في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{خِتَٰمُهُۥ مِسۡكٞۚ وَفِي ذَٰلِكَ فَلۡيَتَنَافَسِ ٱلۡمُتَنَٰفِسُونَ} (26)

ووصفه بأنه مختوم ختامه مسك ، قد يفيد أنه معد في أوانيه ، وأن هذه الأواني مقفلة مختومة ، تفض عند الشراب ، وهذا يلقي ظل الصيانة والعناية ! . كما أن جعل الختم من المسك فيه أناقة ورفاهية ! وهذه الصورة لا يدركها البشر إلا في حدود ما يعهدون في الأرض . فإذا كانوا هنالك كانت لهم أذواق ومفاهيم تناسب تصورهم الطليق من جو الأرض المحدود !

وقبل أن يتم وصف الشراب الذي يجيء في الآيتين التاليتين : ( ومزاجه من تسنيم عينا يشرب بها المقربون ) . . أي أن هذا الرحيق المختوم يفض ختامه ثم يمزج بشيء من هذه العين المسماة : ( تسنيم )التي ( يشرب بها المقربون ) . . قبل أن يتم الوصف يلقي بهذا الإيقاع ، وبهذا التوجيه : ( وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ) . . وهو إيقاع عميق يدل على كثير . . .

إن أولئك المطففين ، الذين يأكلون أموال الناس بالباطل ، ولا يحسبون حساب اليوم الآخر ، ويكذبون بيوم الحساب والجزاء ، ويرين على قلوبهم الإثم والمعصية . . إن هؤلاء إنما يتنافسون في مال أو متاع من متاع الأرض الزهيد . يريد كل منهم أن يسبق إليه ، وأن يحصل على أكبر نصيب منه . ومن ثم يظلم ويفجر ويأثم ويرتكب ما يرتكب في سبيل متاع من متاع الأرض زائل . .

وما في هذا العرض القريب الزهيد ينبغي التنافس . إنما يكون التنافس في ذلك النعيم وفي ذلك التكريم : ( وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ) . . فهو مطلب يستحق المنافسة ، وهو أفق يستحق السباق ، وهو غاية تستحق الغلاب .

والذين يتنافسون على شيء من أشياء الأرض مهما كبر وجل وارتفع وعظم ، إنما يتنافسون في حقير قليل فان قريب . والدنيا لا تزن عند الله جناح بعوضة . ولكن الآخرة ثقيلة في ميزانه . فهي إذن حقيقة تستحق المنافسة فيها والمسابقة . .

ومن عجب أن التنافس في أمر الآخرة يرتفع بأرواح المتنافسين جميعا . بينما التنافس في أمر الدنيا ينحط بها جميعا . والسعي لنعيم الآخرة يصلح الأرض ويعمرها ويطهرها للجميع . والسعي لعرض الدنيا يدع الأرض مستنقعا وبيئا تأكل فيه الديدان بعضها البعض . أو تنهش فيه الهوام والحشرات جلود الأبرار الطيبين !

والتنافس في نعيم الآخرة لا يدع الأرض خرابا بلقعا كما قد يتصور بعض المنحرفين . إنما يجعل الإسلام الدنيا مزرعة الآخرة ، ويجعل القيام بخلافة الأرض بالعمار مع الصلاح والتقوى وظيفة المؤمن الحق . على أن يتوجه بهذه الخلافة إلى الله ، ويجعل منها عبادة له تحقق غاية وجوده كما قررها الله - سبحانه - وهو يقول : وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون .

وإن قوله ( وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ) . . لهو توجيه يمد بأبصار أهل الأرض وقلوبهم وراء رقعة الأرض الصغيرة الزهيدة ، بينما هم يعمرون الأرض ويقومون بالخلافة فيها . ويرفعها إلى آفاق أرفع وأطهر من المستنقع الآسن بينما هم يطهرون المستنقع وينظفونه !

إن عمر المرء في هذه العاجلة محدود ، وعمره في الآجلة لا يعلم نهايته إلا الله . وإن متاع هذه الأرض في ذاته محدود . ومتاع الجنة لا تحده تصورات البشر . وإن مستوى النعيم في هذه الدنيا معروف ومستوى النعيم هناك يليق بالخلود ! فأين مجال من مجال ? وأين غاية من غاية ? حتى بحساب الربح والخسارة فيما يعهد البشر من الحساب ? !

ألا إن السباق إلى هناك . . ( وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ) . .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{خِتَٰمُهُۥ مِسۡكٞۚ وَفِي ذَٰلِكَ فَلۡيَتَنَافَسِ ٱلۡمُتَنَٰفِسُونَ} (26)

ختامه مسك : مختوم بأطيب أنواع الطيب .

فلْيتنافس المتنافسون : فليتسابق المتسابقون في عمل الخير ليلحقوا بهم .

الذي خُتمت أوانيه بختام من مِسْكٍ ، تكريما لها وصوناً عن الابتذال ،

{ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ المتنافسون } ويتسابقوا .

