وبعد ذلك يمضي في استعراض مقولات المشركين عن هذا القرآن وعن هذا الدين ؛ فيحكي اعتذارهم عن التكذيب به والإعراض عنه ، اعتذار المستكبر المتعالي على المؤمنين :
ولقد سارع إلى الإسلام وسبق إليه نفر من الفقراء والموالي في أول الأمر . فكان هذا مغمزا في نظر الكبراء المستكبرين . وراحوا يقولون : لو كان هذا الدين خيرا ما كان هؤلاء أعرف منا به ، ولا أسبق منا إليه . فنحن ، في مكانتنا وسعة إدراكنا وحسن تقديرنا ، أعرف بالخير من هؤلاء !
والأمر ليس كذلك . فما كان يمنعهم عنه أنهم يشكون فيه أو يجهلون الحق الذي يقوم عليه . والخير الذي يحتويه ، إنما كان هو الكبر عن الإذعان لمحمد - كما كانوا يقولون - وفقدان المراكز الاجتماعية ، والمنافع الاقتصادية ، كما كان هو الاعتزاز الأجوف بالآباء والأجداد وما كان عليه الآباء والأجداد . فأما الذين سارعوا إلى الإسلام وسبقوا إليه فلم تكن في نفوسهم تلك الحواجز التي منعت الكبراء والأشراف .
إنه الهوى يتعاظم أهل الكبر أن يذعنوا للحق ، وأن يستمعوا لصوت الفطرة ، وأن يسلموا بالحجة . وهو الذي يملي عليهم العناد والإعراض ، واختلاق المعاذير ، والادعاء بالباطل على الحق وأهله . فهم لا يسلمون أبدا أنهم مخطئون ؛ وهم يجعلون من ذواتهم محورا للحياة كلها يدورون حوله ويريدون أن يديروا حوله الحياة : ( وإذ لم يهتدوا به فسيقولون : هذا إفك قديم ) . .
طبعا ! فلا بد من عيب في الحق ما داموا لم يهتدوا به ، ولم يذعنوا له . لا بد من عيب في الحق لأنهم هم لا يجوز أن يخطئوا . وهم في نظر أنفسهم ، أو فيما يريدون أن يوحوا به للجماهير ، مقدسون معصومون لا يخطئون !
{ وَقَالَ الذين كَفَرُواْ } إلى آخره ، وهو حكاية لبعض آخر من أقاويلهم الباطلة في حق القرآن العظيم والمؤمنين به . وفيه تحقيق لاستكبارهم أي وقال كفار مكة : { لِلَّذِينَ ءامَنُواْ } أي لأجلهم وفي شأنهم فاللام للتعليل كما سمعت في { قَالَ الذين كَفَرُواْ لِلْحَقّ } [ الأحقاف : 7 ] .
وقيل : هي لام المشافهة والتبليغ والتفتوا في قولهم : { لَّوْ كَانَ } أي ما جاء به صلى الله عليه وسلم من القرآن ، وقيل : الإيمان { خَيْراً مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ } ولولاه لقالوا : سبقتمونا بالخطاب أو لما سمعوا أن جماعة آمنوا لو كان خيراً ما سبقنا إليه أولئك الذين بلغنا إيمانهم .
وتعقب بأن هذا ليس من مواطن الالتفات ، وكونهم قصدوا تحقير المؤمنين بالغيبة لا وجه له ، وكون المشافهين طائفة من المؤمنين والمخبر عنهم طائفة أخرى خلاف الظاهر ، فالأولى كونها للتعليل وقالوا ذلك لما رأوا أن أكثر المؤمنين كانوا فقراء ضعفاء كعمار . وصهيب . وبلال . وكانوا يزعمون أن الخير الديني يتبع الخير الدنيوي وأنه لا يتأهل للأول إلا من كان له القدح المعلى من الثاني ، ولذا قالوا : { لَوْلاَ نُزّلَ هذا القرءان على رَجُلٍ مّنَ القريتين عَظِيمٍ } [ الزخرف : 31 ] وخطؤهم في ذلك مما لا يخفى .
وأخرج ابن المنذر عن عون بن أبي شداد قال : كانت لعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أمة أسلمت قبله يقاله لها زنيرة فكان رضي الله تعالى عنه عنه يضربها على إسلامها وكان كفار قريش يقولون : لو كان خيراً ما سبقتنا إليه زنيرة فأنزل الله تعالى في شأنها { وَقَالَ الذين كَفَرُواْ } الآية ، ولعلهم لم يريدوا زنيرة بخصوصها بل من شابهها أيضاً . وفي الآية تغليب المذكر على المؤنث ، وقال أبو المتوكل : أسلم أبو ذر ثم أسلمت غفار فقالت قريش ذلك ، وقال الكلبي . والزجاج . قال ذلك بنو عامر بن صعصعة . وغطفان . وأسد . وأشجع لما أسلم . أسلم . وجهينة . ومزينة . وغفار . وقال الثعلبي : هي مقالة اليهود حين أسلم ابن سلام وأصحابه منهم ، ويلزم عليه القول بأن الآية مدنية وعدها في المستثنيات أو كون { قَالَ } فيها كنادي في قوله تعالى : { ونادى أصحاب الاعراف } [ الأعراف : 48 ] وهذا كما ترى والمعول عليه ما تقدم { وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُواْ بِهِ } أي بالقرآن ، وقيل : بالرسول صلى الله عليه وسلم ، و { إِذْ } على ما اختاره جار الله ظرف لمقدر دل عليه السابق واللاحق أي وإذ لم يهتدوا به ظهر عنادهم واستكبارهم ، وقوله تعالى : { فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ } أي يتحقق منهم هذا القول والطعن حيناً فحيناً كما يؤذن بذلك صيغة المضارع مسبب عن العناد والاستكبار ، وإذا جاز مثل حينئذ الآن أي كان ذلك حينئذ واسمع الآن بدليل قرينة الحال فهذا أجوز ، والإشارة ءلى القرآن العظيم ، وقولهم : ذلك فيه كقولهم : { أساطير الاولين } [ الأنعام : 25 ] ولم يجوز أن يكون { فَسَيَقُولُونَ } عاملاً في الظرف لتدافع دلالتي المضي والاستقبال ، وإنما لم يجعله من قبيل { فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ إِذِ الأغلال } [ غافر : 70 ، 71 ] نظماً للمستقبل في سلك المقطوع كما اختاره ابن الحاجب في الأمالي لأن المعنى ههنا كما في «الكشف » على أن عدم الهداية محقق واقع لا أنه سيقع البتة ، ألا ترى إلى قوله تعالى : { وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لِلَّذِينَ ءامَنُواْ } بعدما بين استكبارهم وعنادهم كيف ينص على أنهم مجادلون معرضون عن القرآن وتدبره غير مهتدين ببشائره ونذره .
وقال بعضهم : الظرف معمول لسيقولون والفاء لا تمنع عن عمل ما بعدها فيما قبلها كما ذكره الرضي ، والتسبب المشعرة به عن كفرهم ، و { سَيَقُولُونَ } بمعنى قالوا ، والعدول إليه للإشعار بالاستمرار . وتعقب بأن ذلك مع السين بعيد ، وقيل : إذ تعليلية للقول . وتعقب بأنه معلل كما آذنت به الفاء ، وقدر بعضهم العامل المحذوف قالوا ما قالوا ، ورجحه على التقدير السابق وليس براجح عليه كما لا يخفى على راجح .
{ 11-12 } { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ * وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ }
أي : قال الكفار بالحق معاندين له ورادين لدعوته : { لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ } أي : ما سبقنا إليه المؤمنون أي : لكنا أول مبادر به وسابق إليه وهذا من البهرجة في مكان ، فأي دليل يدل على أن علامة الحق سبق المكذبين به للمؤمنين ؟ هل هم أزكى نفوسا ؟ أم أكمل عقولا ؟ أم الهدى بأيديهم ؟ ولكن هذا الكلام الذي صدر منهم يعزون به أنفسهم بمنزلة من لم يقدر على الشيء ثم طفق يذمه ولهذا قال : { وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ } أي : هذا السبب الذي دعاهم إليه أنهم لما لم يهتدوا بهذا القرآن وفاتهم أعظم المواهب وأجل الرغائب قدحوا فيه بأنه كذب وهو الحق الذي لا شك فيه ولا امتراء يعتريه .
قوله : { وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه } قال المشركون السفهاء ، التائهون في غرورهم وضلالهم –قالوا عن المؤمنين بالقرآن : لو كان هذا القرآن خيرا ما سبقنا إليه هؤلاء الأراذل والعالة . وهم يريدون بذلك بلالا وعمارا وصهيبا وخبابا ( رضي الله عنهم ) وأشباههم ونظراءهم من الفقراء والمستضعفين والعبيد . وذلكم خطأ فاحش وتصور مستهجن كان يغشى أذهان الجاهلين السفهاء وهم يحسبون أنهم بوجاهتهم المصطنعة الموهومة وبضلالهم وحماقتهم وما جمعوه من المال ، خير من الفقراء والمستضعفين المؤمنين .
قوله : { وإذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم } أي أن هؤلاء الضالين الجاهلين لما لم يقفوا على كمال القرآن لعجزهم وضلالهم ولم يصيبوا به الهدى عادوه ونسبوه إلى الكذب وقالوا إنه { إفك قديم } أي أكاذيب قديمة من أخبار الأولين . أو هو أساطير الأولين .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: وقال الذين جحدوا نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم من يهود بني إسرائيل للذين آمنوا به، لو كان تصديقكم محمدا على ما جاءكم به خيرا، ما سبقتمونا إلى التصديق به، وهذا التأويل على مذهب من تأوّل قوله:"وشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَني إسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ" أنه معنيّ به عبد الله بن سلام، فأما على تأويل من تأوّل أنه عُني به مشركو قريش، فإنه ينبغي أن يوجه تأويل قوله: "وَقالَ الّذِين كَفَرُوا لِلّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْرا ما سَبَقُونا إلَيْهِ "أنه عُنِي به مشركو قريش وكذلك كان يتأوّله قتادة...
وقوله: "وَإذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ" يقول تعالى ذكره: وإذ لم يبصروا بمحمد وبما جاء به من عند الله من الهدى، فيرشدوا به الطريق المستقيم، "فَسَيَقُولُونَ هَذَا إفْكٌ قَدِيمٌ" يقول: فسيقولون هذا القرآن الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم أكاذيب من أخبار الأوّلين قديمة، كما قال جل ثناؤه مخِبرا عنهم، "وَقالُوا أساطِيرُ الأوّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلَىَ عَلَيْهِ بُكْرَةً وأصِيلاً"...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
يحتمل أن يكون هذا القول من الأجِلّة والرؤساء منهم الذين كان منهم صلة الأرحام وأنواع الخيرات والأعمال الصالحة؛ قالوا: إنا سبقناهم في الخيرات سوى ذلك؛ فلو كان ذلك الذي تدعونا إليه خيرا ما سبقونا إليه كما لم يسبقونا إلى سائر الخيرات...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
وهو كلام كفار مكة، قالوا: عامّة من يتبع محمداً السقاط، يعنون الفقراء مثل عمار وصهيب وابن مسعود...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
والإفك: الكذب، ووصفوه بالقدم، بمعنى أنه في أمور متقادمة، وهذا كما تقول لرجل حدثك عن أخبار كسرى وقيصر، هذا حديث قديم، ويحتمل أن يريدوا أنه إفك قيل قديماً...
واعلم أنه تعالى لما حكى عنهم هذا الكلام أجاب عنه بقوله {وإذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم} والمعنى أنهم لما لم يقفوا على وجه كونه معجزا... {وإذ لم يهتدوا به} ظهر عنادهم {فسيقولون هذا إفك
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ} أي: قالوا عن المؤمنين بالقرآن: لو كان القرآن خيرا ما سبقنا هؤلاء إليه. يعنون بلالا وعمارا وصُهَيبا وخبابا وأشباههم وأقرانهم من المستضعفين والعبيد والإماء، وما ذاك إلا لأنهم عند أنفسهم يعتقدون أن لهم عند الله وجاهة وله بهم عناية، وقد غلطوا في ذلك غلطا فاحشا، وأخطئوا خطأ بينا... {قَدِيمٌ} أي: مأثور عن الأقدمين، فينتقصون القرآن وأهله...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{وقال الذين كفروا} أي تعمدوا تغطية الحق {للذين} أي لأجل إيمان الذين {آمنوا} إذ سبقوهم إلى الإيمان: {لو كان} إيمانهم بالقرآن وبهذا الرسول {خيراً} أي من جملة الخيور {ما سبقونا إليه} ونحن أشرف منهم وأكثر أموالاً وأولاداً وأعلم بتحصيل العز والسؤدد الذي هو مناط الخير...
