في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَٱنۡحَرۡ} (2)

( فصل لربك وانحر ) .

بعد توكيد هذا العطاء الكثير الفائض الكثرة ، على غير ما أرجف المرجفون وقال الكائدون ، وجه الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] إلى شكر النعمة بحقها الأول . حق الإخلاص والتجرد لله في العبادة وفي الاتجاه . . في الصلاة وفي ذبح النسك خالصا لله : ( فصل لربك وانحر ) . . غير ملق بالا إلى شرك المشركين ، وغير مشارك لهم في عبادتهم أو في ذكر غير اسم الله على ذبائحهم .

وفي تكرار الإشارة إلى ذكر اسم الله وحده على الذبائح ، وتحريم ما أهل به لغير الله ، وما لم يذكر اسم الله عليه . . ما يشي بعناية هذا الدين بتخليص الحياة كلها من عقابيل الشرك وآثاره . لا تخليص التصور والضمير وحدهما . فهو دين الوحدة بكل معنى من معانيها ، وكل ظل من ظلالها ؛ كما أنه دين التوحيد الخالص المجرد الواضح . ومن ثم فهو يتتبع الشرك في كل مظاهره ، وفي كل مكامنه ؛ ويطارده مطاردة عنيفة دقيقة سواء استكن في الضمير ، أم ظهر في العبادة ، أم تسرب إلى تقاليد الحياة فالحياة وحدة ما ظهر منها وما بطن ، والإسلام يأخذها كلا لا يتجزأ ، ويخلصها من شوائب الشرك جميعا ، ويتجه بها إلى الله خالصة واضحة ناصعة ، كما نرى في مسألة الذبائح وفي غيرها من شعائر العبادة أو تقاليد الحياة . .

 
صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَٱنۡحَرۡ} (2)

{ فصل لربك وانحر } أي وإذ أعطاك الله ما لم يعط أحدا من العالمين ، فدم على جعل صلاتك كلها لربك خالصا لوجهه دون ما سواه من الأنداد والآلهة ، ونحرك البدن التي هي خيار الأموال له تعالى دون الأوثان ؛ شكرا له تعالى على ما أعطاك من الكرامة ، وخصك به من الخير الكثير ؛ خلافا لما يفعله من كفر بالله من عبادة غيره والنحر للأوثان . والمراد : النحر للنسك في يوم الأضحى . وعن ابن عباس تفسير " وانحر " باستقبل القبلة في الصلاة بنحرك . وروي تفسيرها بارفع يديك إذا كبرت في الصلاة إلى نحرك .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَٱنۡحَرۡ} (2)

أقدِم على الصّلاةِ لربّك شُكراً له على ما أعطاك ، وانحَرِ الإبلَ ليأكلَ منها الفقيرُ والمسكين .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَٱنۡحَرۡ} (2)

{ فصل لربك } صلاة العيد يعني يوم النحر { وانحر } نسكك ، وقيل : { فصل } فضع يدك على نحرك في صلاتك .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَٱنۡحَرۡ} (2)

فيه خمس مسائل :

الأولى : قوله تعالى : { فصل } أي أقم الصلاة المفروضة عليك ، كذا رواه الضحاك عن ابن عباس . وقال قتادة وعطاء وعكرمة : { فصل لربك } صلاة العيد ويوم النحر . { وانحر } نسكك . وقال أنس : كان النبي صلى الله عليه وسلم ينحر ثم يصلي ، فأمر أن يصلي ثم ينحر . وقال سعيد بن جبير أيضا : صل لربك صلاة الصبح المفروضة بجمع{[16491]} ، وانحر البدن بمني ، وقال سعيد بن جبير أيضا : نزلت في الحديبية حين حصر النبي صلى الله عليه وسلم عن البيت ، فأمره الله تعالى أن يصلي وينحر البدن وينصرف ، ففعل ذلك . قال ابن العربي : أما من قال : إن المراد بقوله تعالى : { فصل } : الصلوات الخمس ، فإنها ركن العبادات ، وقاعدة الإسلام ، وأعظم دعائم الدين . وأما من قال : إنها صلاة الصبح بالمزدلفة ؛ فلأنها مقرونة بالنحر ، وهو في ذلك اليوم ، ولا صلاة فيه قبل النحر غيرها ، فخصها بالذكر من جملة الصلوات لاقترانها بالنحر " .

