في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَإِذۡ قَالَ عِيسَى ٱبۡنُ مَرۡيَمَ يَٰبَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيۡكُم مُّصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيَّ مِنَ ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَمُبَشِّرَۢا بِرَسُولٖ يَأۡتِي مِنۢ بَعۡدِي ٱسۡمُهُۥٓ أَحۡمَدُۖ فَلَمَّا جَآءَهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ قَالُواْ هَٰذَا سِحۡرٞ مُّبِينٞ} (6)

ثم جاء عيسى بن مريم . جاء يقول لبني إسرائيل :

( يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم ) . .

فلم يقل لهم : إنه الله ، ولا إنه ابن الله ، ولا إنه أقنوم من أقانيم الله .

( مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد ) . .

في هذه الصيغة التي تصور حلقات الرسالة المترابطة ، يسلم بعضها إلى بعض ، وهي متماسكة في حقيقتها ، واحدة في اتجاهها ، ممتدة من السماء إلى الأرض ، حلقة بعد حلقة في السلسلة الطويلة المتصلة . . وهي الصورة اللائقة بعمل الله ومنهجه . فهو منهج واحد في أصله ، متعدد في صوره ، وفق استعداد البشرية وحاجاتها وطاقاتها ، ووفق تجاربها ورصيدها من المعرفة حتى تبلغ مرحلة الرشد العقلي والشعوري ، فتجيء الحلقة الأخيرة في الصورة الأخيرة كاملة شاملة ، تخاطب العقل الراشد ، في ضوء تلك التجارب ، وتطلق هذا العقل يعمل في حدوده ، داخل نطاق المنهج المرسوم للإنسان في جملته ، المتفق مع طاقاته واستعداداته .

وبشارة المسيح بأحمد ثابتة بهذا النص ، سواء تضمنت الأناجيل المتداولة هذه البشارة أم لم تتضمنها . فثابت أن الطريقة التي كتبت بها هذه الأناجيل والظروف التي أحاطت بها لا تجعلها هي المرجع في هذا الشأن .

وقد قرئ القرآن على اليهود والنصارى في الجزيرة العربية وفيه : ( النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل ) . . وأقر بعض المخلصين من علمائهم الذين أسلموا كعبدالله بن سلام بهذه الحقيقة ، التي كانوا يتواصون بتكتمها !

كما أنه ثابت من الروايات التاريخية أن اليهود كانوا ينتظرون مبعث نبي قد أظلهم زمانه ، وكذلك بعض الموحدين المنعزلين من أحبار النصارى في الجزيرة العربية . ولكن اليهود كانوا يريدونه منهم . فلما شاء الله أن يكون من الفرع الآخر من ذرية إبراهيم ، كرهوا هذا وحاربوه !

وعلى أية حال فالنص القرآني بذاته هو الفيصل في مثل هذه الأخبار . وهو القول الأخير . .

 
صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{وَإِذۡ قَالَ عِيسَى ٱبۡنُ مَرۡيَمَ يَٰبَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيۡكُم مُّصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيَّ مِنَ ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَمُبَشِّرَۢا بِرَسُولٖ يَأۡتِي مِنۢ بَعۡدِي ٱسۡمُهُۥٓ أَحۡمَدُۖ فَلَمَّا جَآءَهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ قَالُواْ هَٰذَا سِحۡرٞ مُّبِينٞ} (6)

{ اسمه أحمد } هو علم لنبينا صلى الله عليه وسلم ، ومعناه : أحمد الحامدين لربه . بشرت به وبرسالته الخاتمة للرسالات السماوية . التوراة والإنجيل ، اللذان لم يحرفا ولم يبدلا على لسان موسى وعيسى عليهما السلام . { فلما جاءهم } أي عيسى ، أو محمد عليهما الصلاة والسلام .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{وَإِذۡ قَالَ عِيسَى ٱبۡنُ مَرۡيَمَ يَٰبَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيۡكُم مُّصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيَّ مِنَ ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَمُبَشِّرَۢا بِرَسُولٖ يَأۡتِي مِنۢ بَعۡدِي ٱسۡمُهُۥٓ أَحۡمَدُۖ فَلَمَّا جَآءَهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ قَالُواْ هَٰذَا سِحۡرٞ مُّبِينٞ} (6)

وأتى بمثلٍ آخر يشبه حالَهم ، وهو بنو إسرائيل حين قال لهم عيسى : إني رسولُ الله وإني مصدّقٌ بالتوراة ، وجاءهم بالبينات والمعجزات الدالة على صدقه ، وإني مبشِّر برسولٍ سيأتي من بعدي اسمه أحمد ، وقد جاء هذا التبشير صريحا في التوراة والإنجيل .

{ فَلَمَّا جَاءَهُم بالبينات قَالُواْ هذا سِحْرٌ مُّبِينٌ } ، فلمّا جاء الرسولُ الكريم أحمدُ ، عليه صلوات الله وسلامه ، بالأدلة الواضحة والمعجزات الباهرة ، كذّبوه وقالوا : هذا الذي جئتنا به سحرٌ مبين .

ومثلُ هذه الآية قوله تعالى : { الذين يَتَّبِعُونَ الرسول النبي الأمي الذي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التوراة والإنجيل } [ الأعراف : 157 ] .

وفي هذا تسلية لرسوله الكريم على ما أصابه من قومه ومن غيرهم من الجاحدين ، وأن الأنبياء مِن قبله نالهم الأذى وكذّبهم أقوامهم . وفيه أيضا تهذيبٌ وتربية للمؤمنين بأن لا يؤذوا النبي بل يُخلِصوا في إيمانهم .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَإِذۡ قَالَ عِيسَى ٱبۡنُ مَرۡيَمَ يَٰبَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيۡكُم مُّصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيَّ مِنَ ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَمُبَشِّرَۢا بِرَسُولٖ يَأۡتِي مِنۢ بَعۡدِي ٱسۡمُهُۥٓ أَحۡمَدُۖ فَلَمَّا جَآءَهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ قَالُواْ هَٰذَا سِحۡرٞ مُّبِينٞ} (6)

{ 6-9 } { وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ * وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ } .

يقول تعالى مخبرا عن عناد بني إسرائيل المتقدمين ، الذين دعاهم عيسى ابن مريم ، وقال لهم : { يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ } أي : أرسلني الله لأدعوكم إلى الخير وأنهاكم عن الشر ، [ وأيدني بالبراهين الظاهرة ] ، ومما يدل على صدقي ، كوني ، { مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ } أي : جئت بما جاء به موسى من التوراة والشرائع السماوية ، ولو كنت مدعيا للنبوة ، لجئت بغير ما جاءت به المرسلون ، ومصدقا لما بين يدي من التوارة أيضا ، أنها أخبرت بي وبشرت ، فجئت وبعثت مصداقا لها { ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد } وهو : محمد بن عبد الله بن عبد المطلب النبي الهاشمي .

فعيسى عليه الصلاة والسلام ، كالأنبياء{[1074]}  يصدق بالنبي السابق ، ويبشر بالنبي اللاحق ، بخلاف الكذابين ، فإنهم يناقضون الأنبياء أشد مناقضة ، ويخالفونهم في الأوصاف والأخلاق ، والأمر والنهي { فَلَمَّا جَاءَهُمْ } محمد صلى الله عليه وسلم الذي بشر به عيسى { بِالْبَيِّنَاتِ } أي : الأدلة الواضحة ، الدالة على أنه هو ، وأنه رسول الله [ حقا ] .

{ قَالُوا } معاندين للحق مكذبين له { هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ } وهذا من أعجب العجائب ، الرسول الذي [ قد ] وضحت رسالته ، وصارت أبين من شمس النهار ، يجعل ساحرا بينا سحره ، فهل في الخذلان أعظم من هذا ؟ وهل في الافتراء{[1075]} أعظم  من هذا الافتراء ، الذي نفى عنه ما كان معلوما من رسالته ، وأثبت له ما كان أبعد الناس منه ؟ .


[1074]:- في ب: كسائر الأنبياء.
[1075]:- في ب: أبلغ.
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَإِذۡ قَالَ عِيسَى ٱبۡنُ مَرۡيَمَ يَٰبَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيۡكُم مُّصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيَّ مِنَ ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَمُبَشِّرَۢا بِرَسُولٖ يَأۡتِي مِنۢ بَعۡدِي ٱسۡمُهُۥٓ أَحۡمَدُۖ فَلَمَّا جَآءَهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ قَالُواْ هَٰذَا سِحۡرٞ مُّبِينٞ} (6)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي} يعني الذي قبلي {من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد}...

