في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{سَبِّحِ ٱسۡمَ رَبِّكَ ٱلۡأَعۡلَى} (1)

مقدمة السورة:

سورة الأعلى مكية وآياتها تسع عشرة

في رواية للإمام أحمد عن الإمام علي - كرم الله وجهه - أن رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] كان يحب هذه السورة : ( سبح اسم ربك الأعلى ) . . وفي صحيح مسلم أنه كان يقرأ في العيدين ويوم الجمعة بسبح اسم ربك الأعلى ، و( هل أتاك حديث الغاشية ) . وربما اجتمعا في يوم واحد فقرأهما . .

وحق لرسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] أن يحب هذه السورة وهي تحيل له الكون كله معبدا تتجاوب أرجاؤه بتسبيح ربه الأعلى وتمجيده ، ومعرضا يحفل بموحيات التسبيح والتحميد : ( سبح اسم ربك الأعلى . الذي خلق فسوى . والذي قدر فهدى . والذي أخرج المرعى . فجعله غثاء أحوى ) . . وإيقاع السورة الرخي المديد يلقي ظلال التسبيح ذي الصدى البعيد . .

وحق له [ صلى الله عليه وسلم ] أن يحبها ، وهي تحمل له من البشريات أمرا عظيما . وربه يقول له ، وهو يكلفه التبليغ والتذكير : ( سنقرئك فلا تنسى - إلا ما شاء الله إنه يعلم الجهر وما يخفى - ونيسرك لليسرى . فذكر إن نفعت الذكرى ) . . وفيها يتكفل له ربه بحفظ قلبه لهذا القرآن ، ورفع هذه الكلفة عن عاتقه . ويعده أن ييسره لليسرى في كل أموره وأمور هذه الدعوة . وهو أمر عظيم جدا .

وحق له [ صلى الله عليه وسلم ] أن يحبها ، وهي تتضمن الثابت من قواعد التصور الإيماني : من توحيد الرب الخالق وإثبات الوحي الإلهي ، وتقرير الجزاء في الآخرة . وهي مقومات العقيدة الأولى . ثم تصل هذه العقيدة بأصولها البعيدة ، وجذورها الضاربة في شعاب الزمان : ( إن هذا لفي الصحف الأولى . صحف إبراهيم وموسى ) . . فوق ما تصوره من طبيعة هذه العقيدة ، وطبيعة الرسول الذي يبلغها والأمة التي تحملها . . طبيعة اليسر والسماحة . .

وكل واحدة من هذه تحتها موحيات شتى ؛ ووراءها مجالات بعيدة المدى . .

( سبح اسم ربك الأعلى . الذي خلق فسوى . والذي قدر فهدى . والذي أخرج المرعى . فجعله غثاء أحوى ) . .

إن هذا الافتتاح ، بهذا المطلع الرخي المديد ، ليطلق في الجو ابتداء أصداء التسبيح ، إلى جانب معنى التسبيح . وإن هذه الصفات التي تلي الأمر بالتسبيح : ( الأعلى الذي خلق فسوى . والذي قدر فهدى . والذي أخرج المرعى . فجعله غثاء أحوى ) . . لتحيل الوجود كله معبدا يتجاوب جنباته بتلك الأصداء ؛ ومعرضا تتجلى فيه آثار الصانع المبدع : ( الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى ) . .

والتسبيح هو التمجيد والتنزيه واستحضار معاني الصفات الحسنى لله ، والحياة بين إشعاعاتها وفيوضاتها وإشراقاتها ومذاقاتها الوجدانية بالقلب والشعور . وليست هي مجرد ترديد لفظ : سبحان الله ! . . و( سبح اسم ربك الأعلى ) . . تطلق في الوجدان معنى وحالة يصعب تحديدها باللفظ ، ولكنها تتذوق بالوجدان . وتوحي بالحياة مع الإشراقات المنبثقة من استحضار معاني الصفات .

والصفة الأولى القريبة في هذا النص هي صفة الرب . وصفة الأعلى . . والرب : المربي والراعي ، وظلال هذه الصفة الحانية مما يتناسق مع جو السورة وبشرياتها وإيقاعاتها الرخية . . وصفة الأعلى تطلق التطلع إلى الآفاق التي لا تتناهى ؛ وتطلق الروح لتسبح وتسبح إلى غير مدى . . وتتناسق مع التمجيد والتنزيه ، وهو في صميمه الشعور بصفة الأعلى . .

