بعد ذلك يبين الله لرسوله [ صلى الله عليه وسلم ] ما يحل له من النساء ، وما في ذلك من خصوصية لشخصه ولأهل بيته ، بعدما نزلت آية سورة النساء التي تجعل الحد الأقصى للأزواج أربعا : ( فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع ) . .
وكان في عصمة النبي في هذا الوقت تسع نساء ، تزوج بكل منهن لمعنى خاص . عائشة وحفصة ابنتا صاحبيه أبي بكر وعمر . وأم حبيبة بنت أبي سفيان ، وأم سلمة ، وسودة بنت زمعة ، وزينب بنت خزيمة من المهاجرات اللواتي فقدن أزواجهن وأراد النبي [ صلى الله عليه وسلم ] تكريمهن ، ولم يكن ذوات جمال ولا شباب ، إنما كان معنى التكريم لهن خالصا في هذا الزواج . وزينب بنت جحش وقد علمنا قصة زواجها ، وقد كان هناك تعويض لها كذلك عن طلاقها من زيد الذي زوجها رسول الله منه فلم تفلح الزيجة لأمر قضاه الله تعالى ، وعرفناه في قصتها . ثم جويرية بنت الحارث من بني المصطلق ، وصفية بنت حيي بن أخطب . وكانتا من السبي فأعتقهما رسول الله وتزوج بهما الواحدة تلو الأخرى ، توثيقا لعلاقته بالقبائل ، وتكريما لهما ، وقد أسلمتا بعدما نزل بأهلهما من الشدة .
وكن قد أصبحن ( أمهات المؤمنين )ونلن شرف القرب من رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] واخترن الله ورسوله والدار الآخرة بعد نزول آيتي التخيير . فكان صعبا على نفوسهن أن يفارقهن رسول الله بعد تحديد عدد النساء . وقد نظر الله إليهن ، فاستثنى رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] من ذلك القيد ، وأحل له استبقاء نسائه جميعا في عصمته ، وجعلهن كلهن حلا له ، ثم نزل القرآن بعد ذلك بألا يزيد عليهن أحدا ، ولا يستبدل بواحدة منهن أخرى . فإنما هذه الميزة لهؤلاء اللواتي ارتبطن به وحدهن ، كي لا يحرمن شرف النسبة إليه ، بعدما اخترن الله ورسوله والدار الآخرة . . وحول هذه المبادئ تدور هذه الآيات :
يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن ، وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك ، وبنات عمك وبنات عماتك ، وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك ، وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها ، خالصة لك من دون المؤمنين ، قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم ، لكي لا يكون عليك حرج ، وكان الله غفورا رحيما . ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء ، ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك . ذلك أدنى أن تقر أعينهن ولا يحزن ويرضين بما آتيتهن كلهن ، والله يعلم ما في قلوبكم وكان الله عليما حليما . لا يحل لك النساء من بعد ، ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن - إلا ما ملكت يمينك - وكان الله على كل شيء رقيبا . .
ففي الآية يحل الله للنبي [ صلى الله عليه وسلم ] أنواع النساء المذكورات فيها - ولو كن فوق الأربع - مما هو محرم على غيره . وهذه الأنواع هي : الأزواج اللواتي أمهرهن . وما ملكت يمينه إطلاقا من الفيء ، وبنات عمه وبنات عماته وبنات خاله وبنات خالاته ممن هاجرن معه دون غيرهن ممن لم يهاجرن - إكراما للمهاجرات - وأيما امرأة وهبت نفسها للنبي بلا مهر ولا ولي . إن أراد النبي نكاحها [ وقد تضاربت الروايات حول ما إذا كان النبي [ صلى الله عليه وسلم ] قد تزوج واحدة من هذا الصنف من النساء أم لم يتزوج ، والأرجح أنه زوج اللواتي عرضن أنفسهن عليه من رجال آخرين ] وقد جعل الله هذه خصوصية للنبي [ صلى الله عليه وسلم ] بما أنه ولي المؤمنين والمؤمنات جميعا . فأما الآخرون فهم خاضعون لما بينه الله وفرضه عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم . ذلك كي لا يكون على النبي حرج في استبقاء أزواجه وفي الاستجابة للظروف الخاصة المحيطة بشخصه .
الأولى- روى السدي عن أبي صالح عن أم هانئ بنت أبى طالب قالت : خطبني رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتذرت{[12865]} إليه فعذرني ، ثم أنزل الله تعالى : " إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك " قالت : فلم أكن أحل له ؛ لأني لم أهاجر ، كنت من الطلقاء . خرجه أبو عيسى وقال : هذا حديث حسن لا نعرفه إلا من هذا الوجه . قال ابن العربي : وهو ضعيف جدا ، ولم يأت هذا الحديث من طريق صحيح يحتج بها .
