اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{خِتَٰمُهُۥ مِسۡكٞۚ وَفِي ذَٰلِكَ فَلۡيَتَنَافَسِ ٱلۡمُتَنَٰفِسُونَ} (26)

قوله : { خِتَامُهُ } أي : طينة مسك .

قال ابن زيد : ختامه عند الله مسك ، وختام الدنيا طين .

وقرأ الكسائي{[59623]} : «خَاتَمهُ » بفتح التاء بعد الألف .

والباقون : بتقديمها على الألف .

فوجه قراءة الكسائي : أنه جعله اسماً لما يختم به الكأس ، بدليل قوله : «مَخْتُوم » . ثم بين الخاتم ما هو ، فروي عن الكسائي أيضاً : كسر التاء ، فيكون كقوله تعالى : { وَخَاتَمَ النبيين } [ الأحزاب : 40 ] ، والمعنى : خاتم رائحته مسك ووجه قراءة الجماعة : أن الختام هو الطين الذي يختم به الشيء ، فجعل بدله المسك .

قال الشاعر : [ الوافر ]

5130- كَأَنَّ مُشعْشَعاً مِنْ خَمْرِ بُصْرَى*** نَمَتْهُ البَحْتُ مَشْدُودَ الخِتَامِ{[59624]}

وقيل : خلطه ومزاجه .

وقيل : خاتمته أي : مقطع شربه يجد الإنسان فيه ريح المسك .

قيل : سُمِّي المسك مسْكاً ؛ لأن الغزال يُمسكه في سُرَّته ، والمساكةُ : البُخْلُ وحبس المال ، يقال : رجل مَسِيكٌ لبخله ، والمَسْكُ : الجلد لإمساكه ما فيه ، والمَاسِكَة : التي أخطأت خافضتُها فأصابت من مسكها غير موضع الختان ، والمَسَكة : سوار من قرن أو عاجٍ لتماسكه والمسكة - بضم الميم - : الشَّيء القليل ، يقال : ما له مُسْكَة ، أي : عقل .

قوله تعالى : { وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ المتنافسون } . التَّنافسُ : المُغالبة في الشيء النفيس ، يقال : نفستُه به نفاسة ، أي : بخلت به ، وأصله من النَّفْسِ لعزتها .

قال الواحديّ : نفستُ الشيء أنفسُه نفاسةً : بَخِلْتُ به .

وقال البغوي{[59625]} : وأصله من الشيء النَّفِيس أي : تحرص عليه نفوس النَّاس ، ويريده كل واحد لنفسه ، وينفس به على غيره أي : يضنّ ، والمعنى : وفي ذلك فليرغب الراغبون بالمبادرة إلى طاعة الله تعالى .

وقال مجاهد : فليعمل العاملون{[59626]} ، كقوله تعالى : { لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ العاملون } [ الصافات : 61 ] .

وقال عطاء : فليستبق المستبقون{[59627]} .

وقال مقاتلُ بن سليمان : فليتنازع المتنازعون{[59628]} .


[59623]:ينظر: الحجة للقراء السبعة 6/386 -387، وإعراب القراءات 2/451، وحجة القراءات 754.
[59624]:يروى البيت برواية: فبتن جنابتي مصوعات *** وبت أفض أغلاق الختام ينظر معاني القرآن للفراء 3/348، واللسان (ختم)، (غلق)، والقرطبي 19/974، والبحر 8/434، والدر المصون 6/494.
[59625]:ينظر: معالم التنزيل (4/461).
[59626]:ينظر المصدر السابق وذكره الماوردي في "تفسيره" (6/231).
[59627]:ينظر المصدر السابق.
[59628]:ينظر المصدر السابق.