والخطاب هنا لرسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ابتداء . وهذا الأمر صادر إليه من ربه . بهذه الصيغة : ( سبح اسم ربك الأعلى ) . . وفيه من التلطف والإيناس ما يجل عن التعبير . وقد كان رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يقرأ هذا الأمر ، ثم يعقب عليه بالاستجابة المباشرة ، قبل أن يمضي في آيات السورة ، يقول : " سبحان ربي الأعلى " . . فهو خطاب ورده . وأمر وطاعته . وإيناس ومجاوبته . . إنه في حضرة ربه ، يتلقى مباشرة ويستجيب . في أنس وفي اتصال قريب . . وحينما نزلت هذه الآية قال : " اجعلوها في سجودكم " . وحينما نزلت قبلها : ( فسبح باسم ربك العظيم ) . . قال : " اجعلوها في ركوعكم " . . فهذا التسبيح في الركوع والسجود كلمة حية ألحقت بالصلاة وهي دافئة بالحياة . لتكون استجابة مباشرة لأمر مباشر . أو بتعبير أدق . . لإذن مباشر . . فإذن الله لعباده بأن يحمدوه ويسبحوه إحدى نعمه عليهم وأفضاله . إنه إذن بالاتصال به - سبحانه - في صورة مقربة إلى مدارك البشر المحدودة . صورة تفضل الله عليهم بها ليعرفهم ذاته . في صفاته . في الحدود التي يملكون أن يتطلعوا إليها . وكل إذن للعباد بالاتصال بالله في أية صورة من صور الاتصال ، هو مكرمة له وفضل على العباد .

( سبح اسم ربك الأعلى ) . .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{سَبِّحِ ٱسۡمَ رَبِّكَ ٱلۡأَعۡلَى} (1)

مقدمة السورة:

سورة الأعلى مكية وآياتها تسع عشرة ، نزلت بعد سورة التكوير .

وقد بدئت بتنزيه خالق هذا الكون ، الذي خلق كل شيء وأتقنه ، وقدّر لكل شيء ما يصلحه فهداه إليه ، كما أنبت المرعى أخضر يانعا ثم جعله غُثاء أحوى . وفيها بشرى للرسول الكريم بأن الله سيُقرئه القرآن فلا ينساه إلا ما شاء الله الذي يعلم ما يجهر به العباد وما يُخفونه . ثم أمرت الرسول الكريم أن يذكّر بالقرآن لعلهم ينتفعون بالذكرى ، فالذي يخاف الله يتذكر ويخشع ، أما الأشقى فهو يصرّ على العناد ، ويلقى مصيرا مظلما هو نار جهنم الكبرى ، فلا يموت فيها فيستريح ، ولا يحيا حياة طيبة يسعد فيها .

وأكدت السورة أن الفلاح لمن طهّر نفسه وزكّاها ، وذكر اسم ربه فصلّى . وأن كثيرا من الناس يفضّلون هذه الحياة الدنيا ، مع أن الآخرة خير وأبقى . وأن هذا المذكور في هذه السورة ثابت في الصحف القديمة ، صحف إبراهيم وموسى .

روى الإمام أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي عن النعمان بن بشير رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في العيدين والجمعة : سبح اسم ربك الأعلى ، وهل أتاك حديث الغاشية .

التسبيح : التنزيه .

نزّه يا محمد ربّك الأعظم عن كل ما لا يليق بجلاله . وقد وجّه الله الأمر بتسبيحِ اسمه الأعلى دون تسبيح ذاته ليرشدَنا إلى أن مبلغ جهدنا هو معرفةُ صفاته . أما ذاتُه العليّة فهي أعلى وأبعد من أن ندركها في هذه الحياة الدنيا .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{سَبِّحِ ٱسۡمَ رَبِّكَ ٱلۡأَعۡلَى} (1)

مقدمة السورة:

سورة الأعلى

مكية وآياتها تسع عشرة

{ سبح اسم ربك الأعلى } يعني : قل سبحان ربي الأعلى . وإلى هذا ذهب جماعة من الصحابة والتابعين .

أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي ، أنبأنا أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي ، أنبأنا عبد الله بن حامد ، أنبأنا أحمد بن عبد الله ، حدثنا محمد بن عبد الله ، حدثنا عبد الله بن عمر بن أبان ، حدثنا وكيع ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن مسلم البطين ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ { سبح اسم ربك الأعلى } فقال : سبحان ربي الأعلى " . وقال قوم : معناه نزه ربك الأعلى عما يصفه به الملحدون ، وجعلوا الاسم صلة . ويحتج بهذا من يجعل الاسم والمسمى واحداً ، لأن أحداً لا يقول : سبحان اسم الله ، وسبحان اسم ربنا ، إنما يقول : سبحان الله وسبحان ربنا ، وكأن معنى سبح اسم ربك : سبح ربك . وقال آخرون : نزه تسمية ربك ، بأن تذكره وأنت له معظم ، ولذكره محترم ، وجعلوا الاسم بمعنى التسمية . وقال ابن عباس : سبح اسم ربك الأعلى ، أي : صل بأمر ربك الأعلى .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{سَبِّحِ ٱسۡمَ رَبِّكَ ٱلۡأَعۡلَى} (1)

مقدمة السورة:

مكية وهي تسع عشر آية

{ سبح اسم ربك الأعلى } نزه ذات ربك من السوء وقيل معناه قل سبحان ربي الأعلى

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{سَبِّحِ ٱسۡمَ رَبِّكَ ٱلۡأَعۡلَى} (1)

مقدمة السورة:

مكية في قول الجمهور . وقال الضحاك : مدنية . وهي تسع عشرة آية .

يستحب للقارئ إذا قرأ " سبح اسم ربك الأعلى " أن يقول عقبه : سبحان ربي الأعلى . قاله النبي صلى اللّه عليه وسلم ، وقاله جماعة من الصحابة والتابعين ، على ما يأتي . وروى جعفر بن محمد عن أبيه عن جده قال : ( إن لله تعالى ملكا يقال له حِزقيائيل ، له ثمانية عشر ألف جناح ، ما بين الجناح إلى الجناح مسيرة خمسمائة عام ، فخطر له خاطر هل تقدر أن تبصر العرش جميعه ؟ فزاده اللّه أجنحة مثلها ، فكان له ستة وثلاثون ألف جناح ، ما بين الجناح إلى الجناح خمسمائة عام . ثم أوحى اللّه إليه : أيها الملك ، أن طر ، فطار مقدار عشرين ألف سنة ، فلم يبلغ رأس قائمة من قوائم العرش . ثم ضاعف اللّه له في الأجنحة والقوة ، وأمره أن يطير ، فطار مقدار ثلاثين ألف سنة أخرى ، فلم يصل أيضا ، فأوحى اللّه إليه أيها الملك ، لو طرت إلى نفخ الصور مع أجنحتك وقوتك لم تبلغ ساق عرشي . فقال الملك : سبحان ربي الأعلى ، فأنزل اللّه تعالى : " سبح اسم ربك الأعلى " . فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم : اجعلوها في سجودكم ) . ذكره الثعلبي في ( كتاب العرائس ) له . وقال ابن عباس والسدي : معنى " سبح اسم ربك الأعلى " أي عظم ربك الأعلى . والاسم صلة ، قصد بها تعظيم المسمى ، كما قال لبيد :

إلى الحول ثم اسمُ السلامِ عليكُمَا{[15956]}

وقيل : نزه ربك عن السوء ، وعما يقول فيه الملحدون . وذكر الطبري أن المعنى نزه اسم ربك عن أن تسمي به أحدا سواه . وقيل : نزه تسمية ربك وذكرك إياه ، أن تذكره إلا وأنت خاشع معظم ، ولذكره محترم . وجعلوا الاسم بمعنى التسمية ، والأولى أن يكون الاسم هو المسمى . روى نافع عن ابن عمر قال : لا تقل على اسم اللّه ، فإن اسم اللّه هو الأعلى . وروى أبو صالح عن ابن عباس : صلّ بأمر ربك الأعلى . قال : وهو أن تقول سبحان ربك الأعلى . وروي عن علي رضي اللّه عنه ، وابن عباس وابن عمرو وابن الزبير وأبي موسى وعبد الله بن مسعود رضي اللّه عنهم : أنهم كانوا إذا افتتحوا قراءة هذه السورة قالوا : سبحان ربي الأعلى ؛ امتثالا لأمره في ابتدائها . فيختار الاقتداء بهم في قراءتهم ، لا أن سبحان ربي الأعلى من القرآن ، كما قاله بعض أهل الزيغ . وقيل : إنها في قراءة أُبيّ : " سبحان ربي الأعلى " . وكان ابن عمر يقرؤها كذلك . وفي الحديث : كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا قرأها قال : [ سبحان ربي الأعلى ] .

