في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَٱلشَّفۡعِ وَٱلۡوَتۡرِ} (3)

" والشفع والوتر " . . يطلقان روح الصلاة والعبادة في ذلك الجو المأنوس الحبيب . جو الفجر والليالي العشر . . " ومن الصلاة الشفع والوتر " [ كما جاء في حديث أخرجه الترمذي ] وهذا المعنى هو أنسب المعاني في هذا الجو . حيث تلتقي روح العبادة الخاشعة ، بروح الوجود الساجية ! وحيث تتجاوب الأرواح العابدة مع أرواح الليالي المختارة ، وروح الفجر الوضيئة .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَٱلشَّفۡعِ وَٱلۡوَتۡرِ} (3)

وقوله : { وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ } قد تقدم في هذا الحديث أن الوتر يوم عرفة ، لكونه التاسع ، وأن الشفع يوم النحر لكونه العاشر . وقاله ابن عباس ، وعكرمة ، والضحاك أيضا .

قول ثان : وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثني عقبة بن خالد ، عن واصل ابن السائب قال : سألت عطاء عن قوله : { وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ } قلتُ : صلاتنا وترنا هذا ؟ قال : لا ولكن الشفع يوم عرفة ، والوتر ليلة الأضحى .

قول ثالث : قال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن عامر بن إبراهيم الأصبهاني ، حدثني أبي ، عن النعمان - يعني ابن عبد السلام - عن أبي سعيد بن عوف ، حدثني بمكة قال : سمعتُ عبد الله ابن الزبير يخطب الناس ، فقام إليه رجلٌ فقال : يا أمير المؤمنين ، أخبرني عن الشفع والوتر . فقال : الشفع قول الله ، عز وجل : { فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ } والوتر قوله : { وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ } [ البقرة : 203 ] .

وقال ابن جريج : أخبرني محمد بن المرتفع أنه سمع ابن الزبير يقول : الشفع أوسط أيام{[30018]} التشريق ، والوتر آخر أيام التشريق .

وفي الصحيحين من رواية أبي هُرَيرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن لله تسعة وتسعين اسما ، مائة إلا واحدا ، من أحصاها دخل الجنة ، وهو وتر يحب الوتر " {[30019]} .

قول رابع : قال الحسن البصري ، وزيد بن أسلم : الخلق كلهم شفع ، ووتر ، أقسم تعالى بخلقه . وهو رواية عن مجاهد ، والمشهور عنه الأول .

وقال العَوفي ، عن ابن عباس : { وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ } قال : الله وتر واحد ، وأنتم شفع . ويقال : الشفع صلاة الغداة ، والوتر : صلاة المغرب .

قول خامس : قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا عبيد بن موسى ، عن إسرائيل ، عن أبي يحيى ، عن مجاهد : { وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ } قال : الشفع الزوج ، والوتر : الله عز وجل .

وقال أبو عبد الله ، عن مجاهد : الله الوتر ، وخلقه الشفع ، الذكر والأنثى .

وقال ابن أبي نَجِيح ، عن مجاهد قوله : { وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ } كل شيء خلقه الله شفع ، السماء والأرض ، والبر والبحر ، والجن والإنس ، والشمس والقمر ، ونحو هذا . ونحا مجاهد في هذا ما ذكروه في قوله تعالى : { وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } [ الذاريات : 49 ] أي : لتعلموا أن خالق الأزواج واحد .

قول سادس : قال قتادة ، عن الحسن : { وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ } هو العدد ، منه شفع ومنه وتر .

قول سابع : في الآية الكريمة رواه ابنُ أبي حاتم وابنُ جَرير من طريق ابن جريج ، ثم قال ابن جرير : وَرُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم خبر يؤيد القول الذي ذكرنا عن أبي الزبير : حدثني عَبد الله بن أبي زياد القطواني ، حدثنا زيد بن الحباب ، أخبرني عياش بن عقبة ، حدثني خير {[30020]} بن نُعَيم ، عن أبي الزبير ، عن جابر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " الشفع اليومان ، والوتر اليوم الثالث " {[30021]} .

هكذا ورد هذا الخبر بهذا اللفظ ، وهو مخالف لما تقدم من اللفظ في رواية أحمد والنسائي وابن أبي حاتم ، وما رواه هو أيضا ، والله أعلم .

