فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَٱنۡحَرۡ} (2)

{ وانحر } واذبح ذبيحتك التي تتقرب بها إلى ربك .

{ الكوثر } الخير الكثير{[13837]} .

بسم الله الرحمان الرحيم

{ إنا أعطيناك الكوثر ( 1 ) فصل لربك وانحر ( 2 ) إن شانئك هو الأبتر ( 3 ) }

في صحيح مسلم عن أنس قال : بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أغفى إغفاءة ، ثم رفع رأسه متبسما ؛ فقلنا : ما أضحك يا رسول الله ؟ قال : " نزلت علي آنفا سورة ، فقرأ : { بسم الله الرحمان الرحيم : إنا أعطيناك الكوثر( 1 ) فصل لربك وانحر( 2 ) إن شانئك هو الأبتر( 3 ) } ثم قال : " أتدرون ما الكوثر " ؟ قلنا : الله ورسوله أعلم ؛ قال : " فإنه نهر وعدنيه ربي عز وجل ، عليه خير كثير . هو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة ، آنيته عدد النجوم ، فيختلج العبد منهم فأقول : إنه من أمتي ، فيقال : إنك لا تدري ما أحدث بعدك " { فصل لربك وانحر } فأقم الصلاة ، وانحر{[13838]} نسكك ؛ قال ابن العربي : أما من قال : إن المراد بقوله تعالى : { فصل } الصلوات الخمس ؛ فلأنها ركن العبادات ، وقاعدة الإسلام ، وأعظم دعائم الدين ؛ وأما من قال : إنها صلاة الصبح بالمزدلفة ؛ فلأنها مقرونة بالنحر وهو في ذلك اليوم ، ولا صلاة فيه قبل النحر غيرها ، فخصها بالذكر . . . لاقترانها بالنحر . اه .

{ إن شانئك هو الأبتر } إن مبغض نبينا هو الذي انقطع خيره وطمس ذكره ، أما خاتم رسلنا فهو الذي آتيناه أبرك الخير ، وأرفع الذكر في الدنيا والآخرة [ و لا يشكل ذلك بمن كان يبغضه عليه الصلاة والسلام قبل الإيمان من أكابر الصحابة رضي الله تعالى عنهم ثم هداه الله تعالى للإيمان . . فكان صلى الله تعالى عليه وسلم أحب إليه من نفسه ، وأعز عليه من روحه ، ولم يكن أبتر ، لما أن الحكم على المشتق يفيد علية مأخذه ، فيفيد الكلام أن الأبترية معللة بالبغض فتدور معه ؛ وقد زال في أولئك الأكابر رضي الله تعالى عنهم . . . وفي التعبير بالأبتر دون المبتور –على ما قال شيخ الإسلام ابن تيمية- ما لا يخفى من المبالغة ؛ وعمم الشيخ – عليه الرحمة- كلا من جزأي الجملة فقال : إنه سبحانه يبتر شانئ رسول الله صلى الله عليه وسلم من كل خير ، فيبتر أهله وماله ، فيخسر ذلك في الآخرة ، ويبتر حياته فلا ينتفع بها ، ولا يتزود فيها صالحا لمعاده . . . ]{[13839]} ؛ وأورد صاحب جامع البيان أقوالا تتحدث عن سبب نزولها وفيمن نزلت ، ومن هو شانئه ؛ ثم قال : وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب أن يقال : إن الله تعالى ذكره أخبر أن مبغض رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الأقل الأذل المنقطع عقبه ، فذلك صفة كل من أبغضه من الناس ، وإن كان الآية نزلت في شخص بعينه . اه . والله تعالى أعلم .


[13837]:- أورد صاحب الجامع لأحكام القرآن عن أهل التأويل ستة عشر قولا في {الكوثر} الذي أعطيه النبي صلى الله عليه وسلم؛ ومنها: الكوثر: النبوة، ومنها: أنه القرآن؛ أو كثرة الأصحاب والأمة والأشياع، أو المعجزات.
[13838]:- مما نقل القرطبي: {انحر} ضع اليمنى على اليسرى حذاء النحر في الصلاة، أو يرفع يديه في التكبير إلى نحره، أو الوقوف، بإزاء المحراب. اهـ.
[13839]:-ما بين العلامتين [ ] من روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني.