في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلِمَنۡ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِۦ جَنَّتَانِ} (46)

هذه ضفة العذاب الأليم . والآن إلى ضفة النعيم والتكريم :

( ولمن خاف مقام ربه جنتان ) . .

وللمرة الأولى - فيما مر بنا من سور القرآن - تذكر الجنتان . والأظهر أنهما ضمن الجنة الكبيرة المعروفة ! ولكن اختصاصهما هنا بالذكر قد يكون لمرتبتهما . وسيأتي في سورة الواقعة أن أصحاب الجنة فريقان كبيران : هما السابقون المقربون . وأصحاب اليمين . ولكل منهما نعيم . فهنا كذلك نلمح أن هاتين الجنتين هما لفريق ذي مرتبة عالية . وقد يكون فريق السابقين المقربين المذكورين في سورة الواقعة . ثم نرى جنتين أخريين من دون هاتين . ونلمح أنهما لفريق يلي ذلك الفريق . وقد يكون هو فريق أصحاب اليمين .

على أية حال فلنشهد الجنتين الأوليين ، ولنعش فيهما لحظات !

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{وَلِمَنۡ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِۦ جَنَّتَانِ} (46)

بعد أن بيّن مقام المجرمين ، وما يشاهدونه من أهوال ، وما ينالهم من عذاب ، وذكَر أن مقامهم النار وبئس القرار ، ذكر هنا مقام المؤمنين الذين يخافون ربهم ، ويطيعونه فيما أمرهم ، وفصّل تفصيلا جميلاً في ذلك النعيم الرباني ، جزاءً من العليّ الكريم .

ولمن خافَ مقام ربه ، وأطاعه وأخلص في إيمانه وعبادته جنتان . ومعنى هذا أن في الجنة مقاماتٍ ومنازلَ للمؤمنين حسب ما قدّموه من أعمال صالحة ، لأنه سيأتي أيضا قوله تعالى : { وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ } فهناك أيضا جنّتان أُخريان .

 
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{وَلِمَنۡ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِۦ جَنَّتَانِ} (46)

{ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ } الخ شروع في تعديد الآلاء التي تفاض في الآخرة ، و { مَّقَامِ } مصدر ميمي بمعنى القيام مضاف إلى الفاعل أي { وَلِمَنْ خَافَ } قيام ربه وكونه مهيمناً عليه مراقباً له حافظاً لأحواله ، فالقيام هنا مثله في قوله تعالى : { أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ على كُلّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ } [ الرعد : 33 ] وهذا مروى عن مجاهد . وقتادة ، أو هو اسم مكان ، والمراد به مكان وقوف الخلق في يوم القيامة للحساب ، والإضافة إليه تعالى لامية اختصاصية لأن الملك له عز وجل وحده فيه بحسب نفس الأمر ، والظاهر والخلق قائمون له كما قال سبحانه : { يَقُومُ الناس لِرَبّ العالمين } [ المطففين : 6 ] منتظرون ما يحل عليهم من قبله جل شأنه ، وزعم بعضهم أن الإضافة على هذا الوجه لأدنى ملابسة وليس بشيء ، وقيل : المعنى { وَلِمَنْ خَافَ } مقامه عند ربه على أن المقام مصدر أو اسم مكان وهو للخائف نفسه ، وإضافته للرب لأنه عنده تعالى فهي مثلها في قولهم : شاة رقود الحلب ، وهي بمعنى عند عند الكوفيين أي رقود عند الحلب ، وبمعنى اللام عند الجمهور كما صرح به شراح التسهيل وليست لأدنى ملابسة كما زعم أيضاً ، ثم إن المراد بالعندية هنا مما لا يخفى ، وجوّز أن يكون مقحماً على سبيل الكناية ، فالمراد ولمن خاف ربه لكن بطريق برهاني بليغ ، ومثله قول الشماخ

: ذعرت به القطا ونفيت عنه *** ( مقام الذئب ) كالرجل اللعين

وهو الأظهر على ما ذكره صاحب الكشف ، والظاهر أن المراد ولكل فرد فرد من الخائفين :

{ جَنَّتَانِ } فقيل : إحداهما منزله ومحل زيارة أحبابه له ، والأخرى منزل أزواجه وخدمه ، وإليه ذهب الجبائي ، وقيل : بستانان بستان داخل قصره وبستان خارجه ، وقيل : منزلان ينتقل من أحدهما إلى الآخر لتتوفر دواعي لذته وتظهر ثمار كرامته ، وأين هذا ممن يطوف بين النار ، وبين حميم آن ؟ ؟ .