الثانية- لما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه فاخترنه ، حرم عليه التزوج بغيرهن والاستبدال بهن ، مكافأة لهن على فعلهن . والدليل على ذلك قوله تعالى : " لا يحل لك النساء من بعد " الآية . وهل كان يحل له أن يطلق واحدة منهن بعه ذلك ؟ فقيل : لا يحل له ذلك عزاء لهن على اختيارهن له . وقيل : كان يحل له ذلك كغيره من النساء ، ولكن لا يتزوج بدلها . ثم نسخ هذا التحريم فأباح له أن يتزوج بمن شاء عليهن من النساء ، والدليل عليه قوله تعالى : " إنا أحللنا لك أزواجك " والإحلال يقتضي تقدم حظر . وزوجاته اللاتي في حياته لم يكن محرمات عليه ، وإنما كان حرم عليه التزويج بالأجنبيات فانصرف الإحلال إليهن ، ولأنه قال في سياق الآية " وبنات عمك وبنات عماتك " الآية . ومعلوم أنه لم يكن تحته أحد من بنات عمه ولا من بنات عماته ولا من بنات خاله ولا من بنات خالاته ، فثبت أنه أحل له التزويج بهذا ابتداء . وهذه الآية وإن كانت مقدمة في التلاوة فهي متأخرة النزول على الآية المنسوخة بها ، كآيتي الوفاة في " البقرة " {[12866]} . وقد اختلف الناس في تأويل قوله تعالى : " إنا أحللنا لك أزواجك " فقيل : المراد بها أن الله تعالى أحل له أن يتزوج كل امرأة يؤتيها مهرها ، قاله ابن زيد والضحاك . فعلى هذا تكون الآية مبيحة جميع النساء حاشا ذوات المحارم . وقيل : المراد أحللنا لك أزواجك ، أي الكائنات عندك ؛ لأنهن قد اخترتك على الدنيا والآخرة . قاله الجمهور من العلماء . وهو الظاهر ؛ لأن قوله : " آتيت أجورهن " ماض ، ولا يكون الفعل الماضي بمعنى الاستقبال إلا بشروط . ومجيء الأم على هذا التأويل ضيقا على النبي صلى الله عليه وسلم . ويؤيد هذا التأويل ما قاله ابن عباس : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتزوج في أي الناس شاء ، وكان يشق ذلك على نسائه ، فلما نزلت . هذه الآية وحرم عليه بها النساء إلا من سمى ، سر نساؤه بذلك .
قلت : والقول الأول أصح لما ذكرناه ويدل أيضا على صحته ما خرجه الترمذي عن عطاء قال : قالت عائشة رضي الله عنها : ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل الله تعالى له النساء . قال : هذا حديث حسن صحيح .
الثالثة-قوله تعالى : " وما ملكت يمينك " أحل الله تعالى السراري لنبيه صلى الله عليه وسلم ولأمته مطلقا ، وأحل الأزواج لنبيه عليه الصلاة والسلام مطلقا ، وأحله للخلق بعدد . " مما أفاء الله عليك " أي رده عليك من الكفار . والغنيمة قد تسمى فيئا ، أي مما أفاء الله عليك من النساء بالمأخوذ على وجه القهر والغلبة .
الرابعة- قوله تعالى : " وبنات عمك وبنات عماتك " أي أحللنا لك ذلك زائدا من الأزواج اللاتي أتيت أجورهن وما ملكت يمينك ، على قول الجمهور ؛ لأنه لو أراد أحللنا لك كل امرأة تزوجت وأتيت أجرها ، لما قال بعد ذلك : " وبنات عمك وبنات عماتك " لأن ذلك داخل فيما تقدم .
قلت : وهذا لا يلزم ، وإنما خص هؤلاء بالذكر تشريفا ، كما قال تعالى : " فيهما فاكهة ونخل ورمان " {[12867]} [ الرحمن : 68 ] . والله أعلم .
الخامسة- قوله تعالى : " اللاتي هاجرن معك " فيه قولان : الأول : لا يحل لك من قرابتك كبنات عمك العباس وغيره من أولاد عبد المطلب ، وبنات أولاد بنات عبد المطلب ، وبنات الخال من ولد بنات عبد مناف بن زهرة إلا من أسلم ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر ما نهى الله تعالى عنه ) .
