في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أَسۡبَٰبَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ فَأَطَّلِعَ إِلَىٰٓ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُۥ كَٰذِبٗاۚ وَكَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِفِرۡعَوۡنَ سُوٓءُ عَمَلِهِۦ وَصُدَّ عَنِ ٱلسَّبِيلِۚ وَمَا كَيۡدُ فِرۡعَوۡنَ إِلَّا فِي تَبَابٖ} (37)

21

وعلى الرغم من هذه الجولة الضخمة التي أخذ الرجل المؤمن قلوبهم بها ؛ فقد ظل فرعون في ضلاله ، مصراً على التنكر للحق . ولكنه تظاهر بأنه آخذ في التحقق من دعوى موسى . ويبدو أن منطق الرجل المؤمن وحجته كانت من شدة الوقع بحيث لم يستطع فرعون ومن معه تجاهلها . فاتخذ فرعون لنفسه مهرباً جديداً :

( وقال فرعون : يا هامان ابن لي صرحاً لعلي أبلغ الأسباب . أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى . وإني لأظنه كاذباً . وكذلك زين لفرعون سوء عمله ، وصد عن السبيل وما كيد فرعون إلا في تباب ) . .

يا هامان ابن لي بناء عالياً لعلي أبلغ به أسباب السماوات ،

لأنظر وأبحث عن إله موسى هناك ( وإني لأظنه كاذباً ) . . هكذا يموه فرعون الطاغية ويحاور ويداور ، كي لا يواجه الحق جهرة ، ولا يعترف بدعوة الوحدانية التي تهز عرشه ، وتهدد الأساطير التي قام عليها ملكه . وبعيد عن الاحتمال أن يكون هذا فهم فرعون وإدراكه . وبعيد أن يكون جاداً في البحث عن إله موسى على هذا النحو المادي الساذج . وقد بلغ فراعنة مصر من الثقافة حداً يبعد معه هذا التصور . إنما هو الاستهتار والسخرية من جهة . والتظاهر بالإنصاف والتثبت من جهة أخرى . وربما كانت هذه خطة للتراجع أمام مطارق المنطق المؤمن في حديث الرجل المؤمن ! وكل هذه الفروض تدل على إصراره على ضلاله ، وتبجحه في جحوده : ( وكذلك زين لفرعون سوء عمله ، وصد عن السبيل ) . . وهو مستحق لأن يصد عن السبيل ، بهذا المراء الذي يميل عن الاستقامة وينحرف عن السبيل .

ويعقب السياق على هذا المكر والكيد بأنه صائر إلى الخيبة والدمار :

( وما كيد فرعون إلا في تباب ) . .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَسۡبَٰبَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ فَأَطَّلِعَ إِلَىٰٓ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُۥ كَٰذِبٗاۚ وَكَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِفِرۡعَوۡنَ سُوٓءُ عَمَلِهِۦ وَصُدَّ عَنِ ٱلسَّبِيلِۚ وَمَا كَيۡدُ فِرۡعَوۡنَ إِلَّا فِي تَبَابٖ} (37)

والقصد منه لعلي أطلع { إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبًا } في دعواه أن لنا ربًا ، وأنه فوق السماوات .  ولكنه يريد أن يحتاط فرعون ، ويختبر الأمر بنفسه ، قال الله تعالى في بيان الذي حمله على هذا القول : { وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ } فزين له العمل السيئ ، فلم يزل الشيطان يزينه ، وهو يدعو إليه ويحسنه ، حتى رآه حسنًا ودعا إليه وناظر مناظرة المحقين ، وهو من أعظم المفسدين ، { وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ } الحق ، بسبب الباطل الذي زين له . { وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ } الذي أراد أن يكيد به الحق ، ويوهم به الناس أنه محق ، وأن موسى مبطل { إِلَّا فِي تَبَابٍ } أي : خسار وبوار ، لا يفيده إلا الشقاء في الدنيا والآخرة .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{أَسۡبَٰبَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ فَأَطَّلِعَ إِلَىٰٓ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُۥ كَٰذِبٗاۚ وَكَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِفِرۡعَوۡنَ سُوٓءُ عَمَلِهِۦ وَصُدَّ عَنِ ٱلسَّبِيلِۚ وَمَا كَيۡدُ فِرۡعَوۡنَ إِلَّا فِي تَبَابٖ} (37)

قوله تعالى : { أسباب السماوات } يعني : طرقها وأبوابها من سماء إلى سماء { فأطلع إلى إله موسى } قراءة العامة برفع العين نسقاً على قوله : ( أبلغ الأسباب ) وقرأ حفص عن عاصم بنصب العين وهي قراءة حميد الأعرج ، على جواب ( لعل ) بالفاء ، { وإني لأظنه } يعني موسى { كاذباً } فيما يقول : أن له رباً غيري ، { وكذلك زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل } قرأ أهل الكوفة ويعقوب : { وصد } بضم الصاد نسقاً على قوله : { زين لفرعون } قال ابن عباس : صده الله عن سبيل الهدى . وقرأ الآخرون بالفتح أي : صد فرعون الناس عن السبيل . { وما كيد فرعون إلا في تباب } يعني : وما كيده في إبطال آيات الله وآيات موسى إلا في خسار وهلاك .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{أَسۡبَٰبَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ فَأَطَّلِعَ إِلَىٰٓ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُۥ كَٰذِبٗاۚ وَكَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِفِرۡعَوۡنَ سُوٓءُ عَمَلِهِۦ وَصُدَّ عَنِ ٱلسَّبِيلِۚ وَمَا كَيۡدُ فِرۡعَوۡنَ إِلَّا فِي تَبَابٖ} (37)