قلت : وأما من قال إنها صلاه العيد ، فذلك بغير مكة ؛ إذ ليس بمكة صلاة عيد بإجماع ، فيما حكاه ابن عمر . قال ابن العربي : فأما مالك فقال : ما سمعت فيه شيئا ، والذي يقع في نفسي أن المراد بذلك صلاة يوم النحر ، والنحر بعدها . وقال علي رضي الله عنه ومحمد بن كعب : المعنى ضع اليمني على اليسرى حذاء النحر في الصلاة . وروي عن ابن عباس أيضا . وروي عن علي أيضا : أن يرفع يديه في التكبير إلى نحره . وكذا قال جعفر بن علي : " فصل لربك وانحر " قال : يرفع يديه أول ما يكبر للإحرام إلى النحر . وعن علي رضي الله عنه قال : لما نزلت { فصل لربك وانحر } قال النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل : " ما هذه النحيرة التي أمرني الله بها " ؟ قال : ( ليست بنحيرة ، ولكنه يأمرك إذا تحرمت للصلاة ، أن ترفع يديك إذا كبرت ، وإذا رفعت رأسك من الركوع ، وإذا سجدت ، فإنها صلاتنا وصلاة الملائكة الذين هم في السموات السبع ، وإن لكل شيء زينة ، وإن زينة الصلاة رفع اليدين عند كل تكبيره ) . وعن أبي صالح عن ابن عباس قال : استقبل القبلة بنحرك . وقاله الفراء والكلبي وأبو الأحوص . ومنه قول الشاعر :

أبا حكم ما أنت عَمُّ مُجَالِدٍ *** وسَيِّدُ أهلِ الأبْطَحِ المُتَنَاحِرِ{[16492]}

أي المتقابل . قال الفراء : سمعت بعض العرب يقول : منازلنا{[16493]} تتناحر ، أي تتقابل ، نحر هذا بنحر هذا ، أي قبالته . وقال ابن الأعرابي : هو انتصاب الرجل في الصلاة بإزاء المحراب ، من قولهم : منازلهم تتناحر ، أي تتقابل . وروي عن عطاء قال : أمره أن يستوي بين السجدتين جالسا حتى يبدو نحره . وقال سليمان التيمي : يعني وارفع يدك بالدعاء إلى نحرك . وقيل : { فصل } معناه : واعبد . وقال محمد بن كعب القرظي : { إنا أعطيناك الكوثر . فصل لربك وأنحر } يقول : إن ناسا يصلون لغير الله ، وينحرون لغير الله ، وقد أعطيناك الكوثر ، فلا تكن صلاتك ولا نحرك إلا لله . قاله ابن العربي : والذي عندي أنه أراد : اعبد ربك ، وانحر له ، فلا يكن عملك إلا لمن خصك بالكوثر ، وبالحري{[16494]} أن يكون جميع العمل يوازي هذه الخصوصية من الكوثر ، وهو الخير الكثير ، الذي أعطاكه الله ، أو النهر الذي طينه مسك ، وعدد آنيته نجوم السماء ، أما أن يوازي هذا صلاة يوم النحر ، وذبح كبش أو بقرة أو بدنة ، فذلك يبعد في التقدير والتدبير ، وموازنة الثواب للعبادة . والله أعلم .

الثانية : قد مضى القول في سورة " الصافات " {[16495]} في الأضحية وفضلها ، ووقت ذبحها ، فلا معنى لإعادة ذلك . وذكرنا أيضا في سورة " الحج " {[16496]} جملة من أحكامها . قال ابن العربي : ومن عجيب الأمر : أن الشافعي قال : إن من ضحى قبل الصلاة أجزأه ، والله تعالى يقول في كتابه : { فصل لربك وأنحر } ، فبدأ بالصلاة قبل النحر ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في البخاري وغيره ، عن البراء بن عازب ، قال : " أول ما نبدأ به في يومنا هذا : نصلي ، ثم نرجع فننحر ، من فعل فقد أصاب نسكنا ، ومن ذبح قبل ، فإنما هو لحم قدمه لأهله ، ليس من النسك في شيء " . وأصحابه ينكرونه ، وحبذا الموافقة .

