المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{وَإِذۡ قَالَ عِيسَى ٱبۡنُ مَرۡيَمَ يَٰبَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيۡكُم مُّصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيَّ مِنَ ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَمُبَشِّرَۢا بِرَسُولٖ يَأۡتِي مِنۢ بَعۡدِي ٱسۡمُهُۥٓ أَحۡمَدُۖ فَلَمَّا جَآءَهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ قَالُواْ هَٰذَا سِحۡرٞ مُّبِينٞ} (6)

المعنى : «واذكر يا محمد إذ قال عيسى » ، وهذا مثل آخر ضربه الله تعالى لكفار قريش ، وحكي عن موسى أنه قال : { يا قوم } [ الصف : 5 ] وعن عيسى أنه قال : { يا بني إسرائيل } من حيث لم يكن له فيهم أب ، و { مصدقاً } ، حال مؤكدة ، { ومبشراً } عطف عليه ، وقوله تعالى : { يأتي من بعدي } ، وقوله : { اسمه أحمد } جملتان كل واحدة منهما في موضع خفض على الصفة لرسول ، و { أحمد } فعل سمي به ، ويحتمل أن يكون أفعل كأسود ، وهو في هذه الآية الكلمة لا الشخص ، وليست على حد قولك جاءنا أحمد لأنك ها هنا أوقعت الاسم على مسماه ، وفي الآية إنما أراد : اسمه هذه الكلمة ، وذكر أبو علي هذا الغرض ومنه ينفك إعراب قوله تعالى { يقال له إبراهيم }{[11076]} [ الأنبياء : 60 ] ، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر : «بعديَ » بفتح الياء ، وقوله تعالى : { فلما جاءهم بالبينات } ، الآية يحتمل أن يريد { عيسى } ، وتكون الآية وما بعدها تمثيلاً بأولئك لهؤلاء المعاصرين لمحمد صلى الله عليه وسلم ، ويحتمل أن يكون التمثيل قد فرغ عند قوله : { اسمه أحمد } ، ثم خرج إلى ذكر { أحمد } لما تطرق ذكره ، فقال مخاطبة للمؤمنين ، { فلما جاء } أحمد هؤلاء الكفار { قالوا هذا سحر مبين } ، و «البينات » هي الآيات والعلامات ، وقرأ جمهور الناس : «هذا ساحر » إشارة إلى ما جاء به ، وقرأ ابن مسعود وطلحة والأعمش وابن وثاب : «هذا سحر » إشارة إليه بنفسه ، وقوله تعالى : { ومن أظلم } تعجيب وتقرير أي لا أحد أظلم منه ، و «افتراء الكذب » هو قولهم : { هذا سحر } ، وما جرى مجرى هذا من الأقوال التي هي اختلاق وبغير دليل .


[11076]:من الآية (60) من سورة (الأنبياء).