فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَٱنۡحَرۡ} (2)

{ فصل لربك } وكان الظاهر أن يقول لنا ، فانتقل إلى الاسم المظهر على طريق الالتفات ؛ لأنه يوجب عظمة ومهابة ، والفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها ، والمراد الأمر له صلى الله عليه وآله وسلم بالدوام على إقامة الصلوات المفروضة . قال ابن عباس : الصلاة المكتوبة ، وقيل : صلاة عيد النحر ، وهذا يناسب كونها مدنية ، والأول يناسب كونها مكية .

{ وانحر } البدن التي هي خيار أموال العرب ، قال محمد بن كعب : إن ناسا كانوا يصلون لغير الله ، وينحرون لغير الله ، فأمر الله نبيه صلى الله عليه وآله وسلم أن يكون صلاته ونحره له . وقال قتادة وعطاء وعكرمة : المراد صلاة العيد ونحر الأضحية ، وقال سعيد بن جبير : صل لربك صلاة الصبح المفروضة بجمع ، وانحر البدن في منى .

وقيل : النحر وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة حذاء النحر ، قاله محمد بن كعب ، وقيل : هو أن يرفع يديه في الصلاة عند التكبيرة إلى حذاء نحره ، وقيل : هو أن يستقبل القبلة بنحره ، قاله الفراء والكلبي وأبو الأحوص . قال الفراء : سمعت بعض العرب يقول : نتناحر أي نتقابل نحر ، هذا إلى نحر هذا أي قبالته .

وقال ابن الأعرابي : هو انتصاب الرجل في الصلاة بإزاء المحراب ، من قولهم : منازلهم تتناحر أي تتقابل ، وروي عن عطاء أنه قال : أمره أن يستوي بين السجدتين جالسا حتى يبدو نحره ، وقال سليمان التيمي : المعنى وارفع يديك بالدعاء إلى نحرك .

وظاهر الآية الأمر له صلى الله عليه وآله وسلم بمطلق الصلاة ومطلق النحر ، وأن يجعلهما لله عز وجل لا لغيره ، وما ورد في السنة من بيان هذا المطلق بنوع خاص فهو في حكم المقيد له .

عن علي بن أبي طالب قال : لما نزلت هذه السورة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لجبريل : " ما هذه النحيرة التي أمرني بها ربي ، فقال : إنها ليست بنحيرة ، ولكن يأمرك إذا تحرمت للصلاة أن ترفع يديك إذا كبرت ، وإذا ركعت ، وإذا رفعت رأسك من الركوع ، فإنها صلاتنا وصلاة الملائكة الذين هم في السموات السبع ، وإن لكل شيء زينة ، وزينة الصلاة رفع اليدين عند كل تكبيرة . قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : " رفع اليدين من الاستكانة التي قال الله { فما استكانوا لربهم وما يتضرعون } " أخرجه ابن أبي حاتم والحاكم وابن مردويه والبيهقي في سننه ، وهو من طريق مقاتل بن حيان عن الأصبغ بن نباتة عن علي .

وعن ابن عباس في الآية قال : إن الله أوحى إلى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم أن ارفع يديك حذاء نحرك إذا كبرت للصلاة ، فذاك النحر . وعن علي في الآية قال : " وضع يده اليمنى على وسط ساعده اليسرى ، ثم وضعها على صدره في الصلاة " . وعن أنس : " عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مثله " ، أخرجه أبو الشيخ والبيهقي في سننه .

وعن ابن عباس أيضا : إذا صليت فرفعت رأسك من الركوع فاستو قائما ، وعنه قال : هو الذبح يوم الأضحى ، يقول : اذبح يوم النحر .