والآية الثالثة في السياق يجوز أن تكون حكاية لقول الجن ، ويجوز أن تكون من كلام الله ابتداء :
( وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا ) . .
وهي في الحالتين توحي بأن السجود - أو مواضع السجود وهي المساجد - لا تكون إلا لله ، فهناك يكون التوحيد الخالص ، ويتوارى كل ظل لكل أحد ، ولكل قيمة ، ولكل اعتبار . وينفرد الجو ويتمحض للعبودية الخالصة لله . ودعاء غير الله قد يكون بعبادة غيره ؛ وقد يكون بالالتجاء إلى سواه ؛ وقد يكون باستحضار القلب لأحد غير الله .
فإن كانت الآية من مقولات الجن فهي توكيد لما سبق من قولهم : ( ولن نشرك بربنا أحدا )في موضع خاص ، وهو موضع العبادة والسجود . وإن كانت من قول الله ابتداء ، فهي توجيه بمناسبة مقالة الجن وتوحيدهم لربهم ، يجيء في موضعه على طريقة القرآن .
{ وأن المساجد لله } أراد المساجد على الإطلاق وهي بيوت عبادة الله ، وروي : أن الآية نزلت بسبب تغلب قريش على الكعبة ، وقيل : أراد الأعضاء التي يسجد عليها واحدها مسجد بفتح الجيم وهذا بعيد ، وعطف أن المساجد لله على أوحى إلي أنه استمع وقال الخليل : معنى الآية لأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا ، أي : لهذا السبب فلا تعبدوا غير الله .
ولما كان التقدير : لأنه أوحى إليّ أن الأمر على ما تتعارفونه بينكم من أن من خدم غير سيده عذبه أبداً ، عطف عليه قوله مبيناً لسيرة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وما يجب لهم من الكمال الذي يكون بقوتي{[69177]} العلم والعمل ، والتكميل الذي يكون بهما مع قوة البيان ، ومن لم يكن كاملاً لم يتصور منه تكميل ليكون له ولد قلب كما أن من لم يكن{[69178]} بالغاً لم يتحقق منه ولد صلب ، ومبيناً لما يجوز عليهم وما يستحيل منهم وما لله تعالى من العناية بشأنهم : { وأن } أي وأوحى إليّ أن { المساجد } أي مواضع السجود{[69179]} من العالم الآفاقي من الأرض ومن العالم النفسي من الجسد - كما قاله سعيد بن جبير وطلق بن حبيب { لله } أي مختصة{[69180]} بالملك الأعظم { فلا تدعوا } أي بسبب ذلك أيها المخلوقون على وجه العادة { مع الله } أي{[69181]} الذي له جميع العظمة { أحداً * }{[69182]} لأن من تعبد لغير سيده في ملك سيده الذي هو{[69183]} العالم الآفاقي وبآلة سيده الذي هو العالم النفسي كان أشد الناس لوماً وعقوبة فكيف يليق بكم أن يخلق لكم وجهاً ويدين ورجلين وأرضاً تنتفعون بها وسماء تتم نفعها فتسجدون بالأعضاء التي أوجدها لكم في الأرض التي أمكنكم من الانتفاع بها تحت السماء التي أتم منافعها بها لغيره فتكونون قد صرفتم نعمة السيد التي يجب شكره عليها لغيره أيفعل هذا عاقل ؟ قال البغوي{[69184]} : فإن جعلت المساجد مواضع الصلاة فواحدها بكسر الجيم ، وإن جعلتها الأعضاء فواحدها بفتح الجيم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.