في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَئِن سَأَلۡتَهُم مَّنۡ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُۚ قُلۡ أَفَرَءَيۡتُم مَّا تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ إِنۡ أَرَادَنِيَ ٱللَّهُ بِضُرٍّ هَلۡ هُنَّ كَٰشِفَٰتُ ضُرِّهِۦٓ أَوۡ أَرَادَنِي بِرَحۡمَةٍ هَلۡ هُنَّ مُمۡسِكَٰتُ رَحۡمَتِهِۦۚ قُلۡ حَسۡبِيَ ٱللَّهُۖ عَلَيۡهِ يَتَوَكَّلُ ٱلۡمُتَوَكِّلُونَ} (38)

36

ثم يقرر هذه الحقيقة في صورة أخرى منتزعة من منطقهم هم أنفسهم ، ومن واقع ما يقررونه من حقيقة الله في فطرتهم :

( ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ? ليقولن الله . قل . أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره ? أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته ? قل : حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون ) . .

لقد كانوا يقررون - حين يسألون - أن الله هو خالق السماوات والأرض . وما تملك فطرة أن تقول غير هذا ، وما يستطيع عقل أن يعلل نشأة السماوات والأرض إلا بوجود إرادة عليا . فهو يأخذهم ويأخذ العقلاء جميعاً بهذه الحقيقة الفطرية الواضحة . . إذا كان الله هو خالق السماوات والأرض . فهل يملك أحد أو شيء في هذه

السماوات والأرض أن يكشف ضراً أراد الله أن يصيب به عبداً من عباده ? أم يملك أحد أو شيء في هذه السماوات والأرض أن يحبس رحمة أراد الله أن تنال عبداً من عباده ?

والجواب القاطع : أن لا . . فإذا تقرر هذا فما الذي يخشاه داعية إلى الله ? ما الذي يخشاه وما الذي يرجوه ? وليس أحد بكاشف الضر عنه ? وليس أحد بمانع الرحمة عنه ? وما الذي يقلقه أو يخيفه أو يصده عن طريقه ?

إنه متى استقرت هذه الحقيقة في قلب مؤمن فقد انتهى الأمر بالنسبة إليه . وقد انقطع الجدل . وانقطع الخوف وانقطع الأمل . إلا في جناب الله سبحانه . فهو كاف عبده وعليه يتوكل وحده :

( قل : حسبي الله . عليه يتوكل المتوكلون ) . .

ثم إنها الطمأنينة بعد هذا والثقة واليقين . الطمأنينة التي لا تخاف . والثقة التي لا تقلق . واليقين الذي لا يتزعزع . والمضي في الطريق على ثقة بنهاية الطريق :

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{وَلَئِن سَأَلۡتَهُم مَّنۡ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُۚ قُلۡ أَفَرَءَيۡتُم مَّا تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ إِنۡ أَرَادَنِيَ ٱللَّهُ بِضُرٍّ هَلۡ هُنَّ كَٰشِفَٰتُ ضُرِّهِۦٓ أَوۡ أَرَادَنِي بِرَحۡمَةٍ هَلۡ هُنَّ مُمۡسِكَٰتُ رَحۡمَتِهِۦۚ قُلۡ حَسۡبِيَ ٱللَّهُۖ عَلَيۡهِ يَتَوَكَّلُ ٱلۡمُتَوَكِّلُونَ} (38)

حسبي : كافيني .

من دونه : الأصنام .

بعد أن بين الله تعالى حال المؤمنين في الجنة ، حيث يتمتعون بنعيمها ويؤتيهم الله ما يشاؤون ، يؤكد هنا أنه يكفيهم في الدنيا ما أهمَّهم ، ولا يضيرهم ما يخوّفهم به المشركون من غضب الأوثان وما يعبدون من آلهة مزيفة . فالأمور كلها بيد الله . كذلك بيّن أن قول المشركين يخالف فعلهم ، فحين تسألهم : من خلق السموات والأرض ؟ يقولون : الله ، وهم مع ذلك يعبدون غيره .

ثم يسألهم سؤال تعجيز : { أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ الله إِنْ أَرَادَنِيَ الله بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ ؟ } كلا ، طبعا . وما دامت هذه الأصنام لا تنفع ولا تضر ، فقل يا محمد : { قُلْ حَسْبِيَ الله عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ المتوكلون } .

