في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَمَآ أَمۡوَٰلُكُمۡ وَلَآ أَوۡلَٰدُكُم بِٱلَّتِي تُقَرِّبُكُمۡ عِندَنَا زُلۡفَىٰٓ إِلَّا مَنۡ ءَامَنَ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا فَأُوْلَـٰٓئِكَ لَهُمۡ جَزَآءُ ٱلضِّعۡفِ بِمَا عَمِلُواْ وَهُمۡ فِي ٱلۡغُرُفَٰتِ ءَامِنُونَ} (37)

28

وأياً ما كانت أسباب بسط الرزق وقبضه من عمل الناس ، ومن حكمة الله ، فهي مسألة منفصلة عن أن تكون دليلاً بذاتها على أن المال والرزق والأبناء والمتاع قيم تقدم أو تؤخر عند الله . ولكنها تتوقف على تصرف المبسوط لهم في الرزق أو المضيق عليهم فيه . فمن وهبه الله مالاً وولداً فأحسن فيهما التصرف فقد يضاعف له الله في الثواب جزاء ما أحسن في نعمة الله . وليست الأموال والأولاد بذاتها هي التي تقربهم من الله ؛ ولكن تصرفهم في الأموال والأولاد هو الذي يضاعف لهم في الجزاء :

( وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى . إلا من آمن وعمل صالحاً فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات آمنون .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَمَآ أَمۡوَٰلُكُمۡ وَلَآ أَوۡلَٰدُكُم بِٱلَّتِي تُقَرِّبُكُمۡ عِندَنَا زُلۡفَىٰٓ إِلَّا مَنۡ ءَامَنَ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا فَأُوْلَـٰٓئِكَ لَهُمۡ جَزَآءُ ٱلضِّعۡفِ بِمَا عَمِلُواْ وَهُمۡ فِي ٱلۡغُرُفَٰتِ ءَامِنُونَ} (37)

ثم قال تأكيدا : " وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى " قال مجاهد : أي قربى . والزلفة القربة . وقال الأخفش : أي إزلافا ، وهو اسم المصدر ، فيكون موضع " قربى " نصبا كأنه قال بالتي تقربكم عندنا تقريبا . وزعم الفراء أن التي " تكون للأموال والأولاد جميعا . وله قول آخر وهو مذهب أبي إسحاق الزجاج ، يكون المعنى : وما أموالكم بالتي تقربكم عندنا ، ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى ، ثم حذف خبر الأول لدلالة الثاني عليه . وأنشد الفراء :

نحن بما عندنا وأنت بما *** عندك راضٍ والرأيُ مختلف

ويجوز في غير القرآن : باللتين وباللاتي وباللواتي وباللذين وبالذين ؛ للأولاد خاصة أي لا تزيدكم الأموال عندنا رفعة ودرجة ، ولا تقربكم تقريبا . " إلا من آمن وعمل صالحا " قال سعيد بن جبير : المعنى إلا من آمن وعمل صالحا فلن يضره ماله وولده في الدنيا . وروى ليث عن طاوس أنه كان يقول : اللهم ارزقني الإيمان والعمل ، وجنبني المال والولد ، فإني سمعت فيما أوحيت " وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عدنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحا " .

قلت : قول طاوس فيه نظر ، والمعنى والله أعلم : جنبني المال والولد المطغيين أو اللذين لا خير فيهما ، فأما المال الصالح والولد الصالح للرجل الصالح فنعم هذا وقد مضى هذا في " آل عمران ومريم والفرقان " {[13057]} . و " من " في موضع نصب على الاستثناء المنقطع ، أي لكن من آمن وعمل صالحا فإيمانه وعمله يقربانه مني . وزعم الزجاج أنه في موضع نصب بالاستثناء على البدل من الكاف والميم التي في " تقربكم " . النحاس : وهذا القول غلط ؛ لأن الكاف والميم للمخاطب فلا يجوز البدل ، ولو جاز هذا لجاز : رأيتك زيدا . وقول أبي إسحاق هذا هو قول الفراء . إلا أن الفراء لا يقول بدل لأنه ليس من لفظ الكوفيين ، ولكن قول يؤول إل ذلك ، وزعم أن مثله " إلا من أتى الله بقلب سليم " {[13058]} يكون منصوبا عنده ب " ينفع " . وأجاز الفراء أن يكون " من " في موضع رفع بمعنى : ما هو إلا من أمن ، كذا قال ، ولست أحصل معناه . " فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا " يعني قوله : " من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها " {[13059]} [ الأنعام : 160 ] فالضعف الزيادة ، أي لهم جزاء التضعيف ، وهو من باب إضافة المصدر إلى المفعول . وقيل : لهم جزاء الأضعاف ، فالضعف في معنى الجمع ، وإضافة الضعف إلى الجزاء كإضافة الشيء إلى نفسه ، نحو : حق اليقين ، وصلاة الأولى . أي لهم الجزاء المضعف ، للواحد عشرة إلى ما يريد الله من الزيادة .