وجوز أن يقال : جنة لعقيدته وجنة لعمله ، أو جنة لفعل الطاعات وجنة لترك المعاصي ، أو جنة يثاب بها وأخرى يتفضل بها عليه ، أو إحداهما روحانية والأخرى جسمانية ، ولا يخفى أن الصفات الآتية ظاهرة في الجسمانية .

وقال مقاتل : جنة عدن وجنة نعيم ، وقيل : المراد لكل خائفين منكما جنتان جنة للخائف الإنسي وجنة للخائف الجني ، فإن الخطاب للفريقين ، وهذا عندي خلاف الظاهر ، وفي الآثار ما يبعده ، فقد أخرج البيهقي في شعب الإيمان عن الحسن أنه كان شاب على عهد رضي الله تعالى عنه ملازم للمسجد والعبادة فعشقته جارية فأتته في خلوة فكلمته فحدثته نفسه بذلك فشهق شهقة فغشى عليه فجاء عم له فحمله إلى بيته فلما أفاق قال : يا عم انطلق إلى عمر فاقرئه مني السلام وقل له ما جزاء من خاف مقام ربه ؟ فانطلق فأخبر عمر وقد شهق الفتى شهقة أخرى فمات فوقف عليه عمر رضي الله تعالى عنه فقال : لك جنتان لك جنتان .

والخوف في الأصل توقع مكروه عند أمارة مظنونة أو معلومة ويضاده الأمن قال الراغب : والخوف من الله تعالى لا يراد به ما يخطر بالبال من الرعب كاستشعار الخوف من الأسد بل إنما يراد به الكف عن المعاصي وتحري الطاعات ، ولذلك قيل : لا يعد خائفاً من لم يكن للذنوب تاركاً ، ويؤيد هذا تفسير ابن عباس رضي الله تعالى عنهما الخائف هنا كما أخرج ابن جرير عنه بمن ركب طاعة الله تعالى وترك معصيته .

وقول مجاهد : هو الرجل يريد الذنب فيذكر الله تعالى فيدع الذنب ، والذي يظهر أن ذلك تفسير باللازم ، وقد يقال : إن ارتكاب الذنب قد يجامع الخوف من الله تعالى وذلك كما إذا غلبته نفسه ففعله خائفاً من عقابه تعالى عليه ، وأيد ذلك بما أخرجه أحمد . والنسائي . والطبراني . والحكيم الترمذي في نوادر الأصول . وابن أبي شيبة . وجماعة عن أبي الدرداء «أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ جَنَّتَانِ } فقلت : وإن زنى وإن سرق يا رسول الله ؟ فقال النبي عليه الصلاة والسلام : الثانية { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ جَنَّتَانِ } فقلت : وإن زني وإن سرق ؟ فقال الثالثة : { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ جَنَّتَانِ } فقلت : وإن زنى وإن سرق ؟ قال : نعم وإنْ رغم أنف أبي الدرداء » وأخرج الطبراني . وابن مردويه من طريق الجريري عن أخيه قال : سمعت محمد بن سعد يقرأ ولمن خاف مقام ربه جنتان وإن زنى وإن سرق فقلت : ليس فيه وإن زنى وإن سرق فقال : سمعت أبا الدرداء رضي الله تعالى عنه يقرؤها كذلك فأنا أقرؤها كذلك حتى أموت ، وصرح بعضهم أن المراد بالخوف في الآية أشده فتأمل . وجاء من شأن هاتين الجنتين من حديث عياض بن غنم مرفوعاً «إن عرض كل واحدة منهما مسيرة مائة عام » والآية على ما روي عن ابن الزبير . وابن شوذب نزلت في أبي بكر .

