في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{هُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّوكُمۡ عَنِ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ وَٱلۡهَدۡيَ مَعۡكُوفًا أَن يَبۡلُغَ مَحِلَّهُۥۚ وَلَوۡلَا رِجَالٞ مُّؤۡمِنُونَ وَنِسَآءٞ مُّؤۡمِنَٰتٞ لَّمۡ تَعۡلَمُوهُمۡ أَن تَطَـُٔوهُمۡ فَتُصِيبَكُم مِّنۡهُم مَّعَرَّةُۢ بِغَيۡرِ عِلۡمٖۖ لِّيُدۡخِلَ ٱللَّهُ فِي رَحۡمَتِهِۦ مَن يَشَآءُۚ لَوۡ تَزَيَّلُواْ لَعَذَّبۡنَا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡهُمۡ عَذَابًا أَلِيمًا} (25)

18

ثم يحدثهم عن خصومهم ، من هم في ميزان الله ? وكيف ينظر إلى أعمالهم وصدهم للمؤمنين عن بيته الحرام . وكيف ينظر إليهم هم عكس ما ينظر إلى خصومهم المعتدين :

هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام ، والهدي معكوفا أن يبلغ محله ، ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم ، أن تطأوهم ، فتصيبكم منهم معرة بغير علم ليدخل الله في رحمته من يشاء . لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما . إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية ؛ فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين ، وألزمهم كلمة التقوى ، وكانوا أحق بها وأهلها ، وكان الله بكل شيء عليما . .

هم في ميزان الله واعتباره ، الكافرون حقا ، الذين يستحقون هذا الوصف الكريه : ( هم الذين كفروا ) . . يسجله عليهم كأنهم متفردون به ، عريقون في النسبة إليه ، فهم أكره شيء إلى الله الذي يكره الكفر والكافرين ! كذلك يسجل عليهم فعلهم الكريه الآخر ، وهو صدهم للمؤمنين عن المسجد الحرام ، وصد الهدي وتركه محبوسا عن الوصول إلى محل ذبحه المشروع :

( وصدوكم عن المسجد الحرام والهدي معكوفا أن يبلغ محله ) . .

وهي كبيرة في الجاهلية وفي الإسلام . كبيرة في الأديان كلها التي يعرفونها في الجزيرة من لدن أبيهم إبراهيم . كريهة في عرفهم وفي عقيدتهم وفي عقيدة المؤمنين . . فلم يكن إذن كف الله للمؤمنين عنهم بقيا عليهم لأن جرمهم صغير . كلا ! إنما كان ذلك لحكمة أخرى يتلطف الله سبحانه فيكشف عنها للمؤمنين :

( ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم ، أن تطأوهم ، فتصيبكم منهم معرة بغير علم . . )

فلقد كان هنالك بعض المستضعفين من المسلمين في مكة لم يهاجروا ، ولم يعلنوا إسلامهم تقية في وسط المشركين . ولو دارت الحرب ، وهاجم المسلمون مكة ، وهم لا يعرفون أشخاصهم ، فربما وطأوهم وداسوهم وقتلوهم . فيقال : إن المسلمين يقتلون المسلمين ! ويلزمون بدياتهم حين يتبين أنهم قتلوا خطأ وهم مسلمون . .

ثم هنالك حكمة أخرى وهي أن الله يعلم أن من بين الكافرين الذين صدوهم عن المسجد الحرام ، من قسمت له الهداية ، ومن قدر له الله الدخول في رحمته ، بما يعلمه من طبيعته وحقيقته ؛ ولو تميز هؤلاء وهؤلاء لأذن الله للمسلمين في القتال ، ولعذب الكافرين العذاب الأليم :

( ليدخل الله في رحمته من يشاء . لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما ) . .

