فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{خِتَٰمُهُۥ مِسۡكٞۚ وَفِي ذَٰلِكَ فَلۡيَتَنَافَسِ ٱلۡمُتَنَٰفِسُونَ} (26)

{ ختامه مسك } أي آخر طمعه إذا رفع الشارب فاه من آخر شرابه وجد ريحه كريح المسك ، وقيل مختوم أوانيه من الأكواب والأباريق بمسك مكان الطين ، وكأنه تمثيل لكمال نفاسته وطيب رائحته .

والحاصل أن المختوم والختام إما أن يكون من ختام الشيء وهو آخره أو من ختم الشيء وهو جعل الخاتم عليه كما تختم الأشياء بالطين ونحوه .

وقال ابن مسعود : الرحيق الخمر والمختوم يجدون عاقبتها طعم المسك ، وعنه { مختوم } ممزوج { ختامه مسك } قال طعمه في ريحه ، وقيل يمزج لهم بالكافور ، ويختم لهم بالمسك .

وقال ابن عباس رحيق خمر ومختوم ختم بالمسك .

عن ابن مسعود قال : ليس بخاتم فيختم به ولكن خلطه بمسك ، ألم تر إلى المرأة من نسائكم تقول خلطة من الطيب كذا كذا ، وعن أبي الدرداء ختامه مسك قال هو شراب أبيض مثل الفضة يختمون به آخر شرابهم ، ولو أن رجلا من أهل الدنيا أدخل أصبعه فيه ثم أخرجها لم يبق ذو روح إلا وجد ريحها .

قرأ الجمهور { ختامه } وقرئ { خاتمه } بفتح الخاء قال علقمة أما رأيت المرأة تقول للعطار إجعل خاتمه مسكا أي آخره ، والخاتم والختام يتقاربان في المعنى إلا أن الخاتم الاسم والختام المصدر ، كذا قال الفراء ، وقال في الصحاح : والختام الطين الذي يختم به ، وكذا قال ابن زيد .

{ وفي ذلك } الرحيق الموصوف بتلك الصفة { فليتنافس المتنافسون } أي فليرغب الراغبون وقيل أن " في " بمعنى إلى أي وإلى ذلك فليتبادر المتبادرون في العمل ، كما في قوله { لمثل هذا فليعمل العاملون } وأصل التنافس التشاجر على الشيء والتنازع فيه بأن يحب كل واحد أن ينفرد به دون صاحبه .

يقال نفست الشيء عليه نفاسة أي ضننت به ولم أحب أن يصير إليه ، قال البغوي أصله من الشيء النفيس الذي تحرص عليه نفوس الناس فيريده كل واحد لنفسه وينفس به على غيره أي يضن به ، قال عطاء المعنى فليستبق المستبقون ، وقال مقاتل بن سليمان فليتنازع المتنازعون ، وذا لا يكون إلا بالمسارعة إلى الخيرات ، والانتهاء عن السيئات ، وقال الزمخشري فليرتقب المرتقبون والمعنى في الجميع واحد .