الثالثة : وأما ما روي عن علي عليه السلام{ فصل لربك وانحر } قال : وضع اليمين على الشمال في الصلاة ، خرجه الدارقطني ، فقد اختلف علماؤنا في ذلك على ثلاثة أقوال : الأول : لا توضع فريضة ولا نافلة ؛ لأن ذلك من باب الاعتماد . ولا يجوز في الفرض ، ولا يستحب في النفل . الثاني : لا يفعلها في الفريضة ، ويفعلها في النافلة استعانة ؛ لأنه موضع ترخص . الثالث : يفعلها في الفريضة والنافلة . وهو الصحيح ؛ لأنه ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع يده اليمني على اليسرى من حديث وائل بن حجر وغيره . قال ابن المنذر : وبه قال مالك وأحمد وإسحاق ، وحكي ذلك عن الشافعي . واستحب ذلك أصحاب الرأي . ورأت جماعة إرسال اليد . وممن روينا ذلك عنه ابن المنذر{[16497]} والحسن البصري وإبراهيم النخعي .

قلت : وهو مروي أيضا عن مالك . قال ابن عبد البر : إرسال اليدين ، ووضع اليمني على الشمال ، كل ذلك من سنة الصلاة .

الرابعة : واختلفوا في الموضع الذي توضع عليه اليد ؛ فروى عن علي بن أبي طالب : أنه وضعهما على صدره . وقال سعيد بن جبير وأحمد بن حنبل : فوق السرة . وقال : لا بأس إن كانت تحت السرة . وقالت طائفة : توضع تحت السرة . وروي ذلك عن علي وأبي هريرة والنخعي وأبي مجلز . وبه قال سفيان الثوري وإسحاق .

الخامسة : وأما رفع اليدين في التكبير عند الافتتاح والركوع والرفع من الركوع والرفع من الركوع والسجود ، فاختلف في ذلك ، فروى الدارقطني من حديث حميد عن أنس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه إذا دخل في الصلاة ، وإذا ركع ، وإذا رفع رأسه من الركوع ، وإذا سجد . لم يروه عن حميد مرفوعا إلا عبد الوهاب الثقفي . والصواب : من فعل أنس . وفي الصحيحين من حديث ابن عمر ، قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة رفع يديه ، حتى تكونا حذو منكبيه ، ثم يكبر ، وكان يفعل ذلك حين يكبر للركوع ، ويفعل ذلك حين يرفع رأسه من الركوع ، ويقول : سمع الله لمن حمده . ولا يفعل ذلك حين يرفع رأسه من السجود . قال ابن المنذر : وهذا قول الليث بن سعد والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور . وحكى ابن وهب عن مالك هذا القول . وبه أقوال ؛ لأنه الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقالت طائفة : يرفع المصلي يديه حين يفتتح الصلاة ، ولا يرفع فيما سوى ذلك . هذا قول سفيان الثوري وأصحاب الرأي .

قلت : وهو المشهور من مذهب مالك ؛ لحديث ابن مسعود ، خرجه الدار قطني من حديث إسحاق بن أبي إسرائيل ، قال : حدثنا محمد بن جابر ، عن حماد ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله قال : صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ومع أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، فلم يرفعوا أيديهم إلا أولا عند التكبيرة الأولى في افتتاح الصلاة . قال إسحاق : به نأخذ في الصلاة كلها . قال الدارقطني : تفرد به محمد بن جابر- وكان ضعيفا- عن حماد عن إبراهيم . وغير حماد يرويه عن إبراهيم مرسلا عن عبد الله ، من فعله ، غير مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو الصواب . وقد روى يزيد بن أبي زياد ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن البراء أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم حين افتتح الصلاة رفع يديه حتى يحاذي بهما أذنيه ، ثم لم يعد إلى شيء من ذلك حتى فرغ من الصلاة . قال الدار قطني : وإنما{[16498]} لقن يزيد في آخر عمره : ثم لم يعد ، فتلقنه وكان قد اختلط . وفي مختصر ما ليس في المختصر عن مالك : لا يرفع اليدين في شيء من الصلاة . قال ابن القاسم : ولم أر مالكا يرفع يديه عند الإحرام ، قال : وأحب إلي ترك رفع اليدين عند الإحرام .