قوله: {فلما جاءهم} عيسى، {بالبينات} يعني ما كان يخلق من الطين، ويبرئ الأكمه والأبرص، ويحيى الموتى... قالت اليهود: هذا الذي يصنع عيسى سحر مبين...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: واذكر أيضا يا محمد" إذْ قالَ عِيسَى ابنُ مَرْيَمَ "لقومه من بني إسرائيل "يا بَنِي إسْرائِيلَ إنّي رَسُولُ اللّهِ إلَيْكُمْ مُصَدّقا لِمَا بَينِ يَدَيّ مِنَ التّوْرَاةِ" التي أُنزلت على موسى "وَمُبَشّرا" أبشركم "بِرَسُولٍ يأتي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أحْمَدُ"...

"فَلَمّا جاءَهُمْ بالبَيّناتِ" يقول: فلما جاءهم أحمد بالبينات، وهي الدلالات التي آتاه الله حججا على نبوّته "قالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ" يقول: ما أتى به غير أنني ساحر.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{مصدقا} يحتمل وجوها؛

أحدهما: أن يقول: جئت إليكم بالبعث الذي وصف في التوراة أو {مصدقا} ما في التوراة وبكتب الله تعالى ليعلم أن الرسل كان يلزمهم بالكتب المتقدمة والرسل جميعا كما يلزم ذلك أمّتهم، أو يقول: {مصدقا} يعني آمركم بعبادة الله عز وجل وتوحيده كما أمرتم به في التوراة ليعلم أن الرسل كان دينهم واحدا، وأنهم كلهم يدعون إلى التوحيد وعبادة الرحمان. وأما الشرائع فقد يجوز اختلافها لأن الشرائع قد تختلف في رسول واحد، ولا تختلف في دينه، فكذلك الرسل...

{ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد} يعني مبشرا برسول، يصدق بالتوراة على مثل تصديقي، فكأنه قيل: له ما اسمه؟ فقال: اسمه أحمد...

{فلما جاءهم بالبينات} قال بعضهم: الذي جاءهم عيسى عليه السلام وقال بعضهم: محمد صلى الله عليه وسلم وقد جاؤوا جميعا...

{بالبينات} أي بالبينات التي تبين أن الذي جاء به إنما جاء من عند الله...

. {قالوا هذا سحر مبين} أو ساحر مبين. واختلفوا في من قيل له: هذا، قال بعضهم: هو عيسى عليه السلام وقال بعضهم هو محمد صلى الله عليه وسلم وقد قالوا: لهما جميعا. ويحتمل أن يكون هذا قول أكابر الكفرة للضعفاء منهم، وذلك أنهم لم يجدوا سببا للتمويه سوى أن نسبوه إلى السحر، وهذا يدل أنه جاءهم بالآيات المعجزة حين نسبوه إلى السحر...

{هذا سحر مبين} وإنا لا نعلم السحر. ولو كان الذي جاءهم به سحرا كان حجة عليهم لأنهم قد علموا أن الرسل لم يختلفوا إلى السحرة، ولم يتعلموا منهم، وكان لا يتهيأ لهم اختراعه من تلقاء أنفسهم، فلو كان سحرا كان حجة عليهم، لأنهم قد علموا ما ذكرنا، وأن الله تعالى برأه، ونزهه، من السحر بقوله تعالى: {يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره} [الآية: 8] نور الله، يعني دين الله وكتاب الله ورسل الله...

{بأفواههم} أي ليست عندهم حجة ولا معنى، يدفعون به هذا النور سوى أن يقولوا بألسنتهم: هذا سحر...

الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي 427 هـ :

"اسْمُهُ أَحْمَدُ" وهو الذي لا يذم، وفي وجهه قولان:

أحدهما: أن الأنبياء كلّهم حمّادون لله سبحانه، ونبينا صلى الله عليه وسلم أحمد، أي أكثر حمداً لله منهم.

والثاني: أنَّ الأنبياء كلّهم محمودون، ونبيّنا أحمد أي أكثر مناقب وأجمع للفضائل.

النكت و العيون للماوردي 450 هـ :

{ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد} وهذه البشرى من عيسى تتضمن أمرين:

أحدهما: تبليغ ذلك إلى قومه ليؤمنوا به عند مجيئه، وذلك لا يكون منه بعد إعلام الله له بذلك إلا عن أمر بتبليغ ذلك إلى أمته.

الثاني: ليكون ذلك من معجزات عيسى عند ظهور محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا يجوز أن يقتصر عيسى فيه على إعلام الله له بذلك دون أمره بالبلاغ. وفي تسمية الله له بأحمد وجهان: أحدهما: لأنه من أسمائه فكان يسمى أحمد ومحمداً...

تفسير القرآن للسمعاني 489 هـ :

وقد ثبت برواية محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: "لي خمسة أسماء: أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب الذي لا نبي بعدي".

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

قيل: إنما قال: (يا بني إسرائيل) ولم يقل: يا قوم كما قال موسى؛ لأنه لا نسب له فيهم فيكونوا قومه. والمعنى: أرسلت إليكم في حال تصديقي ما تقدمني {مِنَ التوراة} وفي حال تبشيري {بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي} يعني: أن ديني التصديق بكتب الله وأنبيائه جميعاً ممن تقدم وتأخر.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

... {فلما جاءهم بالبينات} قيل: هو عيسى، وقيل: هو محمد، ويدل على أن الذي جاءهم بالبينات جاءهم بالمعجزات والبينات التي تبين أن الذي جاء به إنما جاء به من عند الله...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

ثم جاء عيسى بن مريم. جاء يقول لبني إسرائيل: (يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم).. فلم يقل لهم: إنه الله، ولا إنه ابن الله، ولا إنه أقنوم من أقانيم الله. (مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد).. في هذه الصيغة التي تصور حلقات الرسالة المترابطة، يسلم بعضها إلى بعض، وهي متماسكة في حقيقتها، واحدة في اتجاهها، ممتدة من السماء إلى الأرض، حلقة بعد حلقة في السلسلة الطويلة المتصلة.. وهي الصورة اللائقة بعمل الله ومنهجه. فهو منهج واحد في أصله، متعدد في صوره...

وبشارة المسيح بأحمد ثابتة بهذا النص، سواء تضمنت الأناجيل المتداولة هذه البشارة أم لم تتضمنها. فثابت أن الطريقة التي كتبت بها هذه الأناجيل والظروف التي أحاطت بها لا تجعلها هي المرجع في هذا الشأن. وقد قرئ القرآن على اليهود والنصارى في الجزيرة العربية وفيه: (النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل).. وأقر بعض المخلصين من علمائهم الذين أسلموا كعبدالله بن سلام بهذه الحقيقة، التي كانوا يتواصون بتكتمها! كما أنه ثابت من الروايات التاريخية أن اليهود كانوا ينتظرون مبعث نبي قد أظلهم زمانه، وكذلك بعض الموحدين المنعزلين من أحبار النصارى في الجزيرة العربية. ولكن اليهود كانوا يريدونه منهم. فلما شاء الله أن يكون من الفرع الآخر من ذرية إبراهيم، كرهوا هذا وحاربوه! وعلى أية حال فالنص القرآني بذاته هو الفيصل في مثل هذه الأخبار. وهو القول الأخير..

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

ونادى عيسى قومه بعنوان {بني إسرائيل} دون {يا قوم} [الصف: 5] لأن بني إسرائيل بعد موسى اشتهروا بعنوان « بني إسرائيل» ولم يطلق عليهم عنوان: قوم موسى، إلا في مدة حياة موسى خاصة فإنهم إنما صاروا أمة وقوماً بسببه وشريعته.فأما عيسى فإنما كان مرسلاً بتأييد شريعة موسى، والتذكير بها وتغيير بعض أحكامها، ولأن عيسى حين خاطبهم لم يكونوا قد اتبعوه ولا صدّقوه فلم يكونوا قوماً له خالصين. {مصدقاً لما بين يدي من التوراة} والمقصود من تنبيههم على هذا التصديق حين ابتدأهم بالدعوة تقريب إجابتهم واستنزال طائرهم لشدة تمسكهم بالتوراة واعتقادهم أن أحكامها لا تقبل النسخ، وأنها دائمة. ولذلك لما ابتدأهم بهذه الدعوة لم يزد عليها ما حكي عنه في سورة [آل عمران: 50] من قوله: {ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم}، فيحمل ما هنالك على أنه خطاب واقع بعد أول الدعوة فإن الله لم يوح إليه أوّل مرّة بنسخ بعض أحكام التوراة ثم أوحاه إليه بعد ذلك. فحينئذٍ أخبرهم بما أوحي إليه. وكذلك شأن التشريع أن يُلقَى إلى الأمة تدريجاً...