وهكذا يكشف الله للجماعة المختارة الفريدة السعيدة عن جانب من حكمته المغيبة وراء تقديره وتدبيره .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{هُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّوكُمۡ عَنِ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ وَٱلۡهَدۡيَ مَعۡكُوفًا أَن يَبۡلُغَ مَحِلَّهُۥۚ وَلَوۡلَا رِجَالٞ مُّؤۡمِنُونَ وَنِسَآءٞ مُّؤۡمِنَٰتٞ لَّمۡ تَعۡلَمُوهُمۡ أَن تَطَـُٔوهُمۡ فَتُصِيبَكُم مِّنۡهُم مَّعَرَّةُۢ بِغَيۡرِ عِلۡمٖۖ لِّيُدۡخِلَ ٱللَّهُ فِي رَحۡمَتِهِۦ مَن يَشَآءُۚ لَوۡ تَزَيَّلُواْ لَعَذَّبۡنَا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡهُمۡ عَذَابًا أَلِيمًا} (25)

الهدي : ما يقدَّم قربانا لله في مناسك الحج والعمرة من الأنعام .

معكوفا : محبوسا لهذا الغرض .

محله : المكان الذي يسوغ فيه نحره وهو مِنى .

أن تطؤوهم : أن تقتلوهم .

المعرّة : المكروه والمشقة .

لو تزيّلوا : لو تفرقوا وتميزوا .

بعد أن بين الله أنه كفّ أيدي المؤمنين عن الكافرين ، وكف أيدي الكافرين عن المؤمنين ، ذكر هنا أن المكان هو البيتُ الحرام الذي صدّوا المؤمنين عنه ، فيقول : إن أهل مكة هم الذين كفروا ومنعوكم من دخول المسجِد الحرام ومنعوا الهَدْيَ الذي سُقتموه معكم تقرباً إلى الله من بلوغِ مكانه الذي يُنحر فيه .

ثم وضّح أكثر أن في مكة مؤمنين ومؤمناتٍ لا تعلمونهم ، ولولا كراهةُ أن تصيبوهم فتقتلوهم بغير علم بهم ، فتكونوا قتلتم إخوانكم فيلحقكم من أجل قتلهم { مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ } أيْ عار وخزي - لسلطانكم عليهم .

ثم أكد ميزة هذا الصلح العظيم بقوله تعالى : { لِّيُدْخِلَ الله فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ } أي ليفتح الباب أمام الذين يرغبون في دخول دين الله . وبين بوضوح بأنه لو أمكن تميُّز المسلمين من الكفار في مكة لسلّط المؤمنين على الكافرين ولعاقبهم عقاباً أليما .

 
تفسير الجلالين للمحلي والسيوطي - تفسير الجلالين [إخفاء]  
{هُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّوكُمۡ عَنِ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ وَٱلۡهَدۡيَ مَعۡكُوفًا أَن يَبۡلُغَ مَحِلَّهُۥۚ وَلَوۡلَا رِجَالٞ مُّؤۡمِنُونَ وَنِسَآءٞ مُّؤۡمِنَٰتٞ لَّمۡ تَعۡلَمُوهُمۡ أَن تَطَـُٔوهُمۡ فَتُصِيبَكُم مِّنۡهُم مَّعَرَّةُۢ بِغَيۡرِ عِلۡمٖۖ لِّيُدۡخِلَ ٱللَّهُ فِي رَحۡمَتِهِۦ مَن يَشَآءُۚ لَوۡ تَزَيَّلُواْ لَعَذَّبۡنَا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡهُمۡ عَذَابًا أَلِيمًا} (25)

{ هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدي معكوفا أن يبلغ محله ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطؤهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم ليدخل الله في رحمته من يشاء لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما }

{ هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام } أي عن الوصول إليه { والهدي } معطوف على كم { معكوفاً } محبوساً حال { أن يبلغ محله } أي مكانه الذي ينحر فيه عادة وهو الحرم بدل اشتمال { ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات } موجودون بمكة مع الكفار { لم تعلموهم } بصفة الإيمان { أن تطؤوهم } أي تقتلوهم مع الكفار لو أذن لكم في الفتح بدل اشتمال من هم { فتصيبكم منهم معرة } أي إثم { بغير علم } منكم به وضمائر الغيبة للصنفين بتغليب الذكور ، وجواب لولا محذوف ، أي لأذن لكم في الفتح لكن لم يؤذن فيه حينئذ { ليدخل الله في رحمنه من يشاء } كالمؤمنين المذكورين { لو تزيَّلوا } تميزوا عن الكفار { لعذَّبنا الذين كفروا منهم } من أهل مكة حينئذ بأن فأذن لكم في فتحا { عذاباً أليماً } مؤلماً .