{وإذ} أي وحين {لم يهتدوا به} يقولون عناداً وتكبراً وكفراً: لو كان هدى لأبصرناه ولم يعلموا أنها لا تعمي الأبصار ولكن تعمي القلوب التي في الصدور. ولما كان التقدير: فإن قيل لهم: فما هو؟ أجابه بقوله مسبباً عن هذا المقدر علماً من أعلام النبوة: {فسيقولون} بوعد لا خلف فيه لأن الناس أعداء ما جهلوا ولأنهم لم يجدوا على ما يدعونه من أنه لو كان خيراً لسبقوا غيرهم إليه- دليلاً: {هذا} أي الذي سبقتم إليه {إفك} أي شيء مصروف عن وجهه إلى قفاه {قديم} أفكه غيره وعثر هو عليه فأتى به ونسبه إلى الله.
فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني 1250 هـ :
(...قالوا ذلك) لأنهم عند أنفسهم المستحقون للسبق إلى كل مكرمة، ولم يعلموا أن الله سبحانه يختصّ برحمته من يشاء، ويعزّ من يشاء، ويذلّ من يشاء، ويصطفي لدينه من يشاء...
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
هذا الكلام الذي صدر منهم يعزون به أنفسهم بمنزلة من لم يقدر على الشيء ثم طفق يذمه ولهذا قال: {وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ} أي: هذا السبب الذي دعاهم إليه أنهم لما لم يهتدوا بهذا القرآن وفاتهم أعظم المواهب وأجل الرغائب قدحوا فيه بأنه كذب وهو الحق الذي لا شك فيه ولا امتراء يعتريه...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
لو كان هذا الدين خيرا ما كان هؤلاء أعرف منا به، ولا أسبق منا إليه. فنحن، في مكانتنا وسعة إدراكنا وحسن تقديرنا، أعرف بالخير من هؤلاء!...
(وإذ لم يهتدوا به فسيقولون: هذا إفك قديم).. طبعا! فلا بد من عيب في الحق ما داموا لم يهتدوا به، ولم يذعنوا له. لا بد من عيب في الحق لأنهم هم لا يجوز أن يخطئوا. وهم في نظر أنفسهم، أو فيما يريدون أن يوحوا به للجماهير، مقدسون معصومون لا يخطئون!
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
{وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُواْ بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذآ إِفْكٌ قديم}. عطف على جملة {وقال الذين كفروا للذين آمنوا} الآية، أي فقد استوفوا بمزاعمهم وجوه الطعن في القرآن فقالوا: {سحر مبين} [الأحقاف: 7] وقالوا {افتراه} [الأحقاف: 8]، وقالوا {لو كان خيراً ما سبقونا إليه}، وبقي أن يقولوا هو {إفك قديم}...
ومعنى الآية: وإذ لم تحصل هدايتهم بالقرآن فيما مضى فسيستمرون على أن يقولوا هو {إفك قديم} إذ لا مطمع في إقلاعهم عن ضلالهم في المستقبل. ولمّا كانت {إذ} ظرفاً للزمن الماضي وأضيفت هنا إلى جملة واقعة في الزمن الماضي كما يقتضيه النفي بحرف {لَم} تعين أن الإخبار عنه بأنهم سيقولون {هذا إفك} أنهم يقولونه في المستقبل، وهو مؤذن بأنهم كانوا يقولون ذلك فيما مضى أيضاً لأن قولهم ذلك من تصاريف أقوالهم الضالة المحكية عنهم في سور أخرى نَزلت قبل هذه السورة، فمعنى {فسيقولون} سيدومون على مقالتهم هذه في المستقبل...
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
{لَوْ كَانَ خَيْراً مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ} لأننا السابقون إلى الخير في كل المواقع، لكننا لم نرَ فيه ملامح الخير للبشرية {وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُواْ بِهِ} أي بالقرآن، أو بالإيمان في مضمونه الفكري والعملي، {فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ} أي من الأكاذيب القديمة ومن أساطير الأولين، ولا يستند قولهم هذا إلى قاعدةٍ فكريةٍ تميز بين الصدق والكذب، وبين الأسطورة والواقع، بل إلى عقدة الكبرياء الكامنة في عمق شخصياتهم التي تحاول إعطاء مواقفها السلبية من القضايا بعداً منطقياً بادعاء وجود خلل ما في مضمونها. وهذا هو الأساس في كلامهم المذكور في الفقرة السابقة من الآية: {لَوْ كَانَ خَيْراً مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ} ليصوّروا أن رفضهم للرسالة يتحرك من موقع عدم قبولهم إلا بالخير الذي اكتشفوا أن الدعوة القرآنية لا تمثّله.