{ وإني لأظنه كاذبا } في ادعائه إلها دوني { وكذلك } مثل ما وصفنا { زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل } ومنع عن الإيمان { وما كيد فرعون إلا في تباب } خسار يريد أنه خسر كيده ولم ينفعه ذلك

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{أَسۡبَٰبَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ فَأَطَّلِعَ إِلَىٰٓ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُۥ كَٰذِبٗاۚ وَكَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِفِرۡعَوۡنَ سُوٓءُ عَمَلِهِۦ وَصُدَّ عَنِ ٱلسَّبِيلِۚ وَمَا كَيۡدُ فِرۡعَوۡنَ إِلَّا فِي تَبَابٖ} (37)

" أسباب السموات " بدل من الأول . وأسباب السماء أبوابها في قول قتادة والزهري والسدي والأخفش ، وأنشد :

ومن هابَ أسبابَ المَنَايَا ينلْنَه *** ولو رامَ أسبابَ السَّمَاءِ بِسُلَّمِ{[13377]}

وقال أبو صالح : أسباب السموات طرقها . وقيل : الأمور التي تستمسك بها السموات . وكرر أسباب تفخيما ؛ لأن الشيء إذا أبهم ثم أوضح كان تفخيما لشأنه . والله أعلم . " فأطلع إلى إله موسى " فأنظر إليه نظر مشرف عليه . توهم أنه جسم تحويه الأماكن . وكان فرعون يدعي الألوهية ويرى تحقيقها بالجلوس في مكان مشرف . وقراءة العامة " فأطلع " بالرفع نسقا على قوله : " أبلغ " وقرأ الأعرج والسلمي وعيسى وحفص " فأطلع " بالنصب . قال أبو عبيدة : على جواب " لعل " بالفاء . النحاس : ومعنى النصب خلاف معنى الرفع ؛ لأن معنى النصب متى بلغت الأسباب اطلعت . ومعنى الرفع " لعلي أبلغ الأسباب " ثم لعلي أطلع بعد ذلك ، إلا أن ثم أشد تراخيا من الفاء . " وإني لأظنه كاذبا " أي وإني لأظن موسى كاذبا في ادعائه إلها دوني ، وإنما أفعل ما أفعل لإزاحة العلة . وهذا يوجب شك فرعون في أمر الله . وقيل : إن الظن بمعنى اليقين أي وأنا أتيقن أنه كاذب وإنما أقول ما أقول لإزالة الشبهة عمن لا أتيقن ما أتيقنه .

قوله تعالى : " وكذلك زين لفرعون سوء عمله " أي كما قال هذه المقالة وارتاب زين له الشيطان أو زين الله سوء عمله أي الشرك والتكذيب . " وصد عن السبيل " قراءة الكوفيين " وصد " على ما لم يسم فاعله وهو اختيار أبي عبيد وأبي حاتم ، ويجوز على هذه القراءة " وصد " بكسر الصاد نقلت كسرة الدال عل الصاد ، وهي قراءة ليحيى بن وثاب وعلقمة . وقرأ ابن أبي إسحاق وعبد الرحمن بن بكرة " وصد عن السبيل " بالرفع والتنوين . الباقون " وصد " بفتح الصاد والدال . أي صد فرعون الناس عن السبيل . " وما كيد فرعون إلا في تباب " أي في خسران وضلال ، ومنه : " تبت يدا أبي لهب " [ المسد :1 ] وقوله : " وما زادوهم غير تتبيب " [ هود : 101 ] وفي موضع " غير تخسير " [ هود :63 ] فهد الله صرحه وغرقه هو وقومه على ما تقدم{[13378]} .


[13377]:البيت من معلقة زهير بن أبي سلمى.
[13378]:راجع ج 13 ص 288 وما بعدها طبعة أولى أو ثانية.
 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{أَسۡبَٰبَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ فَأَطَّلِعَ إِلَىٰٓ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُۥ كَٰذِبٗاۚ وَكَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِفِرۡعَوۡنَ سُوٓءُ عَمَلِهِۦ وَصُدَّ عَنِ ٱلسَّبِيلِۚ وَمَا كَيۡدُ فِرۡعَوۡنَ إِلَّا فِي تَبَابٖ} (37)

{ فأطلع } بالرفع عطف على أبلغ وبالنصب بإضمار أن في جواب لعل لأن الترجي غير واجب ، فهو كالتمني في انتصاب جوابه ، ولا نقول إن لعل أشربت معنى : ليت كما قال بعض النحاة .

{ تباب } أي : خسران .