والتبشير: الإِخبار بحادث يسُرّ، وأطلق هنا على الإِخبار بأمر عظيم النفع لهم لأنه يلزمه السرور الحق فإن مجيء الرسول إلى الناس نعمة عظيمة. ووجه إيثار هذا اللفظ الإِشارة إلى ما وقع في الإِنجيل من وصف رسالة الرسول الموعود به بأنها بشارة الملكوت. وإنما أخبرهم بمجيء رسول من بعده لأن بني إسرائيل لم يزالوا ينتظرون مجيء رسول من الله يخلصهم من براثن المتسلطين عليهم وهذا الانتظار ديدنهم، وهم موعودون لهذا المخلّص لهم على لسان أنبيائهم بعد موسى. فكان وعد عيسى به كوعد من سبقه من أنبيائهم، وفاتحهم به في أول الدعوة اعتناء بهذه الوصية. وفي الابتداء بها تنبيه على أن ليس عيسى هو المخلص المنتظر وأن المنتظر رسول يأتي من بعده وهو محمد صلى الله عليه وسلم...

ولا يحمل قوله: {اسمه أحمد} على ما يتبادر من لفظ اسم من أنه العلَم المجهول للدلالة على ذات معيَّنة لتميزه من بين من لا يشاركها في ذلك الاسم لأن هذا الحمل يمنع منه وأنه ليس بمطابق للواقع لأن الرسول الموعود به لم يدعه الناسُ أحمد فلم يكن أحد يدعو النبي محمداً صلى الله عليه وسلم باسم أحمد لا قبل نبوته ولا بعدها ولا يعْرف ذلك. وأما ما وقع في « الموطأ» و « الصحيحين» عن محمّد بن جبير بن مطعم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: « لي خمسة أسماء: أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي الذي يمحو الله به الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي وأنا العاقب» فتأويله أنه أطلق الأسماء على ما يشمل الاسم العَلَم والصفة الخاصة به على طريقة التغليب. وقد رويت له أسماء غيرها استقصاها أبو بكر ابن العربي في « العارضة» و« القَبس». فالذي نُوقِن به أن محمل قوله: {اسمه أحمد} يجري على جميع ما تحمله جُزْءا هذه الجملة من المعاني. فالوصف ب {أحمد} فيشمل جميع صفات الكمال النفسانية والخُلقية والخلقية والنسبية والقومية وغير ذلك مما هو معدود من الكمالات الذاتية والغرضية. ويصح اعتبار {أحمد} تفضيلاً حقيقياً في كلام عيسى عليه السّلام، أي مسماه أحمد مني، أي أفضل، أي في رسالته وشريعته. وعبارات الإِنجيل تشعر بهذا التفضيل فاسم « محمّد» يفيد معنى: المحمود حمداً كثيراً ورمز إليه بأحمد.وهذه الكلمة الجامعة التي أوحى الله بها إلى عيسى عليه السّلام أراد الله بها أن تكون شعاراً لجماع صفات الرسول الموعود به صلى الله عليه وسلم صيغت بأقصى صيغة تدل على ذلك إجمالاً بحسب ما تسمح اللغة بجمعه من معاني. ووُكل تفصيلها إلى ما يظهر من شمائله قبل بعثته وبعدها ليتوسمها المتوسمون ويتدبر مطاويها الراسخون عند المشاهدة والتجربة. وفي هذه الأخبار إثبات أن هذا الرسول المبشر به تعمّ رسالته جميع الأمم في جميع الأرض، وأنه الخاتم، وأن لشريعته مُلكاً... وأن تعاليمه تتعلق بجميع الأشياء العارضة للناس، أي شريعته تتعلق أحكامها بجميع الأحوال البشرية، وجميعها مما تشمله الكلمة التي جاءت على لسان عيسى عليه السلام وهي كلمة {اسمه أحمد} فكانت من الرموز الإِلهية ولكونها مرادة لذلك ذكرها الله تعالى في القرآن تذكيراً وإعلاناً. وذِكر القرآن تبشيرَ عيسى بمحمدٍ عليهما الصلاة والسّلام إدماج في خلال المقصود الذي هو تنظير ما أوذي به موسى من قومه وما أوذي به عيسى من قومه إدماجاً يؤيد به النبي صلى الله عليه وسلم ويثبّت فؤاده ويزيده تسلية. وفيها تخلص إلى أن ما لقيه من قومه نظيرَ ما لقيه عيسى من بني إسرائيل. وقوله: {فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين} هو مناط الأذى.. والتقدير: فكذبوه، فلما جاءهم بالمعجزات قالوا هذا سحر أو هُو ساحر.

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{وَإِذۡ قَالَ عِيسَى ٱبۡنُ مَرۡيَمَ يَٰبَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيۡكُم مُّصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيَّ مِنَ ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَمُبَشِّرَۢا بِرَسُولٖ يَأۡتِي مِنۢ بَعۡدِي ٱسۡمُهُۥٓ أَحۡمَدُۖ فَلَمَّا جَآءَهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ قَالُواْ هَٰذَا سِحۡرٞ مُّبِينٞ} (6)

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَإِذۡ قَالَ عِيسَى ٱبۡنُ مَرۡيَمَ يَٰبَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيۡكُم مُّصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيَّ مِنَ ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَمُبَشِّرَۢا بِرَسُولٖ يَأۡتِي مِنۢ بَعۡدِي ٱسۡمُهُۥٓ أَحۡمَدُۖ فَلَمَّا جَآءَهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ قَالُواْ هَٰذَا سِحۡرٞ مُّبِينٞ} (6)

قوله تعالى : { وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل } أي واذكر لهم هذه القصة أيضا . وقال : { يا بني إسرائيل } ولم يقل " يا قوم " كما قال موسى ؛ لأنه لا نسب له فيهم فيكونون قومه . { إني رسول الله إليكم } أي بالإنجيل . " مصدقا لما بين يدي من التوراة " لأن في التوراة صفتي ، وأني لم آتكم بشيء يخالف التوراة فتنفروا عني ، { ومبشرا برسول } مصدقا ، { ومبشرا } نصب على الحال ، والعامل فيها معنى الإرسال ، و " إليكم " صلة الرسول ، " يأتي من بعدي اسمه أحمد " قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو " من بعدي " بفتح الياء . وهي قراءة السلمي وزر بن حبيش وأبي بكر عن عاصم . واختاره أبو حاتم لأنه اسم ؛ مثل الكاف من بعدك ، والتاء من قمت . الباقون بالإسكان . وقرئ " من بعدي اسمه أحمد " بحذف الياء من اللفظ . و " أحمد " اسم نبينا صلى الله عليه وسلم . وهو اسم علم منقول من صفة لا من فعل ، فتلك الصفة أفعل التي يراد بها التفضيل . فمعنى " أحمد " أي أحمد الحامدين لربه . والأنبياء صلوات الله عليهم كلهم حامدون الله ، ونبينا أحمد أكثرهم حمدا . وأما محمد فمنقول من صفة أيضا ، وهي في معنى محمود ، ولكن فيه معنى المبالغة والتكرار . فالمحمد هو الذي حمد مرة بعد مرة . كما أن المكرم من الكرم مرة بعد مرة . وكذلك الممدح ونحو ذلك . فاسم محمد مطابق لمعناه ، والله سبحانه سماه قبل أن يسمي به نفسه . فهذا علم من أعلام نبوته ، إذ كان اسمه صادقا عليه ، فهو محمود في الدنيا لما هدى إليه ونفع به من العلم والحكمة . وهو محمود في الآخرة بالشفاعة . فقد تكرر معنى الحمد كما يقتضي اللفظ . ثم إنه لم يكن محمدا حتى كان أحمد ، حمد ربه فنبأه وشرفه ؛ فلذلك تقدم اسم أحمد على الاسم الذي هو محمد فذكره عيسى عليه السلام فقال : " اسمه أحمد " . وذكره موسى عليه السلام حين قال له ربه : تلك أمة أحمد ، فقال : اللهم اجعلني من أمة أحمد . فبأحمدَ ذكره قبل أن يذكره بمحمد ؛ لأن حمده لربه كان قبل حمد الناس له . فلما وجد وبعث كان محمدا بالفعل ، وكذلك في الشفاعة يحمد ربه بالمحامد التي يفتحها عليه ، فيكون أحمد الناس لربه ثم يشفع فيحمد على شفاعته . وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( اسمي في التوراة أحيد لأني أحيد أمتي عن النار واسمي في الزبور الماحي محا الله بي عبدة الأوثان واسمي في الإنجيل أحمد واسمي في القرآن محمد لأني محمود في أهل السماء والأرض ) . وفي الصحيح ( لي خمسة أسماء أنا محمد وأحمد وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر وأنا الحاشر الذي تحشر الناس على قدمي وأنا العاقب ) وقد تقدم{[14941]} . " فلما جاءهم بالبينات " قيل عيسى ، وقيل : محمد صلى الله عليه وسلم ، { قالوا هذا سحر مبين } قرأ الكسائي وحمزة " ساحر " نعتا للرجل . وروي أنها قراءة ابن مسعود . الباقون " سحر " نعتا لما جاء به الرسول .


