{ حمالة الحطب } منصوب على الذم . وكانت شديدة العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم . تحمل بنفسها حزمة الشوك والحسك والسعدان فتنشره بالليل في طريقه صلى الله عليه وسلم لتؤذيه بذلك . وقرئ بالرفع صفة ل { وامرأته } ، أو خبر مبتدإ محذوف ؛ أي هي حمالة الحطب ، وقيل : كانت تمشي بالنميمة ، وتلقي العداوة بين الناس ، وتوقد نارها كما يوقد النار الحطب ، وهي من كبائر الذنوب ؛ فاستعير الحطب للنميمة . يقال : فلان يحطب بفلان ، إذا كان يغرى به . وقيل : حمالة الخطايا والذنوب ؛ من قولهم : فلان يحطب على ظهره ، إذا كان يكتسب الآثام والخطايا ؛ فاستعير الحطب للخطايا ؛ لأن كلا منهما مبدأ للإحراق .
امرأته : أروى بنت حرب ، أُم جميل أخت أبي سفيان .
حمالة الحطَب : التي تسعى بالنميمة والفتنة بين الناس .
وستعذَّب امرأتُه ، أم جميل العَوراء ، بهذه النار أيضا ، لشدة عدائها للرسول الكريم ، ولِما كانت تسعى بالنَّميمة والفتنة لإطفاء دعوةِ الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم .
قال ابنُ عباس ومجاهد وقتادة والسُدّي : كانت تمشي بالنميمة بين الناس . والعربُ تقول : فلان يَحْطِب على فلانٍ ، إذا حَرَّضَ عليه .
وفي الحديث الصحيح : « لا يدخُل الجنّةَ نمّام » ، وقال : « ذو الوجهينِ لا يكونُ عند الله وَجِيها » ، والنميمةُ من الكبائر .
وقيل أيضا : إن أُمَّ جميل هذه كانت تحمِل حُزَمَ الشوكِ والحَطَب ، وتنثُرها باللّيل في طريق رسولِ الله لإيذائه . لذلك فإنّ في عنقِها يوم القيامة حَبلاً تُشَدّ به إلى النار ، وبئس القرار .
قرأ عاصم : { حمّالة } بنصب التاء ، على الذم . وقرأ الباقون : { حمالة } بالرفع ، صفة لامرأته .
{ وامرأته } أم جميل ابنة حرب بن أمية أخت أبي سفيان . { حمالة الحطب } قال زيد والضحاك : كانت تحمل الشوك والعضاة فتطرحه في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لتعقرهم ، وهي رواية عطية عن ابن عباس . وقال قتادة ، ومجاهد ، والسدي : كانت تمشي بالنميمة ، وتنقل الحديث ، فتلقي العداوة بين الناس ، وتوقد نارها كما توقد النار بالحطب . يقال : فلان يحطب على فلان ، إذا كان يغري به . وقال سعيد بن جبير : حمالة الخطايا ، دليله : قوله : { وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم }( الأنعام- 31 ) . قرأ عاصم { حمالة } بالنصب على الذم ، كقوله : ملعونين . وقرأ الآخرون بالرفع ، وله وجهان : أحدهما { سيصلى ناراً } هو وامرأته { حمالة الحطب } والثاني : وامرأته حمالة الحطب في النار أيضاً .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{ وامرأته } وهي أم جميل بنت حرب ، وهي أخت أبي سفيان بن حرب { حمالة الحطب } يعني كل شوك يعقر كانت تلقيه على طريق النبي صلى الله عليه وسلم ليعقره ....
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول : سيصلى أبو لهب وامرأته حمالة الحطب نارا ذات لهب . واختلف أهل التأويل ، في معنى قوله : { حَمّالَةَ الْحَطَبِ } فقال بعضهم : كانت تجيء بالشوك فتطرحه في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ليدخل في قَدمه إذا خرج إلى الصلاة ... ويقال : { حَمّالَةَ الْحَطَب } : نقالة للحديث ...
وقال آخرون : قيل لها ذلك : حمالة الحطب ، لأنها كانت تحطب الكلام ، وتمشي بالنميمة ، وتعيّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفقر ...
وقال بعضهم : كانت تُعَيّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفقر ، وكانت تَحْطِبُ فَعُيّرت بأنها كانت تحطب .