قال أبو بكر الأنباري : حدثني محمد بن شهريار ، قال : حدثنا حسين بن الأسود ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن أبي حماد قال : حدثنا عيسى بن عمر ، عن أبيه ، قال : قرأ علي بن أبي طالب عليه السلام في الصلاة " سبح اسم ربك الأعلى " ، ثم قال : سبحان ربي الأعلى ، فلما انقضت الصلاة قيل له : يا أمير المؤمنين ، أتزيد هذا في القرآن ؟ قال : ما هو ؟ قالوا : سبحان ربي الأعلى . قال : لا ، إنما أمرنا بشيء فقلته ، وعن عقبة بن عامر الجهني قال : لما نزلت " سبح اسم ربك الأعلى " قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : ( اجعلوها في سجودكم ) . وهذا كله يدل على أن الاسم هو المسمى ؛ لأنهم لم يقولوا : سبحان اسم ربك الأعلى . وقيل : إن أول من قال [ سبحان ربي الأعلى ] ميكائيل عليه السلام . وقال النبي صلى اللّه عليه وسلم لجبريل : ( يا جبريل أخبرني بثواب من قال : سبحان ربي الأعلى في صلاته أو في غير صلاته ) . فقال : ( يا محمد ، ما من مؤمن ولا مؤمنة يقولها في سجوده أو في غير سجوده ، إلا كانت له في ميزانه أثقل من العرش والكرسي وجبال الدنيا ، ويقول اللّه تعالى : صدق عبدي ، أنا فوق كل شيء ، وليس فوقي شيء ، اشهدوا يا ملائكتي أني قد غفرت له ، وأدخلته الجنة فإذا مات زاره ميكائيل كل يوم ، فإذا كان يوم القيامة حمله على جناحه ، فأوقفه بين يدي اللّه تعالى ، فيقول : يا رب شفعني فيه ، فيقول قد شفعتك فيه ، فاذهب به إلى الجنة ) . وقال الحسن : " سبح اسم ربك الأعلى " أي صل لربك الأعلى . وقل : أي صل بأسماء اللّه ، لا كما يصلي المشركون بالمكاء والتصدية{[15957]} . وقيل : ارفع صوتك بذكر ربك . قال جرير :

قَبحَ الإلهُ وجوهَ تَغْلِبَ كلَّمَا *** سَبَحَ الحجيجُ وكبَّرُوا تكبيرا


[15956]:تمامه: * ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر * والبيت من قصيدة له، يخاطب بها ابنتيه، مطلعها: تمنى ابنتاي أن يعيش أبوهما *** وهل أنا إلا من ربيعة أو مضر
[15957]:المكاء: الصفير. والتصدية التصفيق. قال ابن عباس: "كانت قريش تطوف بالبيت عراة يصفقون ويصفرون" فكان ذلك عبادة في ظنهم".
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{سَبِّحِ ٱسۡمَ رَبِّكَ ٱلۡأَعۡلَى} (1)

مقدمة السورة:

سورة سبح{[1]} وتسمى الأعلى

قال الملوي : وكان النبي صلى الله عليه وسلم [ يحبها-{[2]} ] لكثرة ما اشتملت عليه من العلوم والخيرات- مقصودها إيجاب{[3]} التنزيه للأعلى{[4]} سبحانه وتعالى عن أن يلحق ساحة{[5]} عظمته شيء من {[6]}شوائب النقص{[7]} كاستعجال في أمر من إهلاك الكافرين أو غيره أو العجز عن البعث أو إهمال الخلق سدى يبغي بعضهم على بعض بغير حساب ، أو أن يتكلم بما [ لا-{[8]} ] يطابق الواقع أو بما يقدر أحد أن يتكلم بمثله كما أذنت بذلك{[9]} الطارق مجملا وشرحته هذه مفصلا ، وعلى ذلك دل كل من اسميها سبح والأعلى { بسم الله } الذي له العلى كله فلا نقص يلحقه { الرحمن } الذي عم جوده ، فكل{[10]} موجود هو الذي أوجده وكل حيوان هو الذي يربيه ويرزقه { الرحيم* } الذي [ من-{[11]} ] كان من حزبه فإنه يلزمه الطاعة وييسرها له{[12]} ويوفقه{[13]} .