[14941]:راجع جـ 14 ص 200.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَإِذۡ قَالَ عِيسَى ٱبۡنُ مَرۡيَمَ يَٰبَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيۡكُم مُّصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيَّ مِنَ ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَمُبَشِّرَۢا بِرَسُولٖ يَأۡتِي مِنۢ بَعۡدِي ٱسۡمُهُۥٓ أَحۡمَدُۖ فَلَمَّا جَآءَهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ قَالُواْ هَٰذَا سِحۡرٞ مُّبِينٞ} (6)

ولما كان أذى النبي صلى الله عليه وسلم بمخالفة أمره تارة يكون مع العلم برسالته والإقرار بها وتارة مع الإنكار ، وقدم العتاب على ما كان منه على تقدير التصديق ، وذكر فيه بقصة موسى عليه الصلاة والسلام الذين{[64871]} كانوا يؤذونه مع العلم برسالته ، وهدد بما اتفق لهم من زيغ القلوب التي هي عماد الأبدان وصلاح الإنسان ، أتبعه ما يكون منه عند فرض الإنكار . ولما كان رد المنكر تارة بالعقل وتارة بالنقل ، وكان الذي بالعقل يكون بنظر المعجزات ولا سيما إخراج الخبأ وقد{[64872]} كان منه في قصة حاطب رضي الله تعالى عنه في إخراج كتابه الذي اجتهد في إخفائه واجتهدت الظعينة{[64873]} الحاملة له في كتمانه ما فيه مقنع{[64874]} في العلم بالرسالة وتحقق الجلالة ، أتبع ذلك دليلاً نقلياً تأييداً للعقل مع كونه دليلاً على صحة الإخبار بإزاغة قلوب بني إسرائيل جزاء على زيغهم عن الحق فقال : { وإذ } أي واذكروا حين { قال عيسى } ووصفه بما حقق{[64875]} من هو فقال : { ابن مريم } أي لقوم موسى عليهما الصلاة والسلام الذين أرسل إليهم وثبتت نبوته لديهم بالمعجزات مع{[64876]} إخلاص الدعوة{[64877]} لله {[64878]}وتصديق{[64879]} من كان قبله من أهل الله : { يا بني إسرائيل } وذكرهم{[64880]} بما كان عليه أبوهم من الدين وما وصى به نبيه من التمسك بالإسلام ، ولم يعبر بالقوم كما قال موسى عليه الصلاة والسلام لأنه لا أب له فيهم و{[64881]}إن كانت أمه منهم ، فإن النسب إنما هو من جهة الأب ، وأكد لإنكار بعضهم فقال{[64882]} : { إني رسول الله } أي الملك الأعظم{[64883]} الذي أحاط علمه بكل شيء{[64884]} { إليكم } أي لا إلى غيركم ، حال كوني { مصدقاً } نصبه بما في الرسول من رائحة الفعل ولا ينصب ب " إليكم " لأنه صفة للرسول ، وحروف الجر لا تعمل بأنفسها بل بما فيها من معنى الفعل ، فإذا{[64885]} كانت صلات لم تكن متضمنة لمعنى فعل فلا تعمل ، وهو الحرف الذي يسمى في غير{[64886]} " {[64887]}الكتاب العزيز " {[64888]} لغواً{[64889]} { لما بين يدي } أي تقدمني وكان من قبلي { من التوراة } التي تعلمون أن الله تعالى أنزلها على موسى عليه الصلاة والسلام وهي أول الكتب التي نزلت بعد الصحف وحكم بها النبيون ، فتصديقي لها مع تأييدي{[64890]} لها مؤيد لأن ما أقمته{[64891]} من الدلائل حق ومبين أنها دليلي فيما لم أنسخه منه كما يستدل الإنسان بما قدامه من الأعلام ويراعيه ببصره .

ولما ذكر أول{[64892]} الكتب ذكر{[64893]} أيضاً أول الأنبياء خلقاً وآخرهم بعثاً وهو{[64894]} آخر الرسل ليكون في ذلك إشارة إلى{[64895]} أن البشارة به في التوراة والإنجيل فقال : { ومبشراً } أي في حال تصديقي للتوراة .

ولما كانت رسالته صلى الله عليه وسلم عامة لجميع الخلق لم يذكر في رسالته حرف الغاية كما ذكر في الرسالتين المذكورتين قبل فقال : { برسول } أي إلى كل من شملته المربوبية { يأتي } ولما كان إتيانه بعده بمدة طويلة أدخل الجار فقال : { من بعدي } ولما كان الإتيان بغاية البيان وإزاحة اللبس بكل اعتبار أقعد في العتاب لمن هفا{[64896]} بعده والأخذ لمن جفا فنقض عهده ، أتى بالاسم الذي {[64897]}ما شارك{[64898]} النبي صلى الله عليه وسلم فيه أحد في زمانه ولا قبله أصلاً ، ووزنه دال على المبالغة في معناه فقال : { اسمه أحمد } أي دال على أنه أبلغ الخلق حامداً ومحموداً وهو اسمه صلى الله عليه وسلم في السماء التي {[64899]}سيصير إليها هذا المبشر ، وفي تخصيصه بالذكر احتراز عن أن يتوهم أن البعدية في الرتبة {[64900]}لأنه يليح بتصديره بالهمزة التي هي أول الحروف مخرجاً وأشد حروف الحلق الذي هو أول المخارج وتضمينه الميم إلى أنه صلى الله عليه وسلم كما أنه خاتم بما أشار إليه أشهر أسمائه وأعظمها " محمد " لابتدائه بالميم التي هي أمكن حروف الشفة التي هي خاتمة{[64901]} للحروف لأن مخرجها آخر المخارج ، لا نبي بعده فهو فاتح مقدم باعتبار الذكر والشرف والحكم بالوصف الشريف{[64902]} لا نبي قبله {[64903]}في الخلق{[64904]} وجبت له النبوة وإن آدم لمنجدل في طينه وبين الروح والجسد كما في الحديث الذي أخرجه أحمد{[64905]} عن ميسرة الفجر رضي الله عنه والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه وأخرجه البيهقي في أول دلائل النبوة وقال : إن معناه{[64906]} أنه كذلك في قضاء الله وتقديره ، وكأنه يريد قضاء مكتوباً في أم الكتاب ومذكوراً لمن أراد من الملائكة قبل إتمام خلق آدم عليه الصلاة والسلام فإنه يحتمل أنه سبحانه وتعالى لما صور آدم عليه الصلاة والسلام جعل طينته شفافة تشف عن ذريته وجعل لصالحيهم{[64907]} نوراً{[64908]} يرى دون غيره{[64909]} ، فلما رأوا أعظمهم نوراً سألوا عنه فأخبرهم سبحانه وتعالى به وأثبت ما أراد من أوصافه في أم الكتاب كما أنه كان نبياً بالإخبار في دعوة أبيه{[64910]} إبراهيم عليه الصلاة والسلام وببشارة عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام وبأمارات النور الذي خرج من أمه كما في الحديث الذي رواه البيهقي في الدلائل وغيره{[64911]} عن العرباض بن سارية رضي الله عنه

" إني عبد الله وخاتم النبيين " وفي رواية " إني عبد الله لخاتم النبيين وإن{[64912]} آدم لمنجدل{[64913]} في طينته وسأخبركم عن ذلك ؛ دعوة أبي إبراهيم وبشارة عيسى {[64914]}بي و{[64915]}رؤيا أمي التي رأت ، وكذلك أمهات النبيين يرين " وأن أم رسول الله صلى الله عليه وسلم رأت حين وضعته نوراً أضاءت له قصور الشام ، فتأويل ذلك بذكره سبحانه له{[64916]} لملائكته مثل تأويله بدعوة إبراهيم عليه الصلاة والسلام في قوله تعالى حكاية عنه

{ ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم يتلو عليهم آياتك ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة }[ البقرة : 129 ] وبشارة عيسى عليه الصلاة والسلام في مثل حكايته عنه في{[64917]} هذه الآية ، وتأويله بالنور الذي رأت أمه مثل تأويله بالنور الذي يحتمل أن يكون الملائكة عليهم السلام " رأوا في شفاف طينة آدم عليه السلام{[64918]} والله سبحانه وتعالى أعلم . وكانت سورة القتال أحق باسمه الدال على الختم لأن الختام محتاج إلى علاج في لأم{[64919]} ما كان من صدع الافتراق ، وكذا سورة الفتح لما يلزمه من محاولة المنغلق وإزالة الأغلاق ، وختام السورتين بالميم عظيم المناسبة لذلك لأن الميم اسم لتمام الظاهر المقام بالألف ، و{[64920]}إلى ذلك{[64921]} إشارة رسم ألف التنوين في الفتح بعد الميم مع أنه لا يخلو من إشارة إلى أنه الفاتح مع كونه{[64922]} الخاتم ، ويؤيد ذلك افتتاح السورة بأول حروف الاسم المليح إلى الفتح ، وكانت هذه السورة أحق به{[64923]} لأنه أدل دال على الاتفاق{[64924]} واجتماع الكلمة دون اختلاف وافتراق ، كما كان عند نزول آدم عليه الصلاة والسلام و{[64925]}بعده بمدة{[64926]} ، وإلى ذلك أشار ختمها وختم نظيرتها الصافات بالنون الذي{[64927]} هو مظهر مبين{[64928]} محيط بما أظهره ، فهو مبشر لهذه الأمة بالاجتماع والظهور على الاسم الذي يحيط آخره بجميع أهل الأرض على زمن المبشر عيسى عليه السلام المؤيد للمبشر به بتجديد أمره وإقامة دينه صلى الله عليه وسلم ، وآخر هذه نتيجة آخر الصافات بالحمد الذي هو الإحاطة بأوصاف الكمال - والله تعالى أعلم بالصواب " .

