الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَٱنۡحَرۡ} (2)

{ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ } قال محمد بن كعب : يقول : إن ناساً يصلّون لغير الله وينحرون لغير الله ، فإنَّا أعطيناك الكوثر فلا تكن صلاتك ونحرك إلاّ لي ، وقال عكرمة وعطاء وقتادة : فصلِّ لربك صلاة العيد يوم النحر ، قال سعيد بن جبير ومجاهد : فصل لربّك صلاة الغداة المفروضة بجَمْع ، وأنحر البدن بمنى .

وقال بعضهم : نزلت هذه الآية يوم الحديبية حين حضر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وصدّوا عن البيت ، فأمره الله سبحانه أن يصلي وينحر البدن وينصرف ، وفعل ذلك ، وهو رواية أبي معاوية البجلي عن سعيد بن جبير .

وأخبرنا عبد الله بن حامد قال : أخبرنا محمد بن الحسين قال : حدّثنا أحمد بن يوسف قال : حدّثنا حجاج قال : حدّثنا حماد ، عن عاصم الحجدري ، عن أبيه ، عن عقبة بن طبيان ، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال في هذه الآية { فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ } : قال : وضع اليد اليمنى على ساعده اليسرى ، ثم وضعها على صدره .

وأخبرنا ابن فنجويه قال : حدّثنا علي بن إبراهيم بن أحمد العطار قال : حدّثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز قال : حدّثنا هاشم بن الحرث المروزي قال : حدّثنا محمد بن ربيعة قال : حدّثنا يزيد بن ذياب بن أبي السعد ، عن عاصم الجحدري ، عن عقبة بن ظهير ، عن علي بن أبي طالب في قوله { فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ } قال : وضع اليمين على الشمال في الصلاة .

وأخبرنا عبد الخالق قال : حدّثنا ابن جنب قال : حدّثنا يحيى بن أبي طالب قال : أخبرنا يزيد بن هارون قال : حدّثنا روح بن المسيّب قال : أخبرني عمرو بن مالك البكري ، عن أبي الجوزاء ، عن ابن عباس في قوله الله سبحانه { فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ } قال : وضع اليمين على الشمال في الصلاة عند النحر .

يدلّ عليه ما أخبرنا عبد الله بن حامد قال : أخبرنا محمد بن جعفر قال : حدّثنا علي بن حرب قال : حدثنا المعافى بن داود قال : حدثنا إسرائيل ، عن سماك بن حرب ، عن قبيصة بن هلب ، عن أبيه قال : " كان النبي صلى الله عليه وسلم يضرب بأحدى يديه على الأخرى في الصلاة " .

وأخبرنا عبد الله بن حامد قال : أخبرنا مكي قال : حدّثنا عبد الله بن هاشم قال : حدّثنا عبد الرحمن قال : أخبرنا سفيان ، عن سماك ، عن قبيصة بن هلب ، عن أبيه قال : " رأيت النبي صلى الله عليه وسلم واضعاً يمينه على شماله في الصلاة " . هلب لقب ، واسمه يزيد بن قتادة .

وأخبرنا عبد الله بن حامد قال : أخبرنا مكي قال : حدّثنا ابراهيم بن الحرث قال : حدّثنا يحيى بن أبي بكر قال : حدّثنا زهير بن معاوية قال : حدّثنا أبو إسحاق ، عن عبد الجبار بن وائل ، عن وائل بن حجر قال : " رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يضع يده اليمنى على اليسرى في الصلاة قريباً من الرفع ، ويرفع يديه حتى يبلغا أذنيه " .

وأخبرنا عبد الله قال : أخبرنا محمد بن الحسين قال : حدّثنا أحمد بن يوسف قال : حدّثنا حجاج قال : حدّثنا هشيم ، عن الحجاج بن أبي زينب السلمي قال : حدّثنا أبو عثمان النهدي ، عن ابن مسعود " أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا وهو يصلي واضعاً يده اليسرى على اليمنى ، فنزع اليسرى عن اليمنى ، ووضع اليمنى على اليسرى " .

وأخبرنا أبو محمد المخلدي قال : أخبرنا أبو الفضل يعقوب بن يوسف بن عاصم البخاري الفقيه قال : حدّثنا الحسين بن الفضل النصراني قال : حدّثنا وهب بن إبراهيم الرازي قال : حدّثنا أبو عبد الله إسرائيل بن حاتم المروزي- وكان ثقة مأموناً -قال : أخبرنا مقاتل بن حيان ، عن أصبغ بن نباتة ، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : " لما نزلت هذه السورة { إِنَّآ أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ } قال النبي صلى الله عليه وسلم لجبرائيل : " ما هذه النحيرة التي أمرني بها ربي ؟ " قال : ليست بنحيرة ، ولكنه يأمرك اذا تحرمت للصلاة أن ترفع يدك إذا كبرت ، وإذا ركعت ، وإذا رفعت رأسك من الركوع ، وإذا سجدت ، فإنه صلاتنا وصلاة الملائكة الذين في السماوات السبع ، وإن لكل شيء زينة ، وإن زينة الصلاة رفع الأيدي عند التكبيرة " .

