غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَٱنۡحَرۡ} (2)

1

قوله { فصل لربك وانحر } في الصلاة أقوال : فعن مجاهد وعكرمة معناه : اشكر لربك ، وفائدة الفاء أن شكر النعمة يجب على الفور لا على التراخي ، وقيل : هي الدعاء ، كأنه قال : قبل سؤالك ودعائك ما بخلنا عليك بالكوثر ، فكيف بعد سؤالك ، فسل تعط ، واشفع تشفع ، وذلك أنه أبداً كان في هم أمته . والأقرب -وعليه الأكثرون- أنها الصلاة ذات الهيئات والأركان ؛ لأنها مشتملة على الدعاء والشكر وعلى سائر المعاني المنبئة عن التواضع والخدمة ، ولأن حمله على الشكر يوهم أنه ما كان شاكراً قبل ذلك ، لكنه كان من أول أمره مطيعاً لربه شاكراً لنعمه . أما الصلاة فإنه إنما عرفاه بالوحي ، يروى أنه حين أمر بالصلاة قال : كيف أصلي ولست على وضوء ؟ فقال الله : { إنا أعطيناك الكوثر } وضرب جبرائيل بجناحه على الأرض فنبع ماء الكوثر فتوضأ ، فقيل له عند ذلك { فصل } وإن حمل الكوثر على الرسالة فكأنه قال : أعطيتك الرسالة لتأمر نفسك وسائر الخلق بالطاعات { فصل } ، وفي قوله { لربك } إشارة إلى وجوب الأضحى مخالفة عبدة الأوثان . وإنما لم يقل لنا سلوكاً لطريقة الالتفات وإفادة لنوع من التعظيم ، كقول الخلفاء " يرسم أمير المؤمنين كذا " ، ولأن الجمعية في هذا المقام توهم الاشتراك والعدول إلى الوحدة لو قال " لي " انقطع النظم ، ولأنه يفيد أن سبب العبادة هو التربية ، ثم الذين فسروا الصلاة بما عرف في الشرع اختلفوا ؛ فالأكثرون على أنها جنس الصلاة لإطلاق اللفظ ، وإنما لم يذكر الكيفية ؛ لأنها كانت معلومة قبل ذلك . وقال الآخرون : إنها صلاة عيد الأضحى لاقترانها بقوله { وانحر } ، وكانوا يقدمون الأضحية على الصلاة فأمروا بتأخيرها عنها . والواو تفيد الترتيب استحساناً وأدباً ، وإن لم تفده قطعاً . وقال سعيد بن جيبر : صل الفجر بالمزدلفة ، وانحر بمنى ، والمناسبة بين نحر البدن وبين جنس الصلاة أن المشركين كانت صلاتهم وقراً بينهم للأصنام ، فأمر صلى الله عليه وسلم بأن تكون صلاته وقربانه لله تعالى ، وكان النحر واجباً على النبي صلى الله عليه وسلم ، قال صلى الله عليه وسلم : " ثلاث كتبن عليّ ، ولم تكتب على أمتي . الضحى والأضحى والوتر " ، وإنما لم يقل ضح وإن كان أشمل ؛ لأن أعز الأموال عند العرب هو الإبل ، فأمر بنحرها وصرفها إلى طاعة الله ، ففي ذلك قطع العلائق الجسمانية ، ورفع العوائق النفسانية . يروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدى مائة بدنة فيها جمل لأبي جهل في أنفه برة من ذهب ، فنحرها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أعيا صلى الله عليه وسلم ، ثم أمر علياً بذلك ، وكانت النوق يزدحمن على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما أخذ علي عليه السلام السكين تباعدت منه عليه السلام .

/خ3