قراءات :

قرأ الجمهور : ختامه مسك ، وقرأ الكسائي وحده : خاتمه مسك ، وقرأ الجمهور : تعرف بكسر الراء .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{خِتَٰمُهُۥ مِسۡكٞۚ وَفِي ذَٰلِكَ فَلۡيَتَنَافَسِ ٱلۡمُتَنَٰفِسُونَ} (26)

ذلك الشراب { خِتَامُهُ مِسْكٌ } يحتمل أن المراد مختوم عن أن يداخله شيء ينقص لذته ، أو يفسد طعمه ، وذلك الختام ، الذي ختم به ، مسك .

ويحتمل أن المراد أنه [ الذي ] يكون في آخر الإناء ، الذي يشربون منه الرحيق حثالة ، وهي المسك الأذفر ، فهذا الكدر منه ، الذي جرت العادة في الدنيا أنه يراق ، يكون في الجنة بهذه المثابة ، { وَفِي ذَلِكَ } النعيم المقيم ، الذي لا يعلم حسنه ومقداره إلا الله ، { فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ } أي : يتسابقوا في المبادرة إليه بالأعمال الموصلة إليه ، فهذا أولى ما بذلت فيه نفائس الأنفاس ، وأحرى ما تزاحمت للوصول إليه فحول الرجال .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{خِتَٰمُهُۥ مِسۡكٞۚ وَفِي ذَٰلِكَ فَلۡيَتَنَافَسِ ٱلۡمُتَنَٰفِسُونَ} (26)

{ ختامه مسك } يعني إذا فني ما في الكأس وانقطع الشراب يختم ذلك الشراب برائحة المسك { وفي ذلك فليتنافس المتنافسون } فليرغب الراغبون بالمبادرة إلى طاعة الله عز وجل

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{خِتَٰمُهُۥ مِسۡكٞۚ وَفِي ذَٰلِكَ فَلۡيَتَنَافَسِ ٱلۡمُتَنَٰفِسُونَ} (26)

وقرأ علي وعلقمة وشقيق والضحاك وطاوس والكسائي " خاتمه " بفتح الخاء والتاء وألف بينهما . قاله علقمة : أما رأيت المرأة تقول للعطار : أجعل خاتمه مسكا ، تريد آخره . والخاتم والختام متقاربان في المعنى ، إلا أن الخاتم الاسم ، والختام المصدر . قاله الفراء . وفي الصحاح : والختام : الطين الذي يحتم به . وكذا قال مجاهد وابن زيد : ختم إناؤه بالمسك بدلا من الطين . حكاه المهدوي . وقال الفرزدق :

وبِتُّ أفُضُّ أغلاقَ الخِتَامِ{[15860]}

وقال الأعشى :

وأبرزها وعليها خَتَمْ{[15861]}

أي عليها طينة مختومة ، مثل نفض بمعنى منفوض ، وقبض بمعنى مقبوض . وذكر ابن المبارك وابن وهب ، واللفظ لابن وهب ، عن عبد الله بن مسعود في قوله تعالى : " ختامه مسك " : خلطه ، ليس بخاتم يختم ، ألا ترى إلى قول المرأة من نسائكم : إن خلطه من الطيب كذا وكذا . إنما خلطه مسك . قال : شراب أبيض مثل الفضة يختمون به آخر أشربتهم ، لو أن رجلا من أهل الدنيا أدخل فيه يده ثم أخرجها ، لم يبق ذو روح إلا وجد ريح طيبها . وروى أبي بن كعب قال : قيل يا رسول الله ما الرحيق المختوم ؟ قال : ( غدران الخمر ) . وقيل : مختوم في الآنية ، وهو غير الذي يجري في الأنهار . فالله أعلم . " وفي ذلك " أي وفي الذي وصفناه من أمر الجنة " فليتنافس المتنافسون " أي فليرغب الراغبون يقال : نفست عليه الشيء أنفسه نفاسة : أي ضننت به ، ولم أحب أن يصير إليه . وقيل : الفاء بمعنى إلى ، أي وإلى ذلك فليتبادر المتبادرون في العمل . نظيره : " لمثل هذا فليعمل العاملون " .


[15860]:صدر البيت: *فبتن جنابتى مصرعات *
[15861]:صدره: * وصهباء طاف يهوديها *
 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{خِتَٰمُهُۥ مِسۡكٞۚ وَفِي ذَٰلِكَ فَلۡيَتَنَافَسِ ٱلۡمُتَنَٰفِسُونَ} (26)

{ ختامه مسك } وقرئ ختامه بألف بعد التاء ، وخاتمه بألف بعد الخاء وبفتح التاء وكسرها وفي معناه ثلاثة أقوال :

أحدها : أنه من الختم على الشيء ، بمعنى : جعل الطابع عليه فالمعنى : أنه ختم على فم الإناء الذي هو فيه بالمسك كما يختم على أفواه آنية الدنيا بالطين إذا قصد حفظها ، وصيانتها .

الثاني : أنه من ختم الشيء أي : تمامه فمعناه : خاتم شربه مسك أي : يجد الشارب عند آخر شربه رائحة المسك ولذته .

الثالث : أن معناه : مزاجه مسك أي : يمزج الشراب بالمسك ، وهذا خارج عن اشتقاق اللفظ .

{ وفي ذلك فليتنافس المتنافسون } التنافس في الشيء هو الرغبة فيه ، والمغالاة في طلبه والتزاحم عليه .