ذكر ما يصدق هذه الآية{[64929]} من الإنجيل من تصديقه للتوارة وبشارته بأحمد صلى الله عليه وسلم ، قال{[64930]} : وكان رجل مريض اسمه العازر من بيت عنيا وهو أخو مريم ومرتا ، فأرسلت الأختان إلى يسوع أن الذي تحبه مريض ، فأقام في الموضع الذي هو فيه يومين ثم{[64931]} قال لتلاميذه : امضوا بنا إلى اليهودية ، فقال{[64932]} له تلاميذه : الآن يا معلم أراد اليهود رجمك{[64933]} وأنت تريد المضي إليهم ، فقال : إن العازر حبيبنا قد نام ، فأنا انطلق فاوقظه ، فقال : يا سيدنا ، إن كان نائماً فهو يستيقظ ، فقال العازر مات ، فأقبلوا إلى بيت عنيا ، فإذا له أربعة أيام في القبر وكانت بيت عنيا من يروشليم على نحو{[64934]} خمس عشرة غلوة ، وكان كثير من اليهود قد{[64935]} جاؤوا إلى مرتا ومريم يعزوهما ، فلما سمعت مرتا بقدوم يسوع خرجت لتلقاه{[64936]} فقالت له : يا سيد{[64937]} ، لو كنت ههنا لم يمت أخي وأنا أعلم أن الله يعطيك كل ما سألته ، قال : سيقوم أخوك ، قالت : أنا أعلم أنه سيقوم في القيامة ، ثم جاءت{[64938]} مريم للقائه ، فظن اليهود الذين كانوا{[64939]} يعزونها أنها{[64940]} تذهب إلى القبر فتبعوها ، فلما انتهت إلى المكان الذي كان فيه يسوع خرت على قدميه ساجدة ، فلما رآها تبكي ورأى اليهود الذين كانوا معها قال : أين وضعتموه ؟ فقالوا له : يا سيد ، تعالى وانظر ، فدمع يسوع فقال اليهود : انظروا كيف كان يحبه ، فقال ناس منهم : أما كان هذا الذي فتح عيني الأعمى يقدر أن يجعل هذا لا يموت ، فجاء إلى القبر وكان مغارة وعليه حجر موضوع فقال : ارفعوا الصخرة ، فقالت له مرتا أخت الميت : يا سيد ، إنه{[64941]} قد أنتن لأن له أربعة أيام ، قال لها{[64942]} يسوع : ألم أقل لك إن آمنت رأيت مجد الله ، فرفعوا الصخرة فرفع يسوع بصره إلى فوق وقال : أشكرك ، لأنك تسمع لي ، أقول هذا من أجل هذا الجمع ليؤمنوا أنك أرسلتني ، قال هذا القول ونادى بصوت عظيم وصاح : عازر اخرج ، فخرج الميت ويداه ورجلاه ملفوفة باللفائف ووجهه ملفوف بعمامة ، فقال يسوع : حلوه ودعوه {[64943]}يمضي ، و{[64944]}إن كثيراً من اليهود الذين جاؤوا إلى مريم لما رأوا ما صنع يسوع آمنوا ، ومضى قوم منهم إلى الفريسيين فأخبروهم ، فجمع{[64945]} عظماء الكهنة والفريسيون{[64946]} محفلاً فقالوا : ماذا نصنع إذ كان هذا الرجل يعمل آيات كثيرة وإن تركناه فيؤمن به{[64947]} جميع الناس وتأتي الروم فتنقلب على أمتنا وموضعنا ، وإن واحداً منهم اسمه قيافاً كان أعظم الكهنة في تلك السنة قال لهم : إنه{[64948]} خير لنا أن يموت{[64949]} واحد من الشعب من أن تهلك الأمة كلها - إلى آخر ما مضى في النساء عند قوله تعالى :{ ما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم }[ النساء : 157 ] الآيات ، نرجع إلى متى{[64950]} قال : حينئذ ذهب الفريسيون وتشاوروا ليصطادوه بكلمة فأرسلوا إليه تلاميذهم والهردوسيين قائلين{[64951]} : يا معلم ، قد علمنا أنك محق وطريق الله بالحق تعلم ولا تبالي بأحد ولا تنظر لوجه إنسان{[64952]} فقل لنا ما عندك ، أيجوز لنا أن نعطي الجزية لقيصر أم لا ؟ فعلم يسوع شرهم فقال : لماذا تجربوني يا مراؤون أروني{[64953]} دينار الجزية ، فأتوه بدينار فقال لهم يسوع : لمن هذه الصورة والكتابة ؟ فقالوا : لقيصر ، حينئذ قال{[64954]} لهم : أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله ، فلما سمعوا تعجبوا وتركوه ومضوا ، وقال يوحنا{[64955]} : فقال يسوع : أنا ماكث{[64956]} فيكم زماناً يسيراً ، ثم انطلق إلى من أرسلني وتطلبوني فلا تجدوني ، وحيث أكون أنا {[64957]}لستم تقدرون{[64958]} على المجيء إلي فقال اليهود فيما بينهم : إلى أين هذا مزمع{[64959]} أن يذهب حتى لا نجده ، لعله مزمع أن يذهب إلى منفى اليونانيين ، وقال متى{[64960]} : وفي اليوم جاء إليه الزنادقة القائلون : ليس قيامة ، وسألوه - فذكر سؤالهم وجوابه لهم إلى أن قال في آخر جوابه : أما قرأتم ما قيل لكم من الله ، وقال مرقس : في سفر موسى قول الله على العوسج إذ قال : أنا هو إله إبراهيم وإله إسحاق وإله يعقوب وأنتم تضلون كثيراً ، وعبارة لوقا : فقد{[64961]} نبأ بذلك موسى في العليقة كما قال الرب : أنا إله إبراهيم وإله إسحاق وإله يعقوب ، وقال متى : فلما سمع الجمع بهتوا من تعليمه ، فلما سمع ذلك الفريسيون أنه قد أبكم الزنادقة اجتمعوا عليه جميعاً وسأله{[64962]} كاتب منهم ليجربه قائلاً ، يا معلم ! أي الوصايا أعظم في الناموس ؟ قال له يسوع : تحب الرب إلهك من كل قلبك ، وقال : اسمع ، يا إسرائيل ، الرب إلهك واحد هو ، وحب إلهك من كل قلبك - انتهى ، ومن كل نفسك ومن كل فكرك ، هذه الوصية الأولى العظيمة ، والثانية{[64963]} التي تشبهها أن تحب قريبك مثل نفسك ، قال مرقس : ليس وصية أعظم من هاتين - انتهى ، في الوصيتين سائر الناموس{[64964]} والأنبياء يتعلق ، قال مرقس : فقال له الكاتب : فحينئذ يا معلم الحق قلت أنه واحد ليس آخر غيره ، وأن تحبه من كل القلب ومن كل النية ومن كل النفس ومن كل القوة ، وتحب القريب مثلك ، هذه أفضل من جميع الذبائح والمحترقات ، فلما رأى يسوع عقله أجابه قائلاً : لست بعيدا من ملكوت الله ، وقال لوقا{[64965]} : فقال ليسوع : ومن هو قريبي ؟ قال يسوع : كان رجل نازلاً من يروشليم إلى أريحا ، فوقع بين اللصوص فسلبوه {[64966]}وجرحوه ومضوا وتركوه مثخناً{[64967]} قريب الموت ، واتفق أن كاهناً نزل في تلك الطريق فأبصره وجاز ، وكذلك لاوىجاء إلى المكان فأبصره وجاز{[64968]} ، وإن سامرياً{[64969]} جاز به ، فلما رآه تحنن ودنا منه{[64970]} وضمد جراحاته وحمله على دابته وجاء به إلى الفندق وعني بأمره{[64971]} ، وفي الغد أخرج بدينارين أعطاهما لصاحب الفندق وقال : اهتم به فإن أنفقت{[64972]} عليه أكثر من هذين دفعت لك عند عودتي ، فمن من هؤلاء الثلاثة تظن أنه قد صار قريباً للذي وقع بين اللصوص ، فقال له : الذي صنع معه رحمة ، فقال له يسوع : اذهب أنت وافعل هكذا ، وقال مرقس : فلم يتجرأ أحد أن يسأله ثم قال : وكانت جماعة كثيرة يسمعون منه بشهوة ، وقال يوحنا : وآمن باسمه عند كونه بإيروشليم في عيد الفسح كثير لأنهم عاينوا الآيات التي عمل ، ثم قال : وكان رجل من الفريسيين اسمه نيقوديميس رئيساً لليهود أتى إلى يسوع ليلاً وقال له : يا{[64973]} معلم نحن نعلم أنك من الله أتيت معلماً لأنه ليس بقدر أحد أن يعمل هذه الآيات التي تعمل {[64974]}أنت إلا من كان{[64975]} الله معه ، قال متى{[64976]} : وحينئذ كلم يسوع الجمع وتلاميذه وقال : على كرسي موسى جلس الكتبة والفريسيون وكل ما قالوه لكم احفظوه أنتم وافعلوه ، ومثل {[64977]}أعمالهم لا تصنعوا لأنهم يقولون ولا يفعلون ، لأنهم يربطون أحمالاً ثقالاً صعبة الحمل ويحملونها على أعناق الناس ولا يريدون أن يحركوها بإصبعهم ، وكل أعمالهم يصنعونها لكي يراؤوا الناس ، يعرضون أرديتهم ويعظمون أطراف ثيابهم ، ويحبون أول الجماعات في الولائم وصدور المجالس في المجامع والسلام في الأسواق ، وأن يدعوهم الناس معلمين ، فأما أنتم فلا تدعوا{[64978]} لكم معلماً على الأرض ولا مدبراً فإن مدبركم واحد هو المسيح ، وأنتم جميعاً إخوة ، ولا تدعوا لكم أباً على الأرض فإن أباكم واحد ، هو الذي في السماوات ، والكبير الذي فيكم يكون لكم خادماً ، فمن رفع نفسه اتضع ، ومن وضع نفسه ارتفع ، الويل لكم أيها الكتبة والفريسيون ، لأكلكم بيوت الأرامل والأيتام ، لعلة تطويل صلاتكم ، ومن أجل{[64979]} هذا تأخذون أعظم دينونة ، الويل لكم أنكم تغلقون ملكوت السماوات قدام الناس فلا أنتم تدخلون ولا تتركون الداخلين يدخلون ، الويل لكم أنكم تطوفون البر والبحر لتصطفوا{[64980]} غريباً واحداً ، فإذا صار صيرتموه لجهنم ابناً مضعفاً ، لكم الويل يا أيها الهداة العميان الذين يقولون : من حلف بالهيكل فليس عليه شيء ، ومن حلف بذهب الهيكل يخطىء ، أيها الجهال العمي أيما أعظم ؟ {[64981]}الذهب أن الهيكل الذي يقدس الذهب ، ومن حلف بالمذبح فلا شيء ، ومن حلف بالقربان الذي فوقه فهو يخطىء{[64982]} يا جهال وعميان ، أيما أعظم ؟ القربان أم المذبح الذي يقدس القربان ؟ ومن حلف بالمذبح فقد حلف به وبكل ما فوقه ، ومن حلف بالهيكل فهو {[64983]}يحلف به وبالساكن فيه ، ومن حلف بالسماء{[64984]} فهو يحلف بكرسي الله وبالجالس عليه ، الويل لكم أنكم تعشرون الشبث والنعنع والكمون وتتركون أثقل{[64985]} الناموس الحكم والرحمة والإيمان ، وقال لوقا{[64986]} : تعشرون النعنع والسداب وكل البقول ، وترفضون حكم الله ومحبته ، قد كان ينبغي أن{[64987]} تعقلوا هذا ولا تغفلوا{[64988]} عن تلك - انتهى ، يا هداة عيمان الذين يتركون البعوضة ويبلعون الجمل ، الويل لكم أنكم{[64989]} تنقون خارج{[64990]} الكأس {[64991]}والسكرجة وداخلهما مملوء اختطافاً وظلماً ، أيها الأعمى ، نق أولاً داخل الكأس والسكرجة{[64992]} لكيما يتطهر خارجهما ، وقال لوقا : اعطو الرحمة فكل{[64993]} شيء يتطهر لكم - الويل لكم لأنكم{[64994]} لا تشبهون القبور المكلسة التي ترى من خارجها حسنة وداخلها مملوء عظام{[64995]} الأموات وكل نجس ، وقال لوقا : لأنكم مثل القبور المخفية{[64996]} والناس يمشون عليها ولا يعلمون - انتهى .