لما تضمن أمره سبحانه في آخر الطارق بالإمهال{[72793]} النهي عن الاستعجال الذي هو منزه عنه لكونه نقصاً-{[72794]} ، وأشار نفي الهزل عن القرآن-{[72795]} إلى أنهم{[72796]} وصموه بذلك وهو في غاية البعد عنه-{[72797]} إلى غير ذلك مما أشير إليه فيها ونزه نفسه الأقدس سبحانه عنه-{[72798]} ، أمر أكمل خلقة رسوله المنزل عليه هذا القرآن صلى الله عليه وسلم بتنزيه اسمه لأنه وحده العالم بذلك حق علمه ، وإذا نزه{[72799]} اسمه عن أن يدعو به وثنا أو غيره أو يضعه في غير ما يليق به ، كان لذاته سبحانه أشد تنزيهاً ، فقال{[72800]} مرغباً في الذكر لا سيما بالتنزيه الذي هو نفي المستحيلات لأن التخلي قبل التحلي ، شارحاً لأصول الدين مقدماً للإلهيات التي هي النهايات{[72801]} من الذات ثم الصفات لا سيما القيومية ثم الأفعال على النبوات ، ثم أتبع ذلك النبوة ليعرف العبد ربه على ما هو عليه من الجلال والجمال ، فيزول عنه داء الجهل الموقع في التقليد ، وداء الكبر الموقع في إنكار الحقوق ، فيعترف{[72802]} بالعبودية والربوبية ، مثنياً عليه سبحانه بالجلال ثم الجمال فيعبده على ما يليق به من امتثال أمره واجتناب نهيه تعظيماً لقدره : { سبح } أي نزه وبرىء تنزيهاً وتبرئة {[72803]}عظيمتين جداً قويتين شديدتين{[72804]} { اسم ربك } أي المحسن إليك بعد إيجادك على صفة الكمال بتربيتك على أحسن الخلال{[72805]} حتى كنت في غاية {[72806]}الجلال والجمال{[72807]} .

ولما كان الإنسان محتاجاً في أن تكون حياته طيبة ليتمكن مما يريد إلى ثلاثة أشياء : كبير ينتمي إليه ليكون له به رفعة ينفعه بها عند مهماته ، ويدفع عنه عند ضروراته ، ومقتدى يربط{[72808]} به{[72809]} نفسه عند ملماته ، وطريقة مثلى ترتكبها{[72810]} كما أشار إليه قوله صلى الله عليه وسلم " رضيت بالله رباً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً وبالإسلام ديناً " أرشده صلى الله عليه وسلم إلى أن الانقطاع إليه{[72811]} أعلى الجاه ، فقال واصفاً لمن أمره بتسبيحه بإثبات ما له من الواجبات بعد نفي المستحيلات كما أشار إليه{[72812]} " سبحانك وبحمدك " : { الأعلى * } أي-{[72813]} الذي له وصف الأعلوية في المكانة{[72814]} لا المكان على الإطلاق عن كل شائبة نقص{[72815]} وكل سوء من الإلحاد في شيء من أسمائه بالتأويلات الزائغة وإطلاقه على غيره مع زعم أنهما فيه سواء ، وذكره{[72816]} خالياً عن التعظيم وغير ذلك ليكون راسخاً {[72817]}في التنزيه{[72818]} فيكون من أهل العرفان الذين يضيئون على الناس مع كونهم في الرسوخ كالأوتاد الشامخة التي هي مع علوها لا تتزحزح ، وقد ذكر سبحانه هذا المعنى معبراً {[72819]}عنه بجميع{[72820]} جهاته الأربع-{[72821]} في ابتداء سور أربع استيعاباً لهذه الكلمة الحسنى الشريفة من جميع جهاتها . فابتدأ{[72822]} سورة الإسراء التي هي سورة الإحسان ب " سبحان " المصدر الصالح لجميع معانيه إعلاماً بأن هذا المعنى ثابت له مطلقاً غير مقيد بشيء من زمان أو غيره ، ثم ثنى بالماضي في أول الحديد والحشر والصف تصريحاً بوقوع ما أفهمه المصدر في الماضي الذي يشمل أزل الآزال{[72823]} إلى وقت الإنزال ، ثم ثلث في أول الجمعة والتغابن بالمضارع لأن يفهم مع ما أفهم المصدر والماضي دوام التجدد ، فلما تم ذلك من جميع {[72824]}وجوهه توجه{[72825]} الأمر فخصت به سورته ، وقد مضى في أول الحديد والجمعة ما يتمم هذا .