وأولى القولين في ذلك بالصواب عندي ، قول من قال : كانت تحمل الشوك ، فتطرحه في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ لأن ذلك هو أظهر معنى ذلك .
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
وقوله تعالى : { وامرأته حمالة الحطب } ... وقيل : إن قوله { حمالة الحطب } استعارة لذنوبها التي تحطبها على نفسها لآخرتها ، ف { حمالة } على هذا نكرة ، يراد بها الاستقبال . وقيل : هي استعارة لسعيها على الدين والمؤمنين ، كما تقول : فلان يحطب على فلان وفي حبل فلان ، فكانت هي تحطب على المؤمنين وفي حبل المشركين...
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
وكانت عونًا لزوجها على كفره وجحوده وعناده ؛ فلهذا تكون يوم القيامة عَونًا عليه في عذابه في نار جهنم . ولهذا قال : { حَمَّالَةَ الْحَطَبِ فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ } يعني : تحمل الحطب فتلقي على زوجها ، ليزداد على ما هو فيه ، وهي مُهَيَّأة لذلك ، مستعدة له ....
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{ وامرأته } أي أم جميل أخت أبي سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي ، مثل زوجها في التباب والصلي ، من غير أن يغني عنها شيء من مال ولا حسب ولا نسب ، ...{ حمالة الحطب } أي الحاملة أقصى ما يمكن حمله من حطب جهنم بما كانت تمشي به ، وتبالغ فيه من حمل حطب البهت والنميمة الذي تحمل به على معاداة النبي صلى الله عليه وسلم ، وشدة أذاه ، وإيقاد نار الحرب والخصومة عليه صلى الله عليه وسلم ، ...
ولما أخبر سبحانه وتعالى عنه بكمال التباب الذي هو نهاية الخسار ، وكان أشق ما على الإنسان هتك ما يصونه من حريمه ، حتى أنه يبذل نفسه دون ذلك ، لا سيما العرب ، فإنه لا يدانيهم في ذلك أحد ، زاده تحقيراً بذكر من يصونها معبراً عنها بما صدرها بأزرإ صورة وأشنعها ، فقال مشيراً إلى أن خلطة الأشرار غاية الخسار ، فإن الطبع وإن كان جيداً يسرق من الردىء ، فكيف إذا كان رديئاً ، وإن أرضى الناس بما يسخط الله أعظم الهلاك { وامرأته } أي أم جميل أخت أبي سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي ، مثل زوجها في التباب والصلي ، من غير أن يغني عنها شيء من مال ولا حسب ولا نسب ، وعدل عن ذكرها بكنيتها ؛ لأن صفتها القباحة ، وهي ضد كنيتها ، ومن هنا تؤخذ كراهة التلقيب بناصر الدين ونحوها لمن ليس متصفاً بما دل عليه لقبه ، ثم وصفها بما أشار إليه ذنبها ، وأكمل قبيح صورتها فقال : { حمالة الحطب } أي الحاملة أقصى ما يمكن حمله من حطب جهنم بما كانت تمشي به ، وتبالغ فيه من حمل حطب البهت والنميمة الذي تحمل به على معاداة النبي صلى الله عليه وسلم ، وشدة أذاه ، وإيقاد نار الحرب والخصومة عليه صلى الله عليه وسلم ، من قول الشاعر :
من البيض لم تصطد على ظهر لأمة *** ولم تمش بين الحي بالحطب الرطب
أراد النميمة ، وعبر بالرطب للدلالة على زيادة الشر بما فيه من التدخين ، وشبهت النميمة بالحطب ؛ لأنها توقد الشر فتفرق بين الناس ، كما أن الحطب يكون وقوداً للنار فتفرقه ، وكذا بما كانت تحمل من الشوك وتنثره ليلاً في طريق النبي صلى الله عليه وسلم لتؤذيه ، وكانت تفعله بنفسها من شدة عداوتها ، وتباشره ليلاً لتستخفي به ؛ لأنها كانت شريفة ، فلما نزلت سورة صوّرتها بأقبح صورة ، فكان ذلك أعظم فاضح لها . وقراءة عاصم بالنصب للقطع على الشتم تؤدي أن امرأته مبتدأ ، وأن الخبر { في جيدها } .