تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَٱنۡحَرۡ} (2)

الآية2 : وقوله تعالى : { فصل لربك وانحر } اختلف فيه :

قال بعضهم : حقيقة الصلاة ، هي الخضوع والخشوع والدعاء ، أمره بجميع ما يعبده في نفسه ، وأمره أن يأتي بما تعبده من القرابين والذبائح والضحايا التي فيها نفار الطباع ، حتى إن من الكفرة من يحرم الذبائح والنحر للآلام التي فيها ، والطباع تنفر عن ذلك ، فتعبده بالذي فيه مناقضة طبعه ونفاره عنه .

وجائز أن يكون لا على الأمر{[24094]}بالصلاة والنحر ، ولكن معناه : إذا فعلت ذلك فافعل لله ؛ لأن أولئك الكفرة كانوا يصلون للأصنام ، ويذبحون لها كقوله تعالى : { وما ذبح على النصب } ( المائدة : 3 ) أي للنصب ، فأمره أن يجعل ذلك لله تعالى .

وقال الحسن : صل لربك صلاة العيد ، وانحر البدن بعدها ، وقال مجاهد وعطاء : صل الصبح بجمع ، وانحر بمنى .

وقال بعضهم : صل لربك حقيقة الصلاة ، وهي الصلاة المعروفة المفروضة ( وهي مخ العبادة ) ( بنحوه : الترمذي( 3371 ) على ما ذكر في الخبر ، وكذلك ما ذكر : " إن المصلي مناج الرب تعالى " ( أحمد 2/ 67 ) .

وهو ، والله أعلم ؛ لأنه ما من عبادة إلا وفيها شيء من اللذة وقضاء الشهوة للنفس وأمانيها ، من السير والركوب والأكل والشرب والكلام والانتقال من موضع ( إلى موضع ){[24095]} ، وغير ذلك من الطاعات مما فيه شيء من اللذة للنفس وقضاء شهوتها ، وإن قل من الحج / 655 أ/ والزكاة والجهاد وغير ذلك ، إلا الصلاة نفسها ، فإن فيها قطع النفس عن جميع شهواتها وأمانيها ، وعن جميع ما يتلذذ به من أنواع اللذات . وعلى ذلك ما سمى موسى عليه السلام كليم الله ونجيه ؛ لأنه فارق قومه وجميع ما للنفس فيه لذة وراحة ، وأتى جبلا ، ليس فيه أحد ، وكلمه ربه في ذلك ، فسمي نجي الله . وعلى ذلك سمي المصلي مناجيا ربه ، وخص بذلك الاسم لما ذكرنا .

وقوله تعالى : { وانحر } هو ما ذكرنا من نحر البدن الذي يعبده للكل لما فيه من نفار النفس بالتألم الذي يحصل لغيره بفعل غيره . فالتألم به يفعل بنفسه أكثر من التألم بفعل غيره ، وهو مجاهدة النفس ، ويغير ما امتحنه عليه السلام بتحمل المشقة لوجهه تعالى مرة بالتبليغ إلى الكفرة مع الخطر على نفسه ، ومرة بمجاهدة نفسه بالقيام بالليل ، ومرة بإتيان خلاف الطبع ، وهو ذبح البدن ، إذ الطبائع تنفر عن إراقة الدماء ، مع أنه من أشفق الناس وأرحمهم على خلقه .

فبلغ من حسن إجابته له وطاعته له أن ساق مائة بدنة ، فنحر ستين منها بيده ، وولى عليا رضي الله عنه نحر أربعين على ما ذكر في الخبر : ( أحمد 1/ 314 و 315 ) .

وروى أبو الجوزاء عن ابن عباس رضي الله عنه ( أنه ){[24096]} قال : { فصل لربك وانحر } وضع اليمين على الشمال في الصلاة ، وكذا روي عن علي رضي الله عنه ، وعن عاصم الجحدري ( أنه ){[24097]} قال : هو وضع اليمين على الشمال في الصلاة .

ومن قول الثنوية : إنهم لا يرون ذبح شيء من الأشياء لما فيه من الألم والأذى . وقولهم هذا ، ليس بصحيح ؛ لأنا نعلم أن إماتة الروح بالذبح أهون على المذبوح من موته حتف أنفه ، فإذا جاز في الحكمة أن يزهق روحه بغير الذبح ( فلأن يجوز بالذبح ){[24098]}أحق .

وأصله ما ذكرنا أن هذه السورة نزلت في مخاطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو المقصود به من بين الناس ، وهو أعلم{[24099]} بالذي خاطبه به من الصلاة والنحر والكوثر وغير ذلك ، نتكلف نحن تفسيره مخافة الكذب على الله ، سوى أن نذكر أقاويل أهل التأويل .


[24094]:أدرج قبلها في الأصل وم: رأي
[24095]:من م، ساقطة من الأصل
[24096]:ساقطة من الأصل وم
[24097]:ساقطة من الأصل وم
[24098]:من م، ساقطة من الأصل.
[24099]:في الأصل وم: يعلم