الثاني : لا يحل لك منهن إلا من هاجر إلى المدينة ، لقوله تعالى . " والذين آمنوا ولم يهاجروا مالكم من ولايتهم من شيء . حتى يهاجروا " {[12868]} ومن لم يهاجر لم يكمل ، ومن لم يكمل لم يصلح للنبي صلى الله عليه وسلم الذي كمل وشرف وعظم ، صلى الله عليه وسلم .
السادسة- قوله تعالى " معك " المعية هنا الاشتراك في الهجرة لا في الصحة فيها ، ومن هاجر حل له ، كان في صحبته إذ هاجر أو لم يكن . يقال : دخل فلان معي وخرج معي ، أي كان عمله كعملي لأن لم يقترن فيه عملكما . ولو قلت : خرجنا معا لاقتضى ذلك المعنيين جميعا : الاشتراك في الفعل ، والاقتران فيه .
السابعة- ذكر الله تبارك وتعالى العم فردا والعمات جمعا . وكذلك قال : " خالك " ، " وخالاتك " والحكمة في ذلك : أن العم والخال في الإطلاق اسم جنس كالشاعر والراجز ، وليس كذلك العمة والخالة . وهذا عرف لغوي ، فجاء الكلام عليه بغاية البيان لرفع الإشكال ، وهذا دقيق فتأملوه ، قاله ابن العربي .
الثامنة- قوله تعالى : " وامرأة مؤمنة " عطف على " أحللنا " المعنى وأحللنا كل امرأة تهب نفسها من غير صداق . وقد اختلف في هذا المعنى ، فروي عن ابن عباس أنه قال : لم تكن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة إلا بعقد نكاح أو ملك يمين . فأما الهبة فلم يكن عنده منهن أحد . وقال قوم : كانت عنده موهوبة .
قلت : والذي في الصحيحين يقوي هذا القول ويعضده ، روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : كنت أغار على اللاتي وهبن أنفسهن لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأقول : أما تستحي امرأة تهب نفسها لرجل ! حتى أنزل الله تعالى " ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء " [ الأحزاب : 51 ] فقلت : والله ما أرى ربك إلا يسارع في هواك . وروى البخاري عن عائشة أنها قالت : كانت خولة بنت حكيم من اللائي وهبن أنفسهن لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدل هذا على أنهن كن غير واحدة . والله تعالى أعلم .
الزمخشري : وقيل الموهبات أربع : ميمونة بنت الحارث ، وزينب بنت خزيمة أم المساكين الأنصارية ، وأم شريك بنت جابر ، وخولة بنت حكيم .
قلت : وفي بعض هذا اختلاف . قال قتادة : هي ميمونة بنت الحارث . وقال الشعبي : هي زينب بنت خزيمة أم المساكين امرأة من الأنصار . وقال علي بن الحسين والضحاك ومقاتل : هي أم شريك بنت جابر الأسدية . وقال عروة بن الزبير : أم حكيم بنت الأوقص السلمية .
التاسعة- وقد اختلف في اسم الواهبة نفسها ، فقيل هي أم شريك الأنصارية ، اسمها غزية . وقيل غزيلة . وقيل ليلى بنت حكيم . وقيل : هي ميمونة بنت الحارث حين خطبها النبي صلى الله عليه وسلم ، فجاءها الخاطب وهي على بعيرها فقالت : البعير وما عليه لرسول الله صلى الله عليه وسلم . وقيل : هي أم شريك العامرية ، وكانت عند أبي العكر الأزدي . وقيل عند الطفيل بن الحارث فولدت له شريكا . وقيل : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها ، ولم يثبت ذلك . والله تعالى أعلم ، ذكره أبو عمر بن عبد البر . وقال الشعبي وعروة : وهي زينب بنت خزيمة أم المساكين . والله تعالى أعلم .
العاشرة- قرأ جمهور الناس " إن وهبت " بكسر الألف ، وهذا يقتضي استئناف الأمر ، أي إن وقع فهو حلال له . وقد روي عن ابن عباس ومجاهد أنهما قالا : لم يكن عند النبي صلى الله عليه وسلم امرأة موهوبة ، وقد دللنا على خلافه . وروى الأئمة من طريق سهل وغيره في الصحاح : أن امرأة قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم : جئت أهب لك نفسي ، فسكت حتى قام رجل فقال : زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة . فلو كانت هذه الهبة غير جائزة لما سكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه لا يقر على الباطل إذا سمعه ، أنه يحتمل أن يكون سكوته منتظرا بيانا ، فنزلت الآية . بالتحليل والتخيير ، فاختار تركها وزوجها من غيره . ويحتمل أن يكون سكت ناظرا في ذلك حتى قام الرجل لها طالبا . وقرأ الحسن البصري وأبى بن كعب والشعبي " أن " بفتح الألف . وقرأ الأعمش " وامرأة مؤمنة وهبت " . قال النحاس : وكسر " إن " أجمع للمعاني ؛ لأنه قيل إنهن نساء . وإذا فتح كان المعنى على واحدة بعينها ، لأن الفتح على البدل من امرأة ، أو بمعنى لأن .
