فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{وَإِذۡ قَالَ عِيسَى ٱبۡنُ مَرۡيَمَ يَٰبَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيۡكُم مُّصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيَّ مِنَ ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَمُبَشِّرَۢا بِرَسُولٖ يَأۡتِي مِنۢ بَعۡدِي ٱسۡمُهُۥٓ أَحۡمَدُۖ فَلَمَّا جَآءَهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ قَالُواْ هَٰذَا سِحۡرٞ مُّبِينٞ} (6)

{ بالبينات } الآيات والدلائل والحجج الواضحات الموضحات .

5

{ وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل } نادى عيسى عليه السلام في هؤلاء القوم : يا أبناء يعقوب واسمه { إسرائيل } { إني رسول الله إليكم } بعثني ربي لأبلغك وحيه وأذكركم عهده ، { مصدقا لما بين يدي من التوراة } أنزل علي كتابا يصدق الحق الذي بقى من الكتاب السماوي الذي أوحى إلى كليم الله ورسوله من قبلي ، { ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد } ويمكن أن يكون العطف في هذه الجملة من عطف الخاص على العام ، إذ التوراة قد جاءت فيها البشرى برسالة محمد النبي الخاتم عليه الصلاة والسلام بل جاء فيها مثله ومثل أمته- صلوات الله تعالى عليه- ولهذا لما وعد القرآن المؤمنين من اليهود والنصارى الرحمة الواسعة بين لمن كتبت : { . . ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون . الذين يتبعون الرسول الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل . }{[6704]} وبينت آية كريمة حال النبي الخاتم وأمته كما بينتهما الكتب السماوية السابقة : { محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار . . . }{[6705]} ؛ فلما أتاهم رسول الله عيسى عليه السلام بالبينات ، والدلائل الواضحات على صدق رسالته ، كإبراء الأكمه والأبرص بإذن الله وإحياء الموتى بإذن الله ، وتسوية قطع من الطين ينفخ فيها فتكون طيرا بإذن الله ، إذا هم يكفرون ، ويتهمونه بالتمويه والخداع ، أو بالجنون ؛ وأما تسميته النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم { أحمد } فثابتة ؛ صح من رواية مالك ، والبخاري ، ومسلم ، وغيرهم عن جبير بن مطعم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن لي أسماء أنا محمد وأنا أحمد وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر وأنا العاقب )-العاقب : الذي ليس بعده نبي- وفي صحيح مسلم عن أبي موسى الأشعري قال : كان رسول الله يسمي لنا نفسه أسماء فيقول : ( أنا محمد وأحمد والمقفى والحاشر ونبي التوبة ونبي الرحمة ) ؛ مما أورد القرطبي : و{ أحمد } اسم نبينا صلى الله عليه وسلم . . . أي أحمد الحامدين لربه ؛ والأنبياء صلوات الله عليهم كلهم حامدون الله ، ونبينا أحمد أكثرهم حمدا . . . والله سبحانه سماه قبل أن يسمي به نفسه . . . ثم إنه لم يكن محمد حتى كان أحمد ، حمد ربه فنبأه وشرفه . . اه .


[6704]:- سورة الأعراف من الآية 156
[6705]:سورة الفتح. من الآية 29