إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{خِتَٰمُهُۥ مِسۡكٞۚ وَفِي ذَٰلِكَ فَلۡيَتَنَافَسِ ٱلۡمُتَنَٰفِسُونَ} (26)

{ مخْتُومٍ * ختامه مِسْكٌ } أي مختومٌ أوانيه وأكوابُه بالمسكِ مكانَ الطينِ ولعلَّه تمثيلٌ لكمالِ نفاستِه ، وقيل : ختامُه مسكٌ أي مقطعُه رائحةُ مسكٍ . وقُرِئَ خَاتَمهُ بفتحِ التاء وكسرِها أي ما يُختم به ويُقطع . { وَفِي ذَلِكَ } إشارةٌ إلى الرحيقِ وهو الأنسبُ لما بعدَهُ أو إلى ما ذُكرَ من أحوالِهم . وما فيهِ من مَعْنى البُعدِ إما للإشعارِ بعلوِّ مرتبتِه وبُعد منزلتِه أو لكونِه في الجنةِ أي في ذلكَ خاصَّةً دونَ غيرِه { فَلْيَتَنَافَسِ المتنافسون } أي فليرغبْ الراغبونَ بالمبادرة إلى طاعة الله وقيلَ : فليعملِ العاملونَ كقولِه تعالى : { لِمِثْلِ هذا فَلْيَعمَلِ العاملون } [ سورة الصافات ، الآية 61 ] وقيل : فليستبقِ المستبقونَ وأصلُ التنافسِ التغالبُ في الشيء النفيسِ وأصلُه من النفس لعزتها قال الواحديُّ : نفستُ الشيءَ أنفسُه نفاسةً ، والتنافسُ تفاعلٌ منه كأنَّ كلَّ واحدٍ من الشخصينِ يريدُ أنْ يستأثرَ به . وقال البغويُّ : وأصلُه من الشيءِ النفيسِ الذي يحرصُ عليه نفوسُ الناسِ ويريدُه كلُّ أحدٍ لنفسِه وينفسُ به على غيرِه أي يضنّ بهِ .