الحادية عشرة- قوله تعالى : " مؤمنة " يدل على أن الكافرة لا تحل له . قال إمام الحرمين : وقد اختلف في تحريم الحرة الكافرة عليه . قال ابن العربي : والصحيح عندي تحريمها عليه . وبهذا يتميز علينا ، فإنه ما كان من جانب الفضائل والكرامة فحظه فيه أكثر ، وما كان جانب النقائص فجانبه عنها أطهر ، فجوز لنا نكاح الحرائر الكتابيات ، وقصر هو صلى الله عليه وسلم لجلالته على المؤمنات . وبهذا كان لا يحل له من لم تهاجر لنقصان فضل الهجرة فأحرى ألا تحل له الكافرة{[12869]} الكتابية لنقصان الكفر .
الثانية عشرة- قوله تعالى : " إن وهبت نفسها " دليل على أن النكاح عقد معاوضة على صفات مخصوصة ، قد تقدمت في " النساء " {[12870]} وغيرها . وقال الزجاج : معنى " إن وهبت نفسها للنبي " حلت . وقرأ الحسن : " إن وهبت " بفتح الهمزة . و " أن " في موضع نصب . قال الزجاج : أي لأن . وقال غيره : " إن وهبت " بدل اشتمال من " امرأة " .
الثالثة عشرة- قوله تعالى : " إن أراد النبي أن يستنكحها " أي إذا وهبت المرأة نفسها وقبلها النبي صلى الله عليه وسلم حلت له ، وإن لم يقبلها لم يلزم ذلك . كما إذا وهبت لرجل ، شيئا فلا يجب عليه القبول ، بيد أن من مكارم أخلاق نبينا أن يقبل من الواهب هبته . ويرى الأكارم أن ردها هجنة في العادة ، ووصمة على الواهب وأذية لقلبه ، فبين الله ذلك في حق رسول صلى الله عليه وسلم وجعله قرآنا يتلى ، ليرفع عنه الحرج ، ومبطل بطل الناس في عادتهم وقولهم .
الرابعة عشرة- قوله تعالى " خالصة لك " أي هبة النساء أنفسهن خالصة ومزية لا تجوز ، فلا يجوز أن تهب المرأة نفسها لرجل . ووجه الخاصية أنها لو طلبت فرض المهر قبل الدخول لم يكن لها ذلك . فأما فيما بيننا فللمفوضة طلب المهر قبل الدخول ، ومهر المثل بعد الدخول .
الخامسة عشرة- أجمع العلماء على أن هبة المرأة نفسها غير جائز{[12871]} ، وأن هذا اللفظ من الهبة لا يتم عليه نكاح ، إلا ما روي عن أبي حنيفة وصاحبيه فإنهم قالوا : إذا وهبت فأشهد هو على ، نفسه بمهر فذلك جائز . قال ابن عطية : فليس في قولهم إلا تجويز العبارة ولفظة الهبة ، وإلا فالأفعال التي اشترطوها هي أفعال النكاح بعينه ، وقد تقدمت هذه المسألة في " القصص " مستوفاة{[12872]} . والحمد لله .
السادسة عشرة- خص الله تعالى رسوله في أحكام الشريعة بمعان لم يشاركه فيها أحد - في باب الفرض والتحريم والتحليل - مزية على الأمة وهبت له{[12873]} ، ومرتبة خص بها ، ففرضت عليه أشياء ما فرضت على غيره ، وحرمت عليه أفعال لم تحرم عليهم وحللت له . أشياء لم تحلل لهم ، منها متفق عليه ومختلف فيه .
