أفما كان من اللياقة والأدب ألا يخصوا الله بمن ينشأ في الحلية والدعة والنعومة ، فلا يقدر على جدال ولا قتال ؛ بينما هم - في بيئتهم - يحتفلون بالفرسان والمقاويل من الرجال ? !
إنه يأخذهم في هذا بمنطقهم ، ويخجلهم من انتقاء ما يكرهون ونسبته إلى الله . فهلا اختاروا ما يستحسنونه وما يسرون له فنسبوه إلى ربهم ، إن كانوا لا بد فاعلين ? !
ومنها : أن الأنثى ناقصة في وصفها ، وفي منطقها وبيانها ، ولهذا قال تعالى : { أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ } أي : يجمل فيها ، لنقص جماله ، فيجمل بأمر خارج عنه ؟ { وَهُوَ فِي الْخِصَامِ } أي : عند الخصام الموجب لإظهار ما عند الشخص من الكلام ، { غَيْرُ مُبِينٍ } أي : غير مبين لحجته ، ولا مفصح عما احتوى عليه ضميره ، فكيف ينسبونهن للّه تعالى ؟
قوله تعالى : { أو من ينشأ } قرأ حمزة والكسائي وحفص : ( ينشأ ) بضم الياء وفتح النون وتشديد الشين ، أي يربى ، وقرأ الآخرون بفتح الياء وسكون النون وتخفيف الشين ، أي ينبت ويكبر ، { في الحلية } في الزينة يعني النساء ، { وهو في الخصام غير مبين } في المخاصمة غير مبين للحجة من ضعفهن وسفههن ، قال قتادة في هذه الآية : فلما تتكلم امرأة فتريد أن تتكلم بحجتها إلا تكلمت بالحجة عليها . { أو من } في محل من ثلاثة أوجه : الرفع على الابتداء ، والنصب على الإضمار ، مجازه : أو من ينشأ في الحلية يجعلونه بنات الله ، والخفض رداً على قوله : مما يخلق ، وقوله : بما ضرب .
الأولى- قوله تعالى : " أومن ينشأ " أي يربى ويشب . والنشوء : التربية ، يقال : نشأت في بني فلان نشأ ونشوءا إذا شببت فيهم . ونشئ وأنشئ بمعنى . وقرأ ابن عباس والضحاك وابن وثاب وحفص وحمزة والكسائي وخلف " ينشأ " بضم الياء وفتح النون وتشديد الشين ، أي يربى ويكبر في الحلية . واختاره أبو عبيد ؛ لأن الإسناد أيها أعلى . وقرأ الباقون " ينشأ " بفتح الياء وإسكان النون ، واختاره أبو حاتم ، أي يرسخ وينبت ، وأصله من نشأ أي ارتفع ، قاله الهروي . ف " ينشأ " متعد ، و " ينشأ " لازم .
الثانية- قوله تعالى : " في الحلية " أي في الزينة . قال ابن عباس وغيره : هن الجواري زيهن غير زي الرجال . قال مجاهد : رخص للنساء في الذهب والحرير ، وقرأ هذه الآية . قال الكيا : فيه دلالة على إباحة الحلي للنساء ، والإجماع منعقد عليه والأخبار فيه لا تحصى .
قلت : روي عن أبي هريرة أنه كان يقول لابنته : يا بنية ، إياك والتحلي بالذهب ! فإني أخاف عليك اللهب .
قوله تعالى : " وهو في الخصام غير مبين " أي في المجادلة والإدلاء بالحجة . قال قتادة : ما تكلمت امرأة ولها حجة إلا جعلتها على نفسها . وفي مصحف عبد الله " وهو في الكلام غير مبين " . ومعنى الآية : أيضاف إلى الله من هذا وصفه ! أي لا يجوز ذلك . وقيل : المنشأ في الحلية أصنامهم التي صاغوها من ذهب وفضة وحلوها ، قاله ابن زيد والضحاك . ويكون معنى " وهو في الخصام غير مبين " على هذا القول : أي ساكت عن الجواب . و " من " في محل نصب ، أي اتخذوا لله من ينشأ في الحلية . ويجوز أن يكون رفعا على الابتداء والخبر مضمر ، قاله الفراء . وتقديره : أو من كان على هذه الحالة يستحق العبادة . وإن شئت قلت خفض ردا إلى أول الكلام وهو قوله : " بما ضرب " أو على " ما " في قوله : " مما يخلق بنات " . وكون البدل في هذين الموضعين ضعيف لكون ألف الاستفهام حائلة بين البدل والمبدل منه .
ولما كان الملك لا يأخذ في جنده إلا من يصلح للجندية بالمجالدة والمجادلة أو بإحداهما ، نبه على إنكار آخر بأن الإناث لا يصلحن لشيء من هذين الوصفين ، فقال معبداً لإنكار الثالث تنبيهاً على أنه بالغ جداً في إثارة الغضب : { أو من } أي اتخذ من لا يرضونه لأنفسهم .
. . لنفسه مع أنفتهم منه واتخذ من { ينشؤا } أي على ما جرت به عوائدكم على قراءة الجماعة ، ومن تنشؤونه وتحلونه بجهدكم على قراءة ضم الباء وتشديد الشين { في الحلية } أي في الزينة فيكون كلا على أبيه لا يصلح لحرب ولا معالجة طعن ولا ضرب { وهو } أي والحال أنه ، وقدم لإفادة الاهتمام قوله : { في الخصام } إذا احتيج إليه { غير مبين } أي لا يحصل منه إبانة مطلقة كاملة لما يريده لنقصان العقل وضعف الرأي بتدافع الحظوظ والشهوات وتمكن السعة ، فلا دفاع عنده بيد ولا لسان .
{ أومن ينشّؤا في الحلية وهو في الخصام غير مبين } من ، في موضع نصب بتقدير فعل . وتقديره : أجعلتم من ينشّأ . وقيل : في موضع رفع مبتدأ ، وخبره محذوف{[4131]} يعني : أو يجعلون لله من يربّى وينشّأ في الزينة من الذهب والحرير وغير ذلك مما تتزين به النساء { وهو في الخصام غير مبين } أي وهو في المجادلة والاحتجاج عند من يخاصمه عاجز عن التحاج أو الإدلاء بالبرهان لضعفه . أفتجعلون من هذه صفاتهن بنات لله وأنتم تستهجنوهم وتأنفون أن يكن لكم .
وقد يتساءل معترض قائلا : إن في النساء من تقدر على المخاصمة ، والمواجهة والتحاجّ أمام الرجال . والجواب أن المراد في المسألة ههنا ، الأغلب ، فلا شك أن غالب النساء أضعف من غالب الرجال في ظواهر شتى منها : شدة البأس ، وقوة العزيمة ، وصلابة الإرادة والأعصاب ، وسعة الأفق في امتداد البصيرة والتفكير ، والقدرة على المحاجّة والتحيّل ، فالنساء في هذه الأوصاف أضعف من الرجال في الغالب . وهن في معظمهن أشد جنوحا للرقة واللين والنعومة والتلبّس بمظاهر الزينة خلافا لأغلب الرجال فهم أميل للغلظة والصلابة والخشونة وأقدر على الخصام .