قال أبو العالية ، والربيع بن أنس ، وغيرهما : هي الصلاة ، منها شفع كالرباعية والثنائية ، ومنها وتر كالمغرب ، فإنها ثلاث ، وهي وتر النهار . وكذلك صلاة الوتر في آخر التهجد من الليل .

وقد قال عبد الرزاق ، عن مَعْمَر ، عن قتادة ، عن عمران بن حصين : { وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ } قال : هي الصلاة المكتوبة ، منها شفع ومنها وتر . وهذا منقطع وموقوف ، ولفظه خاص بالمكتوبة . وقد روي متصلا مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولفظه عام ، قال الإمام أحمد :

حدثنا أبو داود - هو الطيالسي - حدثنا همام ، عن قتادة ، عن عمران بن عصام : أن شيخا{[30022]} حدثه من أهل البصرة ، عن عمران بن حصين : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئِل عن الشفع والوتر ، فقال : " هي الصلاة ، بعضها شفع ، وبعضها وتر " {[30023]} .

هكذا وقع في المسند ، وكذا رواه ابن جرير عن بُنْدَار ، عن عفان وعن أبي كُرَيْب ، عن عبيد الله بن موسى ، كلاهما عن همام - وهو ابن يحيى - عن قتادة ، عن عمران بن عصام ، عن شيخ ، عن عمران بن حصين{[30024]} وكذا رواه أبو عيسى الترمذي ، عن عمرو بن علي ، عن ابن مَهْدِيّ وأبي داود ، كلاهما عن همام ، عن قتادة ، عن عمران بن عصام ، عن رجل من أهل البصرة ، عن عمران بن حصين ، به . ثم قال : غريب ، لا نعرفه إلا من حديث قتادة ، وقد رواه خالد بن قيس أيضا عن قتادة{[30025]} .

وقد روي عن عمران بن عصام ، عن عمران نفسه ، والله أعلم .

قلت : ورواه ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن سنان الواسطي ، حدثنا يزيد بن هارون ، أخبرنا همام{[30026]} عن قتادة ، عن عمران بن عصام الضبعي - شيخ من أهل البصرة - عن عمران بن حصين ، عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره ، هكذا رأيته في تفسيره ، فجعل الشيخ البصري هو عمران بن عصام [ الضبعي ]{[30027]} .

وهكذا رواه ابن جرير : حدثنا نصر بن علي ، حدثني أبي ، حدثني خالد بن قيس ، عن قتادة ، عن عمران بن عصام ، عن عمران بن حصين ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في الشفع والوتر قال : " هي الصلاة منها شفع ، ومنها وتر " {[30028]} .

فأسقط ذكر الشيخ المبهم ، وتفرد به عمران بن عصام الضبعي أبو عمارة البصري ، إمام مسجد بني ضُبَيعة وهو والد أبي جَمْرَة {[30029]} نصر بن عمران الضبعي . روى عنه قتادة ، وابنه أبو جمرة {[30030]} والمثنى بن سعيد ، وأبو التياح يزيد بن حميد . وذكره ابن حبَّان في كتاب الثقات{[30031]} وذكره خليفة ابن خَيَاط في التابعين{[30032]} من أهل البصرة ، وكان شريفا نبيلا حظيا عند الحجاج بن يوسف ، ثم قتله يوم الزاوية سنة ثلاث{[30033]} وثمانين لخروجه مع ابن الأشعث ، وليس له عند الترمذي سوى هذا الحديث الواحد . وعندي أن وقفه على عمران بن حصين أشبه ، والله أعلم .

ولم يجزم ابن جرير بشيء من هذه الأقوال في الشفع والوتر .


[30018]:- (4) في أ: "الشفع الأيام من".
[30019]:- (5) صحيح البخاري برقم (6410) وصحيح مسلم برقم (2677).
[30020]:- (1) في أ: "حدثني القطراني".
[30021]:- (2) تفسير الطبري (30/109).
[30022]:- (3) في أ: "أن جبيرا".
[30023]:- (4) المسند (4/437).
[30024]:- (1) تفسير الطبري (30/109).
[30025]:- (2) سنن الترمذي برقم (3342).
[30026]:- (3) في أ: "أخبرنا هشام".
[30027]:- (4) زيادة من أ.
[30028]:- (5) تفسير الطبري (30/109).
[30029]:- (6) في أ: "أبي حمزة".
[30030]:- (7) في أ: "أبي حمزة".
[30031]:- (8) الثقات (5/234).
[30032]:- (9) في أ: "المتابعين".
[30033]:- (10) في م: "سنة ثنتين".