فأما ما فرض عليه فتسعة : الأول - التهجد بالليل ، يقال : إن قيام الليل كان واجبا عليه إلى أن مات ، لقوله تعالى : " يا أيها المزمل{[12874]} قم الليل " [ المزمل : 1 - 2 ] الآية . والمنصوص أنه كان واجبا عليه ، ثم نسخ بقوله تعالى : " ومن الليل فتهجد به{[12875]} نافلة لك " [ الإسراء : 79 ] وسيأتي . الثاني : الضحى . الثالث : الأضحى . الرابع : الوتر ، وهو يدخل في قسم التهجد . الخامس : السواك . السادس : قضاء دين من مات معسرا . السابع : مشاورة ذوي الأحلام في غير الشرائع . الثامن : تخير النساء . التاسع : إذا عمل عملا أثبته . زاد غيره : وكان يجب عليه إذا رأى منكرا أنكره وأظهره ؛ لأن إقراره لغيره على ذلك يدل على جوازه ، ذكره صاحب البيان . وأما ما حرم عليه فجملته عشرة : الأول : تحريم الزكاة عليه وعلى آله . الثاني : صدقة التطوع عليه ، وفي آله تفصيل باختلاف . الثالث : خائنة{[12876]} الأعين ، وهو أن يظهر خلاف ما يضمر ، أو ينخدع عما يجب . وقد ذم بعض الكفار عند إذنه ، ثم ألان له القول عند دخول{[12877]} . الرابع : حرم الله عليه إذا ليس بأمته{[12878]} أن يخلعها عنه أو يحكم الله بينه وبين محاربه . الخامس : الأكل متكئا . السادس : أكل الأطعمة الكريهة الرائحة . السابع : التبدل بأزواجه ، وسيأتي . الثامن : نكاح امرأة تكره صحبته . التاسع : نكاح الحرة الكتابية . العاشر : نكاح الأمة .
وحرم الله عليه أشياء لم يحرمها غيره تنزيها له وتطهيرا . فحرم الله عليه الكتابة وقول الشعر وتعليمه ، تأكيدا لحجته وبيانا لمعجزته . قال الله تعالى : " وما كنت تتلوا من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك " {[12879]} [ العنكبوت : 48 ] . وذكر النقاش أن النبي صلى الله عليه وسلم ما مات حتى كتب ، والأول هو المشهور . وحرم عليه أن يمد عينيه إلى ما متع به الناس ، قال الله تعالى : " لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم " {[12880]} [ الحجر : 88 ] الآية .
وأما ما أحل له صلى الله عليه وسلم فجملته ستة عشر : الأول : صفي المغنم . الثاني : الاستبداد بخمس الخمس أو الخمس . الثالث : الوصال . الرابع : الزيادة على أربع نسوة . الخامس : النكاح بلفظ الهبة . السادس : النكاح بغير ولي . السابع : النكاح بغير صداق . الثامن : نكاحه في حالة الإحرام . التاسع : سقوط القسم بين الأزواج عنه ، وسيأتي . العاشر : إذا وقع بصره على امرأة وجب على زوجها طلاقها ، وحل له نكاحها . قال ابن العربي : هكذا قال إمام الحرمين ، وقد مضى ما للعلماء في قصة زيد من هذا المعنى . الحادي عشر : أنه أعتق صفية وجعل عتقها صداقها . الثاني عشر : دخول مكة بغير إحرام ، وفي حقنا فيه اختلاف . الثالث عشر : القتال بمكة . الرابع عشر : أنه لا يورث . وإنما ذكر هذا في قسم التحليل لأن الرجل إذا قال الموت بالمرض زال عنه أكثر ملكه ، ولم يبق له إلا الثلث خالصا ، وبقي ملك رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما تقرر بيانه في آية المواريث{[12881]} ، وسورة " مريم " {[12882]} بيانه أيضا .
الخامس عشر : بقاء زوجيته من بعد الموت . السادس عشر : إذا طلق امرأة تبقى حرمته عليها فلا تنكح . وهذه الأقسام الثلاثة تقدم معظمها مفصلا في مواضعها . وسيأتي إن شاء الله تعالى . [ وأبيح له عليه الصلاة والسلام أخذ الطعام ، والشراب من الجائع والعطشان ، وإن كان من هو معه يخاف على نفسه الهلاك ، لقوله تعالى : " النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم " [ الأحزاب : 6 ] . وعلى كل أحد من المسلمين أن يقي النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه . وأبيح له أن يحمي لنفسه{[12883]} . وأكرمه الله بتحليل الغنائم . وجعلت الأرض له ولأمته . مسجدا وطهورا . وكان من الأنبياء من لا تصح صلاتهم إلا في المساجد . ونصر بالرعب ، فكان يخافه العدو من مسيرة شهر . وبعث إلى كافة الخلق ، وقد كان من قبله من الأنبياء يبعث . الواحد إلى بعض الناس دون بعض . وجعلت معجزاته . كمعجزات الأنبياء قبله وزيادة . وكانت معجزة موسى عليه السلام العصا وانفجار الماء من الصخرة وقد انشق القمر للنبي صلى الله عليه وسلم وخرج الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم ، وكانت معجزة عيسى صلى الله عليه وسلم الله إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص . وقد سبح الحصى في يد النبي صلى الله عليه وسلم ، وحن الجذع إليه ، وهذا أبلغ . وفضله الله عليهم بأن جعل القرآن معجزة له ، وجعل معجزته فيه باقية إلى يوم القيامة ، ولهذا جعلت نبوته مؤبدة لا تنسخ إلى يوم القيامة ]{[12884]} .