[16491]:جمع: المزدلفة.
[16492]:في اللسان: نحر: (هل) في موضع (ما).
[16493]:الذي في كتاب الفراء: "منازلنا تتناحر: نحر هذا ... أي قبالته". وفيه تحريف. والذي في اللسان: وقال الفراء: "سمعت بعض العرب يقول: منازلهم تتناحر: هذا بنحر هذا ؛ أي قبالته".
[16494]:في (اللسان: حرى): والحري: الخليق، كقولك: بالحري أن يكون ذلك . وإنه لحري بكذا، وحر، وحرى.
[16495]:راجع جـ 15 107 و ما بعدها.
[16496]:راجع جـ 12 ص 42 و ما بعدها.
[16497]:في بعض الأصول: "ابن الزبير".
[16498]:الزيادة من الدارقطني.
 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَٱنۡحَرۡ} (2)

{ فصل لربك وانحر } فيه خمسة أقوال :

الأول : أنه أمره بالصلاة على الإطلاق ، وبنحر الهدى والضحايا .

الثاني : أنه صلى الله عليه وسلم كان يضحي قبل صلاة العيد ، فأمره أن يصلي ثم ينحر فالمقصود على هذا تأخير نحر الأضاحي عن الصلاة .

الثالث : أن الكفار يصلون مكاء وتصدية وينحرون للأصنام ، فقال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم صل لربك وحده ، وانحر له ، أي : لوجهه لا لغيره ، فهو على هذا أمر بالتوحيد والإخلاص .

الرابع : أن معنى انحر ضع يدك اليمنى على اليسرى عند صدرك في الصلاة ، فهو على هذا من النحر ، وهو الصدر .

الخامس : أن معناه : ارفع يديك عند نحرك في افتتاح الصلاة .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَٱنۡحَرۡ} (2)

ولما أعطاه ما فرغه به للعبادة ، وأكسبه غنى لا حاجة معه ، سبب عنه قوله آمراً بما هو جامع لمجامع الشكر : { فصل } أي بقطع العلائق من الخلائق بالوقوف بين يدي الله في حضرة المراقبة شكراً لإحسان المنعم ، خلافاً للساهي عنها ، والمرائي فيها .

ولما أتى بمظهر العظمة لتكثير العطاء فتسبب عنه الأمر بما للملك من العلو ، وكان أمره صلى الله عليه وسلم تكوينياً لا إباء معه ، وقع الالتفات إلى صفة الإحسان المقتضي للترغيب والإقبال لما يفيد من التحبيب ، مع التصريح بالتوحيد ، وإفادة أن العبادة لا تقع إلا شكراً ، فقال تعالى : { لربك } أي المحسن إليك بذلك سراً وعلناً مراغماً من شئت ، فلا سبيل لأحد عليك { وانحر * } أي أنفق له الكوثر من المال على المحاويج خلافاً لم يدعهم ويمنعهم الماعون ؛ لأن النحر أفضل نفقات العرب ؛ لأن الجزور الواحد يغني مائة مسكين ، وإذا أطلق العرب المال انصرف إلى الإبل ، ولذا عبر عن هذا المراد بالنحر ليفهم الزجر عما كانوا يفعلونه من الذبح للأوثان ، ومن معناه أيضاً أظهر الذل والمسكنة والخشوع في الصلاة بوضع اليمنى على اليسرى تحت النحر هيئة الذليل الخاضع ، وقد قابل في هذا أربعاً من سورة الدين بأربع ، وهي البخل بالإعطاء ، وإضاعة الصلاة بالأمر بها ، والرياء بالتخصيص بالرب ، ومنع الزكاة بالنحر .