الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{خِتَٰمُهُۥ مِسۡكٞۚ وَفِي ذَٰلِكَ فَلۡيَتَنَافَسِ ٱلۡمُتَنَٰفِسُونَ} (26)

{ خِتَامُهُ } طينة { مِسْكٌ } قال ابن زيد : ختامه عند الله سبحانه : مسّك وختامها اليوم في الدنيا طين ، وقال ابن مسعود : مختوم ممزوج ، ختامه خلطو مسك ، وقال علقمة : طعمه وريحه مسك ، وقال الآخرون : عاقبته وآخر طعمه مسك ، قال قتادة : يمزج لهم بالكافور ويختم بالمسك ، وروى عبد الرحمن بن سابط عن أبي الدرداء في قوله سبحانه { خِتَامُهُ مِسْكٌ } قال : شراب أبيض مثل الفضة يختمون به شرابهم ولو أن رجلا من أهل الدنيا أدخل إصبعه فيه ثم أخرجها لم يبق ذو روح إلاّ وجد طيبها .

وختم كلّ شيء الفراغ منه ، ومنه ختم القرآن ، والأعمال بخواتيمها ، وقراءة العامة ( ختامه ) بتقديم التاء وقرأ الكسائي ( خاتمه ) وهي قراءة علي وعلقمة .

أخبرنا محمد بن عبدوس قال : حدّثنا محمد بن يعقوب قال : أخبرنا محمد بن الجهم قال : أخبرنا يحيى بن زرارة الفراء قال : حدّثني محمد بن الفضل عن عطاء بن السائب عن أبي عبدالرحمن أنه قرأ خاتمه مسك .

وباسناده عن الفراء قال : حدّثني أبو الأحوص عن أشعث بن أبي الشعثاء المحاربي قال : قرأ علقمة بن قيس ( خاتمه مسك ) وقال : أما رأيت المرأة تقول للعطار : اجعل لي خاتمه مسكاً ، تريد آخره ، والخاتم والختام واحد كما يقال للرجل الكريم : الطابع والطباع ، وقال الفرزدق :

فبتن بجانبي مصّرعات *** وبتّ أفضُ أغلاق الختام

{ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ } فليرغب الراغبون بالمبادرة إلى طاعة الله ، وقال مجاهد فليعمل العاملون ، نظيره قوله سبحانه :

{ لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ } [ السجدة : 17 ] ، مقاتل بن سليمان : فليتنازع المتنازعون ، ابن حيان : فليتسارع المتسارعون ، عطا : فليستبق المتسابقون ، زيد بن أسلم : فليتشاح المتشاحون ، ابن جرير : فليجدوا في طلبه وليحرصوا عليه ، وأصله من الشيء النفيس ، وهو الذي تحرص عليه نفوس الناس ، ويطلبه ويتمناه ويريده كل واحد منهم لنفسه وينفس به على غيره أي يضنُ .