قوله تعالى " من دون المؤمنين " فائدته أن الكفار وإن كانوا مخاطبين بفروع الشريعة عندنا فليس لهم في ذلك دخول لأن تصريف الأحكام إنما يكون فيهم على تقدير الإسلام .
السابعة عشرة- قوله تعالى : " أن يستنكحها " أي ينكحها ، يقال : نكح واستنكح ، مثل عجب واستعجب ، وعجل واستعجل . ويجوز أن يرد الاستنكاح بمعنى طلب النكاح ، أو طلب الوطء . و " خالصة " نصب على الحال ، قاله الزجاج . وقيل : حال من ضمير متصل بفعل مضمر دل عليه المضمر ، تقديره : أحللنا لك أزواجك ، وأحللنا لك امرأة مؤمنة أحللناها خالصة ، بلفظ الهبة وبغير صداق ، وبغير ولي .
الثامنة عشرة- قوله تعالى : " من دون المؤمنين " فائدته أن الكفار وإن كانوا مخاطبين بفروع الشريعة عندنا فليس لهم في ذلك دخول ؛ لأن تصريف الأحكام إنما يكون فيهم على تقدير الإسلام . أي ما أوجبنا على المؤمنين ، وهو ألا يتزوجوا إلا أربع نسوة بمهر وبينة وولي . قال معناه أبي بن كعب وقتادة وغيرهما .
التاسعة عشرة : قوله تعالى : " لكيلا يكون عليك حرج " أي ضيق في أمر أنت فيه محتاج إلى السعة ، أي بينا هذا البيان وشرحنا هذا الشرح " لكيلا يكون عليك حرج " . ف " لكيلا " متعلق بقوله : " إنا أحللنا أزواجك " أي فلا يضيق قلبك حتى يظهر منك أنك قد أثمت عند ربك ، في شيء . " وكان الله غفورا رحيما " ثم آنس تعالى جميع المؤمنين بغفرانه ورحمته فقال تعالى : " وكان الله غفورا رحيما " .
ولما كان النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، وكان المراد الأعظم في هذه الآيات بيان ما شرفه الله به من {[55798]}ذلك ، أتبع ما بين أنه{[55799]} لا عدة فيه من نكاح المؤمنين وما حرمه عليهم من التضييق على الزوجات المطلقات{[55800]} بعض ما شرفه الله تعالى به وخصه من أمر التوسعة في{[55801]} النكاح ، وختمه بأن أزواجه لا تحل بعده ، فهن كمن عدتهن{[55802]} ثابتة لا تنقضي{[55803]} أبداً ، أو كمن زوجها غائب عنها وهو حي ، لأنه صلى الله عليه وسلم حي في قبره : { يا أيها النبي } ذاكراً سبحانه الوصف الذي هو مبدأ القرب ومقصوده ومنبع{[55804]} الكمال ومداره .
ولما كان الذين في قلوبهم مرض ينكرون خصائص النبي صلى الله عليه وسلم أكد قوله : { إنا أحللنا لك أزواجك } أي نكاحهن ، قال الحرالي في كتابه في أصول الفقه : تعليق الحكم بالأعيان مختص بخاص مدلولها نحو حرمت أو حللت المرأة أي نكاحها ، والفرس أي ركوبه ، والخمر أي شربها ، ولحم الخنزير أي أكله ، والبحر أي ركوبه ، والثور أي الحرث به ، وكذلك كل شيء يختص بخاص مدلوله ، ولا يصرف عنه إلا بمشعر ، ولا إجمال فيه لترجح الاختصاص - انتهى .
ولما كان المقصود من هذه السورة بيان مناقبه صلى الله عليه وسلم وما خصه الله به مما قد يطعن فيه المنافقون من كونه أولى من كل أحد بنفسه وماله ، بين أنه مع ذلك لا يرضى إلا بالأكمل ، فبين أنه كان{[55805]} يعجل المهور ، ويوفي الأجور ، فقال : { اللاتي آتيت } أي بالإعطاء الذي هو الحقيقة ، وهي{[55806]} به صلى الله عليه وسلم أولى {[55807]}أو بالتسمية{[55808]} في العقد قال الكشاف : وكان التعجيل ديدن السلف وسنتهم وما لا يعرف بينهم غيره { أجورهن } أي مهورهن لأنها{[55809]} عوض عن منفعة البضع ، وأصل الأجر الجزاء{[55810]} على العمل { وما ملكت يمينك } .
