فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَلَوۡ تَرَىٰٓ إِذِ ٱلۡمُجۡرِمُونَ نَاكِسُواْ رُءُوسِهِمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ رَبَّنَآ أَبۡصَرۡنَا وَسَمِعۡنَا فَٱرۡجِعۡنَا نَعۡمَلۡ صَٰلِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ} (12)

قوله : { وَلَوْ ترى إِذِ المجرمون نَاكِسُواْ رُءوسِهِمْ عِندَ رَبّهِمْ } المراد بالمجرمين هم القائلون { أئذا ضللنا } ، والخطاب هنا لكل من يصلح له ، أو لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويجوز أن يراد بالمجرمين كل مجرم ، ويدخل فيه أولئك القائلون دخولاً أولياً ، ومعنى { نَاكِسُواْ رُءوسِهِمْ } مطأطئوها حياء وندماً على ما فرط منهم في الدنيا من الشرك بالله والعصيان له ، ومعنى عند ربهم : عند محاسبته لهم . قال الزجاج : والمخاطبة للنبي صلى الله عليه وسلم مخاطبة لأمته ، فالمعنى : ولو ترى يا محمد منكري البعث يوم القيامة لرأيت العجب { رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا } أي يقولون : ربنا أبصرنا الآن ما كنا نكذب به وسمعنا ما كنا ننكره . وقيل : أبصرنا صدق وعيدك ، وسمعنا تصديق رسلك ، فهؤلاء أبصروا حين لم ينفعهم البصر ، وسمعوا حين لم ينفعهم السمع { فارجعنا } إلى الدنيا { نَعْمَلْ } عملاً { صالحا } كما أمرتنا { إِنَّا مُوقِنُونَ } أي مصدقون . وقيل : مصدقون بالذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم ، وصفوا أنفسهم بالإيقان الآن طمعاً فيما طلبوه من إرجاعهم إلى الدنيا ، وأنى لهم ذلك فقد حقت عليهم كلمة الله فإنهم { لَوْ رُدُّواْ لعادوا لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لكاذبون } [ الأنعام : 28 ] . وقيل معنى { إِنَّا مُوقِنُونَ } أنها قد زالت عنهم الشكوك التي كانت تخالطهم في الدنيا لما رأوا ما رأوا وسمعوا ما سمعوا ، ويجوز أن يكون معنى { أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا } صرنا ممن يسمع ويبصر فلا يحتاج إلى تقدير مفعول ، ويجوز أن يكون صالحاً مفعولاً ل{ نعمل } كما يجوز أن يكون نعتاً لمصدر محذوف ، وجواب لو محذوف ، أي لرأيت أمراً فظيعاً وهولاً هائلاً .