وكذلك أنتم ترون{[64997]} الناس ظواهركم{[64998]} مثل الصديقين ، ومن داخل ممتلئون{[64999]} إثماً ورياء ، قال لوقا : وأنتم أيها الكتبة الويل{[65000]} لكم لأنكم تحملون أوساقاً{[65001]} وأثقالاً وأنتم لا تدنون منها بإحدى أصابعكم ، الويل لكم لأنكم أخذتم مفاتيح الغرفة فما دخلتم ، ومنعتم الذين {[65002]}يريدون الدخول{[65003]} - انتهى ، الويل لكم لأنكم تبنون قبور الأنبياء ، قال لوقا : الذين قتلهم آباؤكم - انتهى ، وتزينون مدافن{[65004]} الصديقين وتقولون : لو كنا في أيام آبائنا لم نشاركهم في دم الأنبياء ، فأنتم تشهدون على أنفسكم أنكم أبناء قتلة الأنبياء إنكم تكملون مكيلة آبائكم ، أيها الحيات أولاد الأفاعي كيف تهربون من دينونة جهنم ، من أجل{[65005]} هذا أرسل إليكم أنبياء وحكماء وكتبة فتقتلون منهم وتصلبون وتجلدون منهم في مجامعكم{[65006]} وتطردونهم{[65007]} من مدينة إلى مدينة لكي يأتي عليكم دم الصديقين المسفوك على الأرض ، وقال لوقا : وأنتم تشهدون وتسرون بأعمال آبائكم لأنهم قتلوهم وأنتم تبنون قبورهم ، ولهذا قالت حكمة الله : هوذا أرسل إليهم أنبياء ورسلاً فيقتلون منهم ويطردونهم لينتقم عن دم جميع الأنبياء الذي أهريق من أول العالم إلى هذا الجيل . وقال متى{[65008]} : من دم هابيل الصديق إلى دم زكريا بن براشيا الذي قتلتموه بين الهيكل والمذبح{[65009]} ، الحق أقول لكم{[65010]} إن هذا كله يأتي على هذا الجيل ، يا أروشليم ، يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين{[65011]} إليها كم من مرة أردت{[65012]} أن أجمع بنيك فيك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها فلم تريدوا ، هوذا يترك بينكم لكم خراباً ، أنا أقول لكم : إني لا تروني من الآن حتى تقولوا : مبارك الآتي باسم الرب ، و{[65013]}قال مرقس{[65014]} : ثم جاء يسوع عند باب الخزانة ينظر{[65015]} الجمع يلقي نحاساً في الخزانة وأغنياء كثير ألقوا كثيراً ، فجاءت امرأة أرملة مسكينة ، فألقت فلسين فاستدعى تلاميذه وقال لهم : الحق أقول لكم ، إن هذه الأرملة المسكينة ألقت أكثر من الكل الذين ألقوا في الخزانة ، لأن الكل القوا من فضل ما عنده ، وهذه ألقت مع مسكنتها كل ما لها ، ثم خرج من الهيكل - انتهى . هذا ما فيه الدلالة على الرسالة وتصديق التوراة ، وأما البشارة بمحمد صلى الله عليه وسلم فقد تقدم في هذا الكتاب مفرقاً في السور{[65016]} كالأعراف والنساء وغيرهما ، وقال ابن هشام في تهذيب السيرة {[65017]}النبوية{[65018]} جمع ابن إسحاق ، قال ابن إسحاق : وقد كان فيما بلغني عما كان وضع{[65019]} عيسى ابن مريم عليهما الصلاة والسلام فيما جاءه{[65020]} من الله تعالى في الانجيل{[65021]} لأهل الإنجيل{[65022]} من صفة{[65023]} رسول الله صلى الله عليه وسلم مما أثبت يحنس الحواري لهم حين نسخ لهم الإنجيل عن عهد عيسى ابن مريم في{[65024]} رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم أنه قال : من أبغضني فقد أبغض الرب ، ولولا أني صنعت بحضرتهم صنائع لم يصنعها أحد قبلي ما كانت لهم خطيئة ، ولكن من الآن {[65025]}بطروا وظنوا{[65026]} أنهم يعزونني وأيضاً للرب ولكن لا بد أن تتم الكلمة التي في الناموس أنهم أبغضوني مجاناً أي باطلاً فلو{[65027]} قد جاء المنحمنا هذا الذي{[65028]} يرسله الله إليكم من عند الرب روح القدس{[65029]} هذا الذي من عند الرب خرج فهو شهيد عليّ وأنتم أيضاً لأنكم قديماً كنتم معي في{[65030]} هذا قلت لكم لكي لا {[65031]}تشكوا .

فالمنحمنا بالسريانية محمد صلى الله عليه وسلم وهو بالرومية البارقليطس - انتهى .

ولما تم الدليل النقلي على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وعلى كونه أشرف الأنبياء فاتحاً لهم وخاتماً عليهم ، دل على إلزام بني إسرائيل{[65032]} الزيغ فقال : { فلما جاءهم } أي عيسى أو محمد صلى الله عليه وسلم بني إسرائيل و{[65033]}غيرهم { بالبينات } أي من{[65034]} المعجزات العظيمة التي لا يسوغ لعاقل إلا التسليم لها ومن{[65035]} الكتاب المبين { قالوا } أي عند{[65036]} مجيئها سواء من غير نظرة لتأمل ولا غيره : { هذا } أي المأتي به من البينات أو الآتي بها على المبالغة كما دل عليه قراءة حمزة{[65037]} " ساحر " إشارة بالإشارة إلى القريب بعد الإشارة{[65038]} - بفاء التعقب إلى شدة اتصال الكفر بأول أوقات المجيء : { سحر } فكانوا أول كافر به{[65039]} ، لأن هذا{[65040]} وصف لهم لازم سواء{[65041]} بلغهم ذلك و{[65042]}هم بمفردهم أو منضماً إليهم غيرهم { مبين * } أي في البيان في سحريته حتى أن شدة ظهوره في نفسه مظهرة لكل من رآه أنه سحر عنادا منهم ومكابرة للحق الذي لا لبس فيه .