ولما كان حوز{[55811]} الإنسان لما سباه أطيب لنفسه وأعلى لقدره وأحل مما اشتراه قال : { مما أفاء } أي رد { الله } الذي له الأمر كله { عليك } مثل صفية بنت حيي النضرية وريحانة القرظية{[55812]} وجويرية بنت الحارث الخزاعية رضي الله عنهن مما كان في أيدي الكفار ، أسنده إليه سبحانه إفهاماً لأنه فيء على وجهه الذي أحله الله لا خيانة فيه ، وعبر بالفيء{[55813]} الذي معناه الرجوع إفهاماً لأن ما في يد الكافر ليس له ، وإنما هو لمن{[55814]} يستلبه منه من المؤمنين بيد{[55815]} القهر أو لمن يعطيه الكافر منهم عن طيب نفس ، ومن هنا كان يعطي النبي صلى الله عليه وسلم ما يطلب منه من بلاد الكفار أو نسائهم ، وما أعطى أحداً شيئاً إلا وصل إليه كتميم الداري وشويل رضي الله عنهما ، وقيد بذلك تنبيهاً على فضله صلى الله عليه وسلم ووقوعه من كل شيء على أفضله كما تقدمت الإشارة إليه ، وإشارة إلى أنه سبق في علم الله أنه لا يصل إليه من ملك اليمين{[55816]} إلا ما كان هذا سبيله ، ودخل فيه ما أهدى له {[55817]}من الكفار{[55818]} مثل مارية القبطية أم ولده إبراهيم عليه السلام ، وفي ذلك أيضاً إشارة إلى ما خصه به من تحليل ما كان خطره على من كان قبله من الغنائم { وبنات عمك } الشقيق وغيره من باب الأولى ، فإن النسب كلما بعد كان أجدر بالحل .
ولما كان قد أفرد العم لأن واحد الذكور يجمع من غيره لشرفه وقوته وكونه الأصل الذي تفرع منه هذا النوع ، عرف بجمع{[55819]} الإناث أن المراد به الجنس لئلا يتوهم أن{[55820]} المراد إباحة الأخوات مجتمعات فقال : { وبنات عماتك } من نساء بني عبد المطلب .
ولما بدأ بالعمومة لشرفها ، أتبعها{[55821]} قوله : { وبنات خالك } جارياً أيضاً في الإفراد والجمع على ذلك النحو { وبنات خالاتك } أي{[55822]} من نساء بني زهرة ويمكن أن يكون في ذلك احتباك عجيب وهو : بنات عمك وبنات أعمامك ، وبنات عماتك وبنات عمتك ، وبنات خالك وبنات أخوالك ، وبنات خالاتك وبنات خالتك ، وسره ما أشير إليه{[55823]} .
ولما بين شرف أزواجه من جهة النسب لما علم واشتهر أن نسبه صلى الله عليه وسلم من جهة الرجال والنساء أشرف{[55824]} الأنساب بحيث لم يختلف في ذلك اثنان من العرب ، بين شرفهن من جهة الأعمال فقال : { اللاتي هاجرن } وأشار بقوله : { معك } إلى أن الهجرة قبل الفتح
{ أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا }[ الحديد : 10 ] ولم يرد بذلك التقييد بل التنبيه على الشرف ، وإشارة إلى أنه سبق في علمه سبحانه أنه لا يقع له أن يتزوج من هي خارجة عن هذه الأوصاف ، وقد ورد أن هذا على سبيل التقييد ؛ روى الترمذي{[55825]} والحاكم وابن أبي شيبة وإسحاق بن راهويه والطبراني والطبري{[55826]} وابن أبي حاتم كلهم من رواية السدي عن أبي صالح عن أم هانئ بنت أبي طالب رضي الله عنها{[55827]} قالت : خطبني رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتذرت إليه{[55828]} فعذرني ثم أنزل الله تعالى { إنا أحللنا لك أزواجك } - الآية ، فلم أكن لأحل له لأني لم أهاجر . كنت من الطلقاء قال الترمذي : حديث حسن لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث السدي .
