اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَٱنۡحَرۡ} (2)

قوله : { فَصَلِّ لِرَبِّكَ وانحر } .

قال ابن عبًّاس - رضي الله عنهما - : أقم الصلاة المفروضة عليك{[60958]} .

وقال قتادة ، وعطاء ، وعكرمة : فصل لربك صلاة العيد يوم النحر{[60959]} ، «وانْحَرْ » نسُككَ .

وقال أنس : كان النبي صلى الله عليه وسلم ينحر ، ثم يصلي ، فأمر أن يصلي ثم ينحر{[60960]} .

قال سعيد بن جبير : نزلت في «الحديبية » حين حصر النبي صلى الله عليه وسلم عن البيت ، فأمره الله تعالى ، أن يصلي ، وينحر البدن ، وينصرف ، ففعل ذلك{[60961]} .

قال ابن العربي : «أما من قال : إن المراد بقوله تعالى : { فَصَلِّ } الصلوات الخمس ، فلأنها رُكْن العبادات ، وقاعدة الإسلام ، وأعظم دعائم الدين .

وأما من قال : إنها صلاة الصبح بالمزدلفة ، فلأنها مقرونة بالنحر ، وهو في ذلك اليوم ، ولا صلاة فيه قبل النحر غيرها ، فخصها بالذكر من جملة الصلوات لاقترانها بالنحر » .

قال القرطبي : وأما من قال : إنها صلاة العيد ، فذلك بغير «مكة » ، إذ ليس ب «مكة » صلاة عيد بإجماع ، فيما حكاه أبو بكر رضي الله عنه .

فصل

الفاء في قوله : «فصلِّ » للتعقيب والتسبب ، أي : تسبب هذه المنة العظيمة وعقبها أمرك بالتخلي لعبادة المنعم عليك ، وقصدك إليه بالنحر لا كما تفعل قريش من صلاتها ، ونحرها لأضيافها ، وأما قوله تعالى : { وانحر } ، قال علي - رضي الله عنه - ومحمد بن كعب القرظي : المعنى ضع اليمنى على اليسرى حذاء النحر في الصلاة .

وعن علي - رضي الله عنه - : أن يرفع يديه في التكبير إلى نحره ، وهو مروي عن النبي صلى الله عليه وسلم .

وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : استقبل القبلة مكة بنحرك{[60962]} ، وهو قول الفراء ، والكلبي وأبي الأحوص .

قال الفراء : سمعت بعض العرب يقول : منازلنا تتناحر ، أي تتقابل ، نحر هذا بنحر هذا .

وقال ابن الأعرابي : هو انتصاب الرجل في الصلاة بإزاء المحراب ، من قولهم : منازلهم تتناحر ، أي : تتقابل .

[ وعن عطاء : أنه أمره أن يستوي بين السجدتين جالساً حتى يبدو نحره .

وقال محمد بن كعب القرظي : يقول : إن ناساً يصلون لغير الله ، وينحرون لغير الله - تعالى - فقد أعطيناك الكوثر ، فلا تكن صلاتك ولا نحرك إلا لله تعالى .

والنَّحر في الإبل بمنزلة الذَّبح في البقر والغنم{[60963]} ]{[60964]} .

/خ3


[60958]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/722)، عن مجاهد والضحاك وابن عباس وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/689)، عن ابن عباس وزاد نسبته إلى ابن المنذر.
[60959]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/722)، عن عطاء وعكرمة وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/690)، عن عطاء وعزاه إلى ابن أبي حاتم. وينظر تفسير الماوردي (6/355)، والقرطبي (20/149).
[60960]:ذكره القرطبي في "تفسيره" (20/148).
[60961]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/723)، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/689)، وزاد نسبته إلى ابن مردويه.
[60962]:ذكره القرطبي في "تفسيره" (20/149).
[60963]:ينظر المصدر السابق.
[60964]:سقط من: ب.