[1]:- هكذا ثبتت العبارة في النسخة المخزونة بالرباط – المراقش التي جعلناها أصلا وأساسا للمتن، وكذا في نسخة مكتبة المدينة ورمزها "مد" وموضعها في نسخة دار الكتب المصرية ورمزها "م": رب زدني علما يا فتاح.
[2]:- في م ومد: قال أفقر الخلائق إلى عفو الخالق؛ وفي الأصل: أبو إسحاق – مكان: أبو الحسن، والتصحيح من الأعلام للزركلي ج1 ص 50 وعكس المخطوطة أمام ص 56 وهامش الأنساب للسمعاني ج2 ص280.
[3]:- ضبطه في الأعلام بضم الراء وتخفيف الباء.
[4]:- ضبطه الشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني رحمه الله في تعليقه على الأنساب ج2 ص280 وقال: البقاعي يكسر الموحدة وفتح القاف مخففة وبعد الألف عين مهملة بلد معروف بالشام ينسب إليه جماعة أشهرهم الإمام المفسر إبراهيم بن عمر بن حسن الرباط بن علي بن أبي بكر البقاعي أبو الحسن برهان الدين من أجلة أهل القرن التاسع له عدة مؤلفات ولد سنة 809 وتوفي سنة 885 – اهـ.
[5]:- في م ومد: لطف الله بهم أجمعين، إلا أن لفظ "اجمعين" ليس في مد. والعبارة من "وآله" إلى هنا ليست في نسخة المكتبة الظاهرية ورمزها "ظ".
[6]:- في م ومد: لطف الله بهم أجمعين، إلا أن لفظ "اجمعين" ليس في مد. والعبارة من "وآله" إلى هنا ليست في نسخة المكتبة الظاهرية ورمزها "ظ".
[7]:- في م ومد وظ: برسالته.
[8]:- ليس في م ومد وظ.
[9]:- سورة 38 آية 29.
[10]:- في م وظ: اخرجه.
[11]:- ليس في م.
[12]:- ليس في م.
[13]:- في النسخ كلها: لا، وفي البخاري: ما، وقول علي رضي الله عنه نقل من البخاري فأثبتناها.
[72793]:زيدت الواو في الأصل و ظ، ولم تكن الزيادة في م فحذفناها.
[72794]:زيد من ظ و م.
[72795]:زيد من ظ و م.
[72796]:من ظ و م، وفي الأصل: أنه.
[72797]:زيد من ظ و م.
[72798]:زيد من ظ و م.
[72799]:من ظ و م، وفي الأصل: نزل.
[72800]:زيد من ظ و م.من ظ و م، وفي الأصل: قال.
[72801]:زيد من ظ و م.من ظ و م، وفي الأصل: البهات.
[72802]:من ظ و م، وفي الأصل: معترف.
[72803]:في ظ و م: عظيمة جدا جدا قوية شديدة.
[72804]:في ظ و م: عظيمة جدا جدا قوية شديدة.
[72805]:من ظ و م، وفي الأصل: الحال.
[72806]:من ظ و م، وفي الأصل: الجمال والجلال.
[72807]:من ظ و م، وفي الأصل: الجمال والجلال.
[72808]:من ظ و م، وفي الأصل: يربطه.
[72809]:سقط من م.
[72810]:في ظ: يركبها.
[72811]:سقط من م.
[72812]:من ظ و م، وفي الأصل: سبحانه وتعالى بقوله.
[72813]:زيد من ظ و م.
[72814]:من ظ و م، وفي الأصل: المكان.
[72815]:زيد في الأصل: عن، ولم تكن الزيادة في ظ و م فحذفناها.
[72816]:من ظ و م، وفي الأصل: ذكرا.
[72817]:من ظ و م، وفي الأصل: بالتنزيه.
[72818]:من ظ و م، وفي الأصل: بالتنزيه.
[72819]:من ظ و م، وفي الأصل: به عن جميع.
[72820]:من ظ و م، وفي الأصل: به عن جميع.
[72821]:زيد من ظ و م.
[72822]:من ظ و م، وفي الأصل: في ابتداء.
[72823]:من ظ و م، وفي الأصل: الأزل.
[72824]:من م، وفي الأصل: و ظ: أموره.
[72825]:من م، وفي الأصل: و ظ: أموره.