ولما بين ما هو الأشرف من النكاح لكونه{[55829]} الأصل ، و{[55830]} أتبعه سبحانه ما خص به شرعه صلى الله عليه وسلم من المغنم الذي تولى سبحانه إباحته ، أتبعه ما جاءت إباحته من جهة المبيح إعلاماً بأنه ليس من نوع الصدقة التي نزه عنها قدره فقال : { وامرأة } أي وأحللنا لك امرأة { مؤمنة } أي هذا الصنف حرة كانت أو رقيقة { إن وهبت نفسها للنبي } .
ولما ذكر وصف النبوة لأنه مدار الإكرام من الخالق والمحبة من الخلائق تشريفاً له به وتعليقاً للحكم بالوصف ، لأنه لو قال " لك " كان ربما وقع في بعض الأوهام - كما قال الزجاج - أنه غير خاص به صلى الله عليه وسلم ، كرره بياناً لمزيد شرفه في سياق رافع لما ربما يتوهم من أنه يجب عليه القبول{[55831]} فقال : { إن أراد النبي } أي الذي أعلينا قدره بما اختصصناه به من الإنباء بالأمور العظمية من عالم الغيب والشهادة { أن يستنكحها } أي يوجد نكاحه لها{[55832]} يجعلها من منكوحاته بعقد أو ملك يمين ، فتصير له{[55833]} مجرد ذلك بلا مهر{[55834]} ولا ولي ولا شهود .
ولما كان ربما فهم أن غيره يشاركه في هذا المعنى ، قال مبيناً لخصوصيته{[55835]} واصفاً لمصدر { أحللنا } مفخماً للأمر بهاء المبالغة ملتفتاً إلى الخطاب لأنه معين للمراد رافع للارتياب : { خالصة لك } وزاد المعنى بياناً بقوله : { من دون المؤمنين } أي{[55836]} من الأنبياء وغيرهم ، وأطلق الوصف المفهم للرسوخ فشمل من قيد بالإحسان والإيقان ، وغير ذلك من الألوان ، دخل من نزل عن رتبتهم من الذين يؤمنون والذين آمنوا وسائر الناس من باب الأولى مفهوم موافقة ، وقد كان الواهبات عدة ولم يكن{[55837]} عنده منهن شيء . روى البخاري{[55838]} عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : كنت أغار على اللاتي وهبن أنفسهن لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأقول : أما تستحيي المرأة أن تهب نفسها ، فلما نزلت { ترجى من تشاء منهن } قلت : يا رسول الله ، ما أرى ربك إلا يسارع في هواك .
ولما كان التخصيص لا يصح ولا يتصور إلا من محيط العلم بأن هذا الأمر ما كان لغير المخصوص تام القدرة ، ليمنع غيره من ذلك ، علله بقوله : { قد } أي{[55839]} أخبرناك بأن هذا أمر يخصك دونهم لأنا{[55840]} قد { علمنا ما فرضنا } أي قدرنا بعظمتنا .
ولما كان ما قدره للإنسان عطاء ومنعا لا بد له منه ، عبر فيه بأداة الاستعلاء فقال : { عليهم } أي المؤمنين { في أزواجهم } أي من أنه لا تحل لهم امرأة بلفظ الهبة منها ولا بدون مهر ولا بدون ولي وشهود ، وهذا عام لجميع المؤمنين المتقدمين والمتأخرين . ولما كان هذا عاماً للحرة والرقيقة قال : { وما ملكت أيمانهم } أي من أن{[55841]} أحداً غيرك لا يملك رقيقة بهبتها لنفسها منه ، فيكون أحق من سيدها .
ولما فرغ من تعليل الدونية ، علل التخصيص لفاً ونشراً مشوشاً بقوله : { لكيلا يكون عليك حرج } أي ضيق في شيء من أمر النساء حيث أحللنا لك أنواع المنكوحات وزدناك الواهبة . ولما ذكر سبحانه ما فرض في الأزواج والإماء الشامل للعدل في عشرتهن ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم أعلى الناس فهماً وأشدهم لله{[55842]} خشية ، وكان يعدل بينهن ، ويعتذر مع ذلك من ميل القلب الذي هو خارج عن طوق البشر بقوله " اللهم هذا قسمي{[55843]} فيما أملك فلا تلمني فيما لا أملك " خفف عنه سبحانه بقوله : { وكان الله } أي المتصف بصفات الكمال من الحلم{[55844]} والأناة والقدرة وغيرها{[55845]} أزلاً وأبداً { غفوراً رحيماً * } أي بليغ الستر فهو إن شاء يترك المؤاخذة فيما له أن يؤاخذ به ، ويجعل مكان المؤاخذة الإكرام العظيم متصفاً بذلك أزلاً وأبداً .