وبهذه الآية استدل من فضل الغنى على الفقر . وقال محمد بن كعب : إن المؤمن إذا كان غنيا تقيا أتاه الله أجره مرتين بهذه الآية . قراءة العامة " جزاء الضعف " بالإضافة . وقرأ الزهري ويعقوب ونصر بن عاصم " جزاء " منونا منصوبا " الضعف " رفعا ، أي فأولئك لهم الضعف جزاء ، على التقديم والتأخير . " وجزاء الضعف " على أن يجازوا الضعف . و " جزاء الضعف " مرفوعان ، الضعف بدل من جزاء . وقرأ الجمهور " في الغرفات " على الجمع ، وهو اختيار أبى عبيد ؛ لقوله : " لنبوئنهم من الجنة غرفا " {[13060]} [ العنكبوت : 58 ] . الزمخشري : وقرئ " في الغرفات " بضم الراء وفتحها وسكونها . وقرأ الأعمش ويحيى بن وثاب وحمزة وخلف " في الغرفة " على التوحيد ؛ لقوله تعالى : " أولئك يجزون الغرفة " {[13061]} [ الفرقان : 75 ] . والغرفة قد يراد بها اسم الجمع واسم الجنس . قال ابن عباس : هي غرف من ياقوت وزبرجد ودر وقد مضى بيان ذلك{[13062]} . " آمنون " أي من العذاب والموت والأسقام والأحزان .


[13057]:راجع ج 4 ص 72 و ج 11 ص 80 و ج 13 ص 82 و ص 114 و 359.
[13058]:راجع ج 4 ص 72 و ج 11 ص 80 و ج 13 ص 82 و ص 114 و 359.
[13059]:راجع 7 ص 150.
[13060]:راجع ج 4 ص 72 و ج 11 ص 80 و ج 13 ص 82 و ص 114 و 359.
[13061]:راجع ج 4 ص 72 و ج 11 ص 80 و ج 13 ص 82 و ص 114 و 359.
[13062]:راجع ج 8 ص 204 و ج 13 ص 83 و 359.
 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{وَمَآ أَمۡوَٰلُكُمۡ وَلَآ أَوۡلَٰدُكُم بِٱلَّتِي تُقَرِّبُكُمۡ عِندَنَا زُلۡفَىٰٓ إِلَّا مَنۡ ءَامَنَ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا فَأُوْلَـٰٓئِكَ لَهُمۡ جَزَآءُ ٱلضِّعۡفِ بِمَا عَمِلُواْ وَهُمۡ فِي ٱلۡغُرُفَٰتِ ءَامِنُونَ} (37)

قوله : { وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى } { بِالَّتِي } في موضع نصب خبر ما{[3818]} و { زُلْفَى } وزلفة بمعنى القربة والمنزلة ، و { زُلْفَى } ههنا اسم مصدر ، كأنه قال : بالتي تقربكم عندنا إزلافا{[3819]}

يخاطب الله – جلت قدرته – المترفين الجاحدين المكذبين – على سبيل التوعّد والتهديد – بأن أموالكم هذه التي تفاخرون بها وكذلك أولادكم الذين تُباهون بهم الناس ، كل ذلك لا يقربكم منا أيما قربة ، ولا يقرِّبكم منا سوى الإيمان الصحيح والعمل الصالح المخلص ، وهو قوله سبحانه : { إِلاَّ مَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا } أي إنما يقربكم عندنا زلفى الإيمان بالله إيمانا صحيحا مقرونا بعمل الصالحات . وفي الخبر مما رواه أحمد عن أبي هريرة ( رضي الله عنه ) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله تعالى لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن إنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم " .

وقيل : المعنى أن من آمن وعمل صالحا فلن يضرّه ماله وولده في الدنيا فالمؤمنون الذين يعملون الصالحات تقرِّبُهم أموالهم وأولادهم إلى الله ، وذلك بطاعتهم لله فيما أوتوا وبأدائهم حق الله فيما أعطاهم من أموال .

قوله : { فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا } الضعف في كلام العرب بمعنى المثل ، وهذا هو الأصل ، ثم استعمل الضعف في المثل وما زاد ، وليس للزيادة حد . أي أن الضعف زيادة غير محصورة{[3820]} فالمعنى : أن جزاءهم أن تضاعف لهم حسناتهم ، الواحدة عشرا أو أكثر .

قوله : { وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آَمِنُونَ } المؤمنون الذين يعملون الصالحات جزاؤهم يوم القيامة أن يقيموا في الغرفات من الجنة ، وقيل : إنها غرف من الياقوت والدّر يقيم فيها الذين كتبت لهم السعادة والنجاة ليكونوا فيها آمنين من الموت أو العذاب أو الأسقام والأحزان .


[3818]:البيان لابن الأنباري ج 2 ص 282
[3819]:مختار الصحاح ص 273 والبيان لابن الأنباري ج 2 ص 282
[3820]:المصباح المنير ج 2 ص 7