فذلك أخذ الآخرة وهذا أخذ الدنيا ؛ فكيف تنجون بأنفسكم وتقوها هذا الهول الرعيب ?
( فكيف تتقون - إن كفرتم - يوما يجعل الولدان شيبا السماء منفطر به ? ) . .
وإن صورة الهول هنا لتنشق لها السماء ، ومن قبل رجفت لها الأرض والجبال . وإنها لتشيب الولدان . وإنه لهول ترتسم صوره في الطبيعة الصامتة ، وفي الإنسانية الحية . . في مشاهد ينقلها السياق القرآني إلى حس المخاطبين كأنها واقعة . . ثم يؤكدها تأكيدا . ( كان وعده مفعولا ) . . واقعا لا خلف فيه . وهو ما شاء فعل وما أراد كان !
قوله تعالى : " السماء منفطر به " أي متشققة لشدته . ومعنى " به " أي فيه ؛ أي في ذلك اليوم لهوله . هذا أحسن ما قيل فيه . ويقال : مثقلة به إثقالا يؤدي إلى انفطارها لعظمته عليها وخشيتها من وقوعه ، كقوله تعالى : " ثقلت في السموات والأرض " [ الأعراف : 187 ] . وقيل : " به " أي له ، أي لذلك اليوم ، يقال : فعلت كذا بحرمتك ولحرمتك ، والباء واللام وفي : متقاربة في مثل هذا الموضع ، قال الله تعالى : " ونضع الموازين القسط ليوم القيامة " [ الأنبياء : 47 ] أي في يوم القيامة . وقيل : " به " أي بالأمر أي السماء منفطر بما يجعل الولدان شيبا . وقيل : منفطر بالله ، أي بأمره ، وقال أبو عمرو بن العلاء : لم يقل منفطرة ؛ لأن مجازها{[15530]} السقف ، تقول : هذا سماء البيت ، قال الشاعر :
فلو رَفَعَ السماءُ إليه قومًا *** لحِقْنَا بالسماء وبالسَّحَابِ
وفي التنزيل : " وجعلنا السماء سقفا محفوظا " [ الأنبياء : 32 ] . وقال الفراء : السماء يذكر ويؤنث . وقال أبو علي : هو من باب الجراد المنتشر ، والشجر الأخضر ، و " أعجاز نخل منقعر " [ القمر : 20 ] . وقال أبو علي أيضا : أي السماء ذات انفطار ، كقولهم : امرأة مرضع ، أي ذات إرضاع ، فجرى على طريق النسب . " كان وعده " أي بالقيامة والحساب والجزاء " مفعولا " كائنا لا شك فيه ولا خلف . وقال مقاتل : كان وعده بأن يظهر دينه على الدين كله .
ولما كان هذا أمراً عظيماً ، صور بعض أهواله زيادة في عظمه فقال{[69565]} : { السماء } أي على عظمها وعلوها وشدة إحكامها . ولما كان المراد الجنس{[69566]} الشامل للكل ذكر فقال : { منفطر } أي منشق متزايل من هيبة الرب تزايل المتفرط من السلك ، ولو أنث لكان ظاهراً في واحدة من السماوات ، وفي اختيار التذكير أيضاً لطيفة أخرى ، وهي إفهام الشدة الزائدة في الهول المؤدي إلى انفطاره{[69567]} ما هو في غاية الشدة لأن الذكر في كل شيء أشد من الأنثى ، وذلك كله تهويلاً لليوم المذكور{[69568]} { به } أي بشدة ذلك اليوم وباؤه للآلة ، ويجوز كونها بمعنى " فيه " أي يحصل فيه التفطر والتشقق بالغمام ونزول الملائكة وغير ذلك من التساقط والوهي على شدة وثاقتها{[69569]} فما ظنك بغيرها .
ولما كان هذا عظيماً ، استأنف بيان هوانه{[69570]} بالنسبة إلى عظمته سبحانه وتعالى فقال : { كان } أي على كل-{[69571]} حال وبكل اعتبار { وعده } أي وعد الله الذي تقدم ذكره في مظاهر العظمة ، فالإضافة للمصدر على الفاعل { مفعولاً * } أي سهلاً مفروغاً{[69572]} منه في أي شيء كان ، فكيف إذا كان بهذا اليوم الذي هو محط الحكمة ، أو الضمير لليوم فالإضافة إلى المفعول ، إشارة إلى أن الوعد الواقع به وفيه لا بد منه ، ومعلوم أنه لا يكون إلا من الله .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.