في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يُؤۡذُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمۡ عَذَابٗا مُّهِينٗا} (57)

49

وفي ظل هذا التمجيد الإلهي يبدو إيذاء الناس للنبي [ صلى الله عليه وسلم ] بشعا شنيعا ملعونا قبيحا : ( إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة ، وأعد لهم عذابا مهينا ) . . ويزيده بشاعة وشناعة أنه إيذاء لله من عبيده ومخاليقه . وهم لا يبلغون أن يؤذوا الله . إنما هذا التعبير يصور الحساسية بإيذاء رسوله ، وكأنما هو إيذاء لذاته جل وعلا . فما أفظع ! وما أبشع ! وما أشنع !

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يُؤۡذُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمۡ عَذَابٗا مُّهِينٗا} (57)

{ 57 - 58 } { إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا * وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا }

لما أمر تعالى بتعظيم رسوله صلى اللّه عليه وسلم ، والصلاة والسلام عليه ، نهى عن أذيته ، وتوعد عليها فقال : { إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ } وهذا يشمل كل أذية ، قولية أو فعلية ، من سب وشتم ، أو تنقص له ، أو لدينه ، أو ما يعود إليه بالأذى . { لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا } أي : أبعدهم وطردهم ، ومن لعنهم [ في الدنيا ]{[722]}  أنه يحتم{[723]}  قتل من شتم الرسول ، وآذاه .

{ وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا } جزاء له على أذاه ، أن يؤذى بالعذاب الأليم ، فأذية الرسول ، ليست كأذية غيره ، لأنه -صلى الله عليه وسلم- لا يؤمن العبد باللّه ، حتى يؤمن برسوله صلى اللّه عليه وسلم . وله من التعظيم ، الذي هو من لوازم الإيمان ، ما يقتضي ذلك ، أن لا يكون مثل غيره .


[722]:- زيادة من: ب.
[723]:- في ب: يتحتم.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يُؤۡذُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمۡ عَذَابٗا مُّهِينٗا} (57)

ولما نهى سبحانه عن أذاه صلى الله عليه وسلم ، وحض على إدخال السرور عليه ، توعد على أذاه ، فقال على طريق الاستئناف أو التعليل ، إشارة إلى أن التهاون بشيء من الصلاة و{[56054]} السلام من الأذى ، وأكد ذلك{[56055]} إظهاراً لأنه مما يحق له أن يؤكد ، وأن يكون لكل من يتكلم به غاية الرغبة في تقريره : { إن الذين يؤذون } أي يفعلون فعل المؤذي بارتكاب ما يدل على التهاون من كل ما يخالف { الله } أي{[56056]} الذي لا أعظم منه ولا نعمة عندهم إلا من فضله { ورسوله } أي الذي استحق عليهم بما يخبرهم{[56057]} به عن الله مما ينقذهم به من شقاوة الدارين ويوجب لهم سعادتهما ما{[56058]} لا يقدرون على القيام بشكره بأي أذى كان حتى في التقصير بالصلاة عليه باللسان { لعنهم } أي أبعدهم وطردهم وأبغضهم { الله } أي الذي لا عظيم غيره { في الدنيا } بالحمل على ما يوجب السخط { والآخرة } بإدخال دار الإهانة .

ولما كان الحامل على الأذى الاستهانة قال : { وأعد لهم عذاباً مهيناً * } .


[56054]:من ظ وم ومد، وفي الأصل "أو".
[56055]:سقط من ظ وم ومد.
[56056]:سقط من ظ.
[56057]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: يجيرهم.
[56058]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: مما.
 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يُؤۡذُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمۡ عَذَابٗا مُّهِينٗا} (57)

قوله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا } .

ذلك تهديد من الله ووعيد للمجرمين من الناس الذين يؤذون الله بالكفر به ووصفه بما لا يليق به ، كنسبة الشريك أو الولد أو الصاحبة إليه .

ومن إيذائه سبحانه ، مخالفة أوامره وارتكاب زواجره ونواهيه ، ومجانبة شرعه ومنهجه للبشرية . فإن مجانبة شرع الله والإصرار الغاشم على مخالفة الإسلام واجتناب تعاليمه وأحكامه وتصوراته واستبدال ذلك كله بغيره من ملل الكفر والجحود والإباحية والإلحاد – كل ذلك إيذاء لله سبحانه وإعلان صريح للحرب عليه . وهذه غاية الاجتراء الكنود والتوقّح البشع الذي يتلبس به عصاة البشرية وفسّاقها ، وهم يولون جامحين مدبرين عن دين الإسلام ثم يكيدون له بالغ الكيد ، ويمكرون به وبأهله في الليل والنهار غاية المكر .

وكذلك يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم بكل وجوه الأذية من القول أو الفعل . فقد أذوه بالفعل ، إذ كسروا رباعيته وشجعوا وجهه في أحد ، وفي مكة ألقوا سلى الناقة على ظهره وهو ساجد .

وأما الطعن في رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأقوال فذلك كثير ومذهل وشنيع والحديث عنه تفصيلا يطول . فلقد مَرَدَ الظالمون في بدايتهم الأولى على التقوّل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، زورا بأنه : ساحر ، كاهن ، كذاب ، وأنه مجنون . وهي افتراءات سقيمة ومكشوفة لفرط سذاجتها ووضوح كذبها فهي بذلك لا تستعصي على استخفاف المستخفين واستسخارهم .

لكن الظالمين في الأزمنة المتعاقبة قد انتحوا مناحي أشد براعة في الخداع والتخريص ، إذ غالوا في الطعن في شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي سيرته العطرة الفضلى . فقد افتروا عليه بمختلف المطاعن المكذوبة والأباطيل المقبوحة ما يكشف عن مدى الكراهية المركومة التي تستقرّ في قلوب الظالمين في كل زمان .

لقد افترى الأفاكون والدجاجلة على رسول الله صلى الله عليه وسلم واصطنعوا من الأكاذيب والشبهات والترهات ما يشير إلى أنهم موغلون في الضلالة والجهالة . وأنهم مستغرقون في الاضطغان وهوان العقول . وهم ما فتئوا سادرين في ضلالهم وغيهم طيلة حياتهم حتى يموتوا بغيظهم من غير أن ينالوا من شرف رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن سمو منزلته أي منال . ولا تزداد ذكرى رسول الله صلى الله عليه وسلم بفرط الكيد من الظالمين الحاقدين وافترائهم عليه إلا رسوخا في أعماق الزمن ، واستقرارا في قلوب المسلمين حيثما كانوا .

وهؤلاء الذين يؤذون الله ورسوله قد { لعنهم الله في الدنيا والآخرة } اللعن ، معناه الطرد والإبعاد من الخير{[3773]} . لقد أبعد الله هؤلاء الظالمين الخاسرين من رحمته ، وحجب عنهم كل ظواهر الخير والفضل ليكونوا مع التاعسين الأشقياء في الدنيا والآخرة .

قوله : { وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا } إنهم صائرون إلى ما أعده الله لهم من العذاب الوجيع في النار وبئس القرار{[3774]} .


[3773]:أساس البلاغة ص 567
[3774]:تفسير ابن كثير ج 3 ص 517 وتفسير القرطبي ج 14 ص 237-238