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " رفع الأيدي في الصلاة من الاستكانة " . قلت : فما الاستكانة ؟ قال : " ألا تقرأ هذه الآية : { فَمَا اسْتَكَانُواْ لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ } [ المؤمنون : 76 ] " قال : هو الخضوع " .

يدل عليه ما أخبرنا عبد الله بن حامد قال : أخبرنا أحمد بن محمد بن يحيى بن بلال قال : حدّثنا أبو زرعة الرازي قال : حدّثنا عبد الجبار بن سعيد بن سليمان بن نوفل بن مساحق العامري قال : حدّثنا ابن أبي الزياد ، عن موسى بن عقبة ، عن عبد الله بن الفضل ، عن عبد الرحمن الأعرج ، عن عبيد الله بن أبي رافع ، عن علي بن أبي طالب ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّه كان إذا قام الى الصلاة المكتوبة كبّر ورفع يديه حذو منكبيه ، ويصنع مثل ذلك إذا قضى قراءته وأراد أن يركع ، ويضعه إذا رفع من الركوع ، ولا يرفع يديه في شيء من صلاته وهو قاعد .

وأخبرنا الشيخ الصالح أبو الحسن أحمد بن أبراهيم بن علوية بن سلوس العبدوي في رجب سنة أربع وثمانين وثلاثمائة قال : أخبرنا أبو العباس أحمد بن محمد بن الأزهر الأزهري وعبد الله بن يحيى بن أحمد بن مهران المذكر قالا : سمعنا أبا إسماعيل الترمذي ، وحدّثنا أبو محمّد المخلدي إملاء قال : أخبرنا أبو محمّد عبد الله بن يحيى بن أحمد المذكر قال : حدّثنا أبو اسماعيل محمد بن إسماعيل السلمي قال : صليّت خلف أبي عارم -أي النعمان- فرأيته يرفع يديه حين افتتح الصلاة ، وحين ركع ، وحين رفع رأسه من الركوع ، فقلت ما هذا ؟ فقال : صليت خلف حماد بن زيد فرأيته يرفع يديه حين افتتح الصلاة ، وحين ركع ، وحين رفع رأسه من الركوع ، فقلت له : ما هذا ؟ فقال : صليت خلف أيوب السجستاني فرأيته يرفع يديه حين افتتح الصلاة ، وحين ركع ، وحين رفع رأسه من الركوع ، فقلت له : ماهذا ؟ قال : صلّيت إلى جنب عطاء بن أبي رياح فرأيته يرفع يديه حين افتتح الصلاة ، وحين ركع ، وحين رفع رأسه من الركوع ، فقلت له : ما هذا ؟ قال : صليت خلف أبي بكر الصديق فرأيته يرفع يديه حين افتتح الصلاة ، وحين ركع ، وحين رفع رأسه من الركوع ، فقلت له : ما هذا ؟ قال : صلّيت خلف النبي صلى الله عليه وسلم فرأيته يرفع يديه حين افتتح الصلاة ، وحين ركع ، وحين رفع رأسه من الركوع .

وأنبأني عقيل قال : أخبرنا المعافى قال : أخبرنا ابن جرير قال : حدّثنا أبو كريب قال : حدّثنا وكيع ، عن أسرائيل ، عن جابر ، عن أبي جعفر { فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ } قال : يرفع يديه أول ما يكبّر في الافتتاح الى النحر .

وأخبرنا محمد بن عبدوس قال : حدّثنا محمد بن يعقوب قال : أخبرنا محمد بن الجهم قال : حدّثنا الفراء قال : يقال : { فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ } أي استقبل القبلة بنحرك ، سمعت بعض العرب يقول : منازلنا تتناحر ، أي هذا ينحر هذا ، أي قبالته ، وأنشدني بعض أسد :

أبا حكم هل أنت عم مجالد *** وسيّد أهل الأبطح المتناحر

أي ينحر بعضه بعضاً ، وإليه ذهب الضحاك والكلبي ، وقال واصل بن السائب : سألت عطاء عن قوله سبحانه { وَانْحَرْ } قال : أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستوي بين السجدتين جالساً حتى يبدو نحره . سليمان التيمي : يعني وارفع يديك بالدعاء إلى نحرك . ذو النون : أي اذبح هواك في قلبك .