهدة الأمور البديعة ، والدواهي الفظيعة ، بل كل من تتأتى منه الرؤية يتعجب من هولها وفظاعتها ، ويجوز أن يكون { لو } للتمني ، والمضي فيها وفي { إِذِ } لأن الثابت في علم الله بمنزلة الواقع .

{ إذ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ } المراد بهم هم القائلون : أئذا ضللنا في الأرض ، ويجوز أن يراد بالمجرمين كل مجرم ، ويدخل فيه أولئك القائلون دخولا أوليا ، والمعنى : مطأطئوها وخافضوها حياء وندما على ما فرط منهم في الدنيا من الشرك بالله ، والعصيان له .

{ عِندَ رَبِّهِمْ } أي عند محاسبته لهم { رَبَّنَا } أي : يقولون ربنا { أَبْصَرْنَا } الآن ما كنا نكذب به { وَسَمِعْنَا } ما كنا ننكره ، وقيل أبصرنا صدق وعيدك ، وسمعنا تصديق رسلك ؛ فهؤلاء أبصروا حين لم ينفعهم البصر ، وسمعوا حين لم ينفعهم السمع .

{ فَارْجِعْنَا } إلى الدنيا { نَعْمَلْ } عملا { صَالِحًا } كما أمرتنا ، وحسبما تقتضيه تلك الآيات { إِنَّا مُوقِنُونَ } أي مصدقون ، وقيل مصدقون بالذي جاء به محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وصفوا أنفسهم بالإيقان الآن طمعا فيما طلبوه من إرجاعهم إلى الدنيا وأنى لهم ذلك ؟ فقد حقت عليهم كلمة الله فإنهم لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه ، وإنهم لكاذبون . وقيل : هذا ادعاء منهم لصحة الأفئدة ، والاقتداء على فهم معاني الآيات ، والعمل بموجبها ، كما أن قبله ادعاء لصحة صفتي البصر والسمع ، كأنهم قالوا أيقنا وكنا من قبل لا نعقل شيئا أصلا ، وإنما عدلوا إلى الجملة الاسمية المؤكدة إظهارا لثباتهم على الإيقان ، وكمال رغبتهم فيه ، وكل ذلك للجد في الاستدعاء طمعا في الإجابة إلى ما سألوه من الرجعة ، وقيل معنى إنا موقنون ، أنها قد زالت عنهم الشكوك التي كانت تخالطهم في الدنيا ، لما رأوا ما رأوا وسمعوا ما سمعوا . قيل والمعنى صرنا نسمع ونبصر ، فلا يحتاج إلى تقدير مفعول ، ثم رد الله عليهم لما طلبوا الرجعة بقوله :

{ وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لأَمْلاَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ( 13 )