وبعد رسم هذا الجو ، وفتح هذا المجال ، تجيء الإشارة إلى الحادث في لمسات قلائل :
( قتل أصحاب الأخدود . النار ذات الوقود . إذ هم عليها قعود . وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود . وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد . الذي له ملك السماوات والأرض ، والله على كل شيء شهيد ) . .
وتبدأ الإشارة إلى الحادث بإعلان النقمة على أصحاب الأخدود : ( قتل أصحاب الأخدود ) . . وهي كلمة تدل على الغضب . غضب الله على الفعلة وفاعليها . كما تدل على شناعة الذنب الذي يثير غضب الحليم ، ونقمته ، ووعيده بالقتل لفاعليه .
وجواب القسم قوله : { قتل أصحاب الأخدود } بتقدير اللام وقد . أي لقد قتلوا ؛ أي لعنوا أشد اللعن .
والجملة خبرية . وقيل : هي دعاء عليهم بالإبعاد والطرد من رحمة الله تعالى وجواب القسم محذوف لدلالتها عليه ؛ كأنه قيل : أقسم بهذه الأشياء إن كفار مكة لملعونون كما لعن أصحاب الأخدود . والأخدود : الخد ، وهو الشق العظيم المستطيل في الأرض كالخندق ؛ وجمعه أخاديد . وأصحاب
الأخدود : قوم كافرون ذوو بأس وشدة ، نقموا على المؤمنين إيمانهم بالله ونكلوا بهم ؛ فحفروا لهم أخدودا في الأرض ، وأسعروا النار فيه ، وألقوهم فيه لإبائهم الارتداد إلى الكفر . { النار ذات الوقود } بدل اشتمال من الأخدود ؛ أي النار فيه .
وقيل : إن المقسم عليه قوله { قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ } وهذا دعاء عليهم بالهلاك .
و { الأخدود } الحفر التي تحفر في الأرض .
وكان أصحاب الأخدود هؤلاء قومًا كافرين ، ولديهم قوم مؤمنون ، فراودوهم للدخول{[1394]} في دينهم ، فامتنع المؤمنون من ذلك ، فشق الكافرون أخدودًا [ في الأرض ] ، وقذفوا فيها النار ، وقعدوا حولها ، وفتنوا المؤمنين ، وعرضوهم عليها ، فمن استجاب لهم أطلقوه ، ومن استمر على الإيمان قذفوه في النار ، وهذا في غاية المحاربة لله ولحزبه المؤمنين ، ولهذا لعنهم الله وأهلكهم وتوعدهم فقال : { قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ }
قوله تعالى : " قتل أصحاب الأخدود " ي لعن . قال ابن عباس : كل شيء في القرآن " قتل " فهو لعن . وهذا جواب القسم في قول الفراء - واللام فيه مضمرة ، كقوله : " والشمس وضحاها " [ الشمس : 1 ] ثم قال " قد أفلح من زكاها " [ الشمس : 9 ] : أي لقد أفلح . وقيل : فيه تقديم وتأخير ، أي قتل أصحاب الأخدود والسماء ذات البروج . قاله أبو حاتم السجستاني . ابن الأنباري : وهذا غلط لأنه لا يجوز لقائل أن يقول : والله قام زيد على معنى قام زيد والله . وقال قوم : جواب القسم " إن بطش ربك لشديد " وهذا قبيح ؛ لأن الكلام قد طال بينهما . وقيل : " إن الذين فتنوا " . وقيل : جواب القسم محذوف ، أي والسماء ذات البروج لتبعثن . وهذا اختيار ابن الأنباري . والأخدود : الشق العظيم المستطيل في الأرض كالخندق ، وجمعه أخاديد . ومنه الخد لمجاري الدموع ، والمخدة ؛ لأن الخد يوضع عليها . ويقال : تخدد وجه الرجل : إذا صارت فيه أخاديد من جراح . قال طرفة :
ووجهٌ كأنَّ الشمسَ حَلَّتْ رِدَاءَهَا *** عليه نقيُّ اللون لم يَتَخَدَّدِ
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.