اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَلَوۡ تَرَىٰٓ إِذِ ٱلۡمُجۡرِمُونَ نَاكِسُواْ رُءُوسِهِمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ رَبَّنَآ أَبۡصَرۡنَا وَسَمِعۡنَا فَٱرۡجِعۡنَا نَعۡمَلۡ صَٰلِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ} (12)

قوله : { وَلَوْ تَرَى } في «لو » هذه وجهان :

أحدهما : أنها لِمَا كان سَيَقَعُ لوقوعه غيره . وعبَّر{[42804]} عنها الزمخشري بامتناعٍ لامْتِنَاع{[42805]} ، وناقشه أبو حيان في ذلك . وقد تقدم تحقيقه أول البقرة{[42806]} ، وعلى هذا جوابها محذوف أي لرأيت أمر فظيعاً{[42807]} .

والثاني : أنها للتمني . قال الزمخشري كأنه قيل : وليتك{[42808]} ترى . وفيها إذا كانت للتمنِّي خلافٌ على تقتضي جواباً أم لا{[42809]} ، وظاهر تقدير الزمخشري هنا أنه لا جواب لها .

قال أبو حيان : والصحيح أن لها جواباً{[42810]} وأنشد :

4065- فَلوْ نُبِشَ المِقَابِرُ عَنْ كُلَيْبٍ *** فَيُخْبِرَ بالذَّنَائِبِ أَيُّ زِيرِ

بِيَوْمِ الشَّعْثَمَيْنِ لقَرَّ عيْناً *** وَكَيْْفَ لِقَاءُ مَنْ تَحْتَ القُبُورِ{[42811]}

قال الزمخشري : ولو تجيء في معنى التمني كقولك : «لو تأتيني فتحدثني » ( كما تقول ){[42812]} : «لَيْتَكَ تَأتِيني فَتُحَدِّثَنِي »{[42813]} قال ابن مالك : أن أراد به الحذف أي وَدِدْتُ لو تأتيني{[42814]} فتحدثني فصحِيح وإن أراد أنها موضوعة له فليس بصحيح ، إل لو كانت موضوعة له لم يجمع بينها وبينه كما لم يجمع بين «ليت » والتمني ، ولا «لعل وأترجّى » ، ولا «إلا » وأستثني ، ويجوز أن يجمع بين «لو » وأتمنى تقول ( تَمَنَّيتُ{[42815]} لَوْ فَعَلْتُ كذا ) ، والمخاطب يحتمل أن يكون - النبي صلى الله عليه وسلم - شفاء لصدره ، فإنهم{[42816]} كانوا يؤذونه بالتكذيب ، ويحتمل أن يكون عاماً ، و «إذْ » على بابها من المضي ؛ لأن «لو »{[42817]} تصرف المضارع للمضي ، وإنما جيء هنا ماضياً لتحقق وقوعه نحو : { أتى أَمْرُ الله } [ النحل : 1 ] . وجعله أبو البقاء{[42818]} مما وقع فيه «إذ » مَوْقع «إذَا » . ولا حاجة إليه . والمراد بالمجرمين المشركين .

قوله : «نَاكِسُوا » العامة على أنه اسم فاعل مضاف لمفعوله تخفيفاً ، وزيدُ بن علي «نَكِسُوا »{[42819]} فعلاً ماضياً «رُؤُوسَهُمْ » مفعول به ، والمعنى مُطَأطِئُو رُؤُوسِهِمْ .

قوله : «رَبَّنا » على إضمار القول ، وهو حال أي قائلينَ ذلك ، وقدره الزمخشري يَسْتَغيثُونَ{[42820]} بقولهم ، وإضمار القول{[42821]} أكْثَرُ{[42822]} .

قوله : «أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا » يجوز أن يكون المفعول مقدراً أي أبصرنا ما كنّا نكذب وسمعنا ما كنا ننكر . ويجوز أن لا يقدر أي صِرْنَا بُصَرَاءَ سَمِيعِينَ فارْجِعْنَا «( إلى الدنيا ) نَعْمَل صِالِحاً » يجوز أن يكون «صالحاً » مفعولاً به ، وأن يكون نعت مصدر ، وقولهم : «إنَّا مُوقِنُونَ » أي إنا آمنا في الحال ، ويحتمل أن يكون المراد أنهم ينكرون الشرك كقولهم : { والله رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } [ الأنعام : 23 ] .


[42804]:في "ب" وعرفها.
[42805]:قال: "وأن تكون "لو" الامتناعية قد حذف جوابها وهو لرأيت أمراً فظيعاً" الكشاف 3/242.
[42806]:يقصد الآية 20 من سورة "البقرة" وهي قوله تعالى: {ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم إن الله على كل شيء قدير}.
[42807]:ذكره الكشاف في المرجع السابق.
[42808]:المرجع السابق.
[42809]:ذكره ابن هشام في المغني 267.
[42810]:البحر المحيط لأبي حيان 7/201.
[42811]:بيتان من تمام الوافر من قصيدة لامرئ القيس بن ربيعة الملقب بمهلهل يذكر فيها ما وقع من أخذه بثأر أخيه و"الذنائب" موضع وكذا "الشعثمان" "وكليب" أخوه والشاهد حصول الجواب "للو" التي لتمني حصول شيء مستحيل. "فلو" هنا للتمني وجوابها "لقرّ عيناً" وانظر: الأمالي للقالي 1/4 و 2/131 والبحر المحيط 7/210، والمغني 267، ويس 2/259 والأصمعيات 154 و 155، والحماسة البصرية 1/84، والأشموني 4/32 وتوضيح المقاصد 4/270 وشرح شواهد المغني للسيوطي 654.
[42812]:ساقط من "ب".
[42813]:انظر: شرح المفصل لابن يعيش 9/11.
[42814]:نقله في شرح الكافية الشافية 65 وكذلك نقله عنه في بحره أبو حيان 7/201.
[42815]:ما بين القوسين ساقط من "ب".
[42816]:في "ب" لأنهم.
[42817]:في "ب" "لم" وهو تحريف.
[42818]:قال: و"إذْ" هنا يراد بها المستقبل، وقد ذكرنا مثل ذلك في البقرة والتقدير: يقولون ربنا، انظر: التبيان 1048.
[42819]:ذكرها أبو حيان 7/201.
[42820]:الكشاف 3/242.
[42821]:ما بين القوسين كله ساقط من "ب".
[42822]:ذكره ابن الأنباري في غريبه 2/259 فقال: "تقديره: يقولون ربنا أبصرنا وسمعنا" فحذف القول وحذف القول كثير في كلامهم.