[64871]:- من م، وفي الأصل وظ: الذي.
[64872]:- من م، وفي الأصل وظ: إن.
[64873]:- من م، وفي الأصل وظ: الطبية- كذا.
[64874]:- من م، وفي الأصل في ظ: منع.
[64875]:- من م، وفي الأصل وظ: يحقق.
[64876]:- من م، وفي الأصل وظ: من.
[64877]:- من م، وفي الأصل وظ: الدعوى.
[64878]:- من م، وفي الأصل وظ: فتصديق.
[64879]:- من م، وفي الأصل وظ: فتصديق.
[64880]:- من م، وفي الأصل وظ: ذكر.
[64881]:- زيد من م.
[64882]:- زيد في الأصل وظ: تعالى، ولم تكن الزيادة في م فحذفناها-
[64883]:- سقط ما بين الرقمين من ظ وم.
[64884]:- سقط ما بين الرقمين من ظ وم.
[64885]:- من ظ وم، وفي الأصل: بل إذا.
[64886]:- زيد من ظ وم.
[64887]:- من ظ وم، وفي الأصل: كتاب الله.
[64888]:- من ظ وم، وفي الأصل: كتاب الله.
[64889]:- زيد من ظ وم.
[64890]:من م، وفي الأصل وظ: تأييد.
[64891]:- من ظ وم، وفي الأصل: أفهمته.
[64892]:- زيد من ظ وم، وفي الأصل: أو.
[64893]:- سقط ما بين الرقمين من ظ وم.
[64894]:- سقط ما بين الرقمين من ظ وم.
[64895]:- زيد من ظ وم.
[64896]:- من ظ وم، وفي الأصل: هذا.
[64897]:- تكرر ما بين الرقمين في الأصل فقط.
[64898]:- تكرر ما بين الرقمين في الأصل فقط.
[64899]:- من م، وفي الأصل وظ: الذي.
[64900]:- من ظ وم، وفي الأصل: التربية.
[64901]:- من ظ وم، وفي الأصل: الخاتمة.
[64902]:- زيد في الأصل: قبله، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[64903]:- سقط ما بين الرقمين من ظ وم.
[64904]:- سقط ما بين الرقمين من ظ وم.
[64905]:- راجع المسند 5/ 59.
[64906]:- زيدت الواو في الأصل ولم تكن في ظ وم فحذفناها.
[64907]:- من م، وفي الأصل وظ: لصالحهم.
[64908]:- سقط ما بين الرقمين من م.
[64909]:- سقط ما بين الرقمين من م.
[64910]:زيد من ظ وم.
[64911]:- راجع مسند أحمد 4/ 127.
[64912]:- زيد من م.
[64913]:- من ظ وم، وفي الأصل: منجدل.
[64914]:- من ظ وم، وفي الأصل: في.
[64915]:- من ظ وم، وفي الأصل: في.
[64916]:- زيد من ظ وم.
[64917]:- زيد في الأصل وظ: مثله، ولم تكن الزيادة في م فحذفناها.
[64918]:- زيد من ظ وم.
[64919]:زيد من ظ وم.
[64920]:- من ظ وم، وفي الأصل: لذلك.
[64921]:- من ظ وم، وفي الأصل: لذلك.
[64922]:- من ظ وم، وفي الأصل: أنه.
[64923]:- زيد من ظ وم.
[64924]:- من ظ وم، وفي الأصل: الإتقان.
[64925]:- من ظ وم، وفي الأصل: بعد مدة.
[64926]:- من ظ وم، وفي الأصل: بعد مدة.
[64927]:- العبارة من هنا إلى "أعلم بالصواب" ساقطة من ظ.
[64928]:-من م، وفي الأصل وظ: من.
[64929]:- من ظ وم، وفي الأصل: الأمة.
[64930]:- راجع آية فما بعدها من الأصحاح 11 من إنجيل يوحنا.
[64931]:- من ظ وم، وفي الأصل: "و".
[64932]:- من ظ وم، وفي الأصل: فقالوا.
[64933]:- من م، وفي الأصل وظ: يرحمك.
[64934]:- زيد من ظ.
[64935]:- زيد من ظ وم.
[64936]:- من ظ وم، وفي الأصل: إليه تلقاه.
[64937]:- في ظ: سيدي.
[64938]:- من ظ وم، وفي الأصل: قامت.
[64939]:زيد من ظ وم.
[64940]:- زيد في الأصل: قد، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[64941]:- سقط من ظ وم.
[64942]:- سقط من م.
[64943]:- من م، وفي الأصل وظ: يعني.
[64944]:- من م، وفي الأصل وظ: يعني.
[64945]:- من ظ وم، وفي الأصل: فجمعوا.
[64946]:- في ظ وم: الفريسيين.
[64947]:- زيد في الأصل: ناس كثير ويتبعهم، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[64948]:- من ظ وم، وفي الأصل: ان.
[64949]:- من ظ وم، وفي الأصل: يمت، وزيد بعده في ظ: رخل.
[64950]:- راجع آية 15 فما بعدها من الأصحاح 2.
[64951]:- من م، وفي الأصل وظ: قالوا.
[64952]:- زيد في الأصل: أبد، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[64953]:- من ظ، وفي الأصل وم: ادوني.
[64954]:- من ظ وم، وفي الأصل: فقال.
[64955]:- راجع آية 33 فما بعدها من الأصحاح 13.
[64956]:- من ظ، وفي الأصل: ما مكثت، وفي م: مكثت.
[64957]:- من ظ وم، وفي الأصل: لم تقدروا
[64958]:- من ظ وم، وفي الأصل: لم تقدروا.
[64959]:- من م، وفي الأصل وظ: تزمع.
[64960]:- راجع آية 23 فما بعدها من الأصحاح 22.
[64961]:- من ظ وم، وفي الأصل: وانا.
[64962]:- من م، وفي الأصل وظ: سالوه.
[64963]:- من ظ، وفي الأصل وم: الثاني.
[64964]:- من م، وفي الأصل وظ: النوموس.
[64965]:- راجع آية 30 فما بعدها من الأصحاح 10.
[64966]:- من ظ وم، وفي الأصل: فلبسوه.
[64967]:- من ظ وم، وفي الأصل: منحا.
[64968]:- من ظ وم، وفي الأصل: جاوز.
[64969]:- من ظ وم، وفي الأصل: ساميا.
[64970]:- من ظ وم، وفي الأصل: "و".
[64971]:- من ظ وم، وفي الأصل: به أمر.
[64972]:- من م، وفي الأصل وظ: أنفق.
[64973]:-زيد من ظ وم.
[64974]:- سقط من ظ وم.
[64975]:- سقط من ظ وم.
[64976]:- راجع آية 1 فما بعدها من الأصحاح 23.
[64977]:- من ظ وم، وفي الأصل: مثلهم.
[64978]:- زيد من ظ وم.
[64979]:- زيد من ظ وم.
[64980]:- من ظ وم، وفي الأصل: لتعطفوا
[64981]:- من ظ وم، وفي الأصل: الهيكل أم الذهب.
[64982]:- في الأصل بياض مأرناه من ظ وم.
[64983]:- سقط ما بين الرقمين من ظ.
[64984]:- من ظ وم، وفي الأصل: فعل.
[64985]:- من ظ وم، وفي الأصل: فعل.
[64986]:- راجع آية 42 من الأصحاح 11.
[64987]:- من ظ وم، وفي الأصل: بان.
[64988]:- من ظ وم، وفي الأصل: لا يعقلون.
[64989]:- من ظ وم، وفي الأصل: تتركون وتتقون خاج.
[64990]:- من ظ وم، وفي الأصل: تتركون وتتقون خاج.
[64991]:- سقط ما بين الرقمين من ظ.
[64992]:- سقط ما بين الرقمين من ظ.
[64993]:- من م، وفي الأصل وظ: لكل.
[64994]:- من ظ وم، وفي الأصل: لا منكم.
[64995]:- من ظ وم، وفي الأصل: عظاما.
[64996]:- من ظ وم، وفي الأصل: المخبية.
[64997]:- من ظ وم، وفي الأصل: تراون.
[64998]:- في ظ: ظاهرهم، وفي م: ظاهرون.
[64999]:- من ظ وم، وفي الأصل: مملوون.
[65000]:- من ظ وم، وفي الأصل: الاثم.
[65001]:- من ظ وم، وفي الأصل: أوزارا.
[65002]:- من ظ وم، وفي الأصل: يريد الدين.
[65003]:- من ظ وم، وفي الأصل: يريد الدين.
[65004]:- من ظ وم، وفي الأصل: مداين.
[65005]:- زيد من ظ وم.
[65006]:- زيد في الأصل: ومن، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[65007]:- من ظ وم، وفي الأصل: تطرونهم.
[65008]:- راجع آية 35 فما بعدها من الأصحاح 23.
[65009]:- من ظ وم، وفي الأصل: مذبح.
[65010]:- زيد من ظ وم.
[65011]:- من ظ وم، وفي الأصل: المسلمين.
[65012]:- زيد من ظ وم.
[65013]:- زيد من ظ وم.
[65014]:-راجع آية 41 فما بعدها من الأصحاح.
[65015]:- من ظ وم، وفي الأصل: ينتظر.
[65016]:- من ظ وم، وفي الأصل: السورة.
[65017]:- من ظ وم، وفي الأصل: السورة.
[65018]:- راجع 1/ 80.
[65019]:- من ظ وم والسيرة، وفي الأصل: موضع.
[65020]:- من ظ وم والسيرة، وفي الأصل: من الإنجيل من الله تعالى.
[65021]:- من ظ وم والسيرة، وفي الأصل: من الإنجيل من الله تعالى.
[65022]:- زيد من السيرة.
[65023]:- من السيرة، وفي الأصل وم: عهد عيسى بن مريم، والعبارة ساقطة من ظ.
[65024]:- زيد من السيرة.
[65025]:- من ظ وم والسيرة، وفي الأصل: لطرق.
[65026]:- من ظ وم والسيرة، وفي الأصل: لطرق.
[65027]:- من ظ وم والسيرة، وفي الأصل: فلولا.
[65028]:- من ظ وم والسيرة، وفي الأصل: الدين.
[65029]:- من ظ وم والسيرة، وفي الأصل: القسط.
[65030]:- زيد من السيرة.
[65031]:- زيد من ظ وم والسيرة.
[65032]:- زيد في الأصل: وغيرهم، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[65033]:- من ظ وم، وفي الأصل: أو.
[65034]:- زيد من ظ وم.
[65035]:- زيد من ظ وم.
[65036]:- من ظ وم، وفي الأصل عنده.
[65037]:- راجع نثر المرجان 7/ 236.
[65038]:-زيد من ظ وم.
[65039]:- من ظ وم، وفي الأصل: لأنه.
[65040]:- من ظ وم، وفي الأصل: لأنه.
[65041]:- زيد من ظ.
[65042]:سقط الواو من م.
 
تفسير الجلالين للمحلي والسيوطي - تفسير الجلالين [إخفاء]  
{وَإِذۡ قَالَ عِيسَى ٱبۡنُ مَرۡيَمَ يَٰبَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيۡكُم مُّصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيَّ مِنَ ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَمُبَشِّرَۢا بِرَسُولٖ يَأۡتِي مِنۢ بَعۡدِي ٱسۡمُهُۥٓ أَحۡمَدُۖ فَلَمَّا جَآءَهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ قَالُواْ هَٰذَا سِحۡرٞ مُّبِينٞ} (6)

{ وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين }

{ و } اذكر { إذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل }لم يقل : يا قوم لأنه لم يكن له فيهم قرابة ، { إني رسول الله إليكم مصدقاً لما بين يديَّ } قبلي ، { من التوراة ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد } قال تعالى :{ فلما جاءهم } جاء أحمد الكفار { بالبينات } الآيات والعلامات ، { قالوا هذا } أي المجيء به { سحر } وفي قراءة ساحر ، أي الجائي به { مبين } بيِّن .