قراءات :

قرأ أبو عمرو والكسائي عن أبي بكر : { كاشفاتٍ ضره . . . . ممسكاتٍ رحمته } بتنوين كاشفات وممسكات ونصب ضره ورحمته ، والباقون بالإضافة كشافات ضره . . .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{وَلَئِن سَأَلۡتَهُم مَّنۡ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُۚ قُلۡ أَفَرَءَيۡتُم مَّا تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ إِنۡ أَرَادَنِيَ ٱللَّهُ بِضُرٍّ هَلۡ هُنَّ كَٰشِفَٰتُ ضُرِّهِۦٓ أَوۡ أَرَادَنِي بِرَحۡمَةٍ هَلۡ هُنَّ مُمۡسِكَٰتُ رَحۡمَتِهِۦۚ قُلۡ حَسۡبِيَ ٱللَّهُۖ عَلَيۡهِ يَتَوَكَّلُ ٱلۡمُتَوَكِّلُونَ} (38)

ثم بين أنهم مع عبادتهم الأوثان يقرون بأن الخالق هو الله فقال { ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله } الأوثان { إن أرادني الله بضر } بلاء وشدة هل يكشفن ذلك عني { أو أرادني برحمة } نعمة هل يمسكن ذلك عني وهذا بيان أنها لا تنفع ولا تدفع

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَلَئِن سَأَلۡتَهُم مَّنۡ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُۚ قُلۡ أَفَرَءَيۡتُم مَّا تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ إِنۡ أَرَادَنِيَ ٱللَّهُ بِضُرٍّ هَلۡ هُنَّ كَٰشِفَٰتُ ضُرِّهِۦٓ أَوۡ أَرَادَنِي بِرَحۡمَةٍ هَلۡ هُنَّ مُمۡسِكَٰتُ رَحۡمَتِهِۦۚ قُلۡ حَسۡبِيَ ٱللَّهُۖ عَلَيۡهِ يَتَوَكَّلُ ٱلۡمُتَوَكِّلُونَ} (38)

قوله تعالى : " ولئن سألتهم " أي ولئن سألتهم يا محمد " من خلق السماوات والأرض ليقولن الله " بين أنهم مع عبادتهم الأوثان مقرون بأن الخالق هو الله ، وإذا كان الله هو الخالق فكيف يخوفونك بآلهتهم التي هي مخلوقة لله تعالى ، وأنت رسول الله الذي خلقها وخلق السماوات والأرض . " قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله " أي قل لهم يا محمد بعد اعترافهم بهذا " أفرأيتم ما تدعون من دون الله " " إن أرادني الله بضر " بشدة وبلاء " هل هن كاشفات ضره " يعني هذه الأصنام " أو أرادني برحمة " نعمة ورخاء " هل هن ممسكات رحمته " قال مقاتل : فسألهم النبي صلى الله عليه وسلم فسكتوا . وقال غيره : قالوا لا تدفع شيئا قدره الله ولكنها تشفع . فنزلت : " قل حسبي الله " ترك الجواب لدلالة الكلام عليه ؛ يعني فسيقولون لا أي لا تكشف ولا تمسك{[13310]} ف " قل " أنت " حسبي الله " أي عليه توكلت أي اعتمدت و " عليه يتوكل المتوكلون " يعتمد المعتمدون . وقد تقدم الكلام{[13311]} في التوكل .

وقرأ نافع وابن كثير والكوفيون ما عدا عاصما " كاشفات ضره " بغير تنوين . وقرأ أبو عمرو وشيبة وهي المعروفة من قراءة الحسن وعاصم " هل هن كاشفات ضره " . " ممسكات رحمته " بالتنوين على الأصل وهو اختيار أبي عبيد وأبي حاتم ؛ لأنه اسم فاعل في معنى الاستقبال ، وإذا كان كذلك كان التنوين أجود . قال الشاعر :

الضاربونَ عُمَيْراً عن بيوتهم *** بالليل يوم عمير ظالمٌ عادي

ولو كان ماضيا لم يجز فيه التنوين ، وحذف التنوين على التحقيق ، فإذا حذفت التنوين لم يبق بين الاسمين حاجز فخفضت الثاني بالإضافة . وحذف التنوين كثير في كلام العرب موجود حسن ، قال الله تعالى : " هديا بالغ الكعبة " [ المائدة : ] وقال : " إنا مرسلو الناقة " [ القمر :27 ] قال سيبويه : ومثل ذلك " غير محلي الصيد " [ المائدة : 1 ] وأنشد سيبويه :

هل أنت باعثُ دينارٍ لحاجتنا *** أو عَبْدَ ربٍّ أخا عَوْنِ بنِ مِخْرَاقِ

وقال النابغة :

احكم كحكم فتاة الحي إذ نظرت *** إلى حَمَامٍ شَرَاعٍ وارِدِ الثَّمَدِ{[13312]}

معناه واردٍ الثَّمَدَ فحذف التنوين ، مثل " كاشفات ضره " .


[13310]:الزيادة من حاشية الجمل نقلا عن القرطبي.
[13311]:راجع ج 4 ص 189 و ص 253 طبعة أولى أو ثانية.
[13312]:يقول الشاعر للنعمان بن المنذر وكان واجدا عليه: كن حكيما في أمري كحكم زرقاء اليمامة في حزرها للحمام التي مرت طائرة بها. وخبرها مشهور. والشراع: الموضع الذي ينحدر منه إلى الماء والثمد: الماء القليل على وجه الأرض.