وأخرج ابن أبي حاتم . وأبو الشيخ في العظمة عن عطاء أن أبا بكر الصديق رضي الله تعالى عنه ذكر ذات يوم وفكر في القيامة . والموازين . والجنة . والنار . وصفوف الملائكة . وطي السموات . ونسف الجبال وتكوير الشمس . وانتثار الكواكب فقال : وددت أني كنت خضراً من هذه الخضر تأتي على بهيمة فتأكلني وأني لم أخلق فنزلت : { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ } .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلِمَنۡ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِۦ جَنَّتَانِ} (46)

{ 46-65 } ولما ذكر ما يفعل بالمجرمين ، ذكر جزاء المتقين الخائفين فقال : { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ

} إلى آخر السورة .

أي : وللذي خاف ربه وقيامه عليه ، فترك ما نهى عنه ، وفعل ما أمره به ، له جنتان من ذهب آنيتهما وحليتهما وبنيانهما وما فيهما ، إحدى الجنتين جزاء على ترك المنهيات ، والأخرى على فعل الطاعات .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَلِمَنۡ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِۦ جَنَّتَانِ} (46)

ثم ذكر ما أعده لمن اتقاه وخافه فقال :{ ولمن خاف مقام ربه } أي : مقامه بين يدي ربه للحساب فترك المعصية والشهوة . وقيل : قيام ربه عليه ، بيانه قوله : { أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت }( الرعد-33 ) ، وقال إبراهيم النخعي ومجاهد : هو الذي يهم بالمعصية فيذكر الله فيدعها من مخافة الله . وقوله :{ جنتان } قال مقاتل : جنة عدن وجنة نعيم . قال محمد بن علي الترمذي : جنة لخوفه ربه وجنة لتركه شهوته . قال الضحاك : هذا لمن راقب الله في السر والعلانية بعلمه ما عرض له من محرم تركه من خشية الله ، وما عمل من خير أفضى به إلى الله ، لا يحب أن يطلع عليه أحد . وقال قتادة : إن المؤمنين خافوا ذلك المقام فعملوا لله ودأبوا بالليل والنهار .

أخبرنا أبو الحسن علي بن الحسين القرشي ، أنبأنا أبو مسلم غالب بن علي الرازي ، حدثنا أبو بكر محمد بن إبراهيم بن يونس ، أنبأنا أبو جعفر محمد بن موسى بن عيسى الحلواني ، وأنبأنا محمد بن حميد الهمداني ، أنبأنا هاشم بن القاسم عن أبي عقيل هو الثقفي عن يزيد بن شيبان سمعت بكير بن فيروز قال سمعت أبا هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من خاف أدلج ، ومن أدلج بلغ المنزل ، ألا إن سلعة الله غالية ، ألا إن سلعة الله الجنة " .

أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الفضل الخرقي ، أنبأنا أبو الحسن علي بن عبد الله الطيسفوني ، أنبأنا عبد الله بن عمر الجوهري ، أنبأنا أحمد بن علي الكشمهيني ، أنبأنا علي بن حجر ، أنبأنا إسماعيل بن جعفر عن محمد بن أبي حرملة مولى حويطب بن عبد العزي . عن عطاء بن يسار ، عن أبي الدرداء " أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقص على المنبر وهو يقول : ولمن خاف مقام ربه جنتان ، قلت : وإن زنى وإن سرق يا رسول الله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { ولمن خاف مقام ربه جنتان } فقلت الثانية : وإن زنى وإن سرق يا رسول الله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { ولمن خاف مقام ربه جنتان } فقلت الثالثة : وإن زنى وإن سرق يا رسول يا رسول الله ؟ قال : وإن زنى وإن سرق على رغم أنف أبي الدرداء " . { فبأي آلاء ربكما تكذبان } .