التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يُؤۡذُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمۡ عَذَابٗا مُّهِينٗا} (57)

{ إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا ( 57 ) وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا ( 58 ) } [ 57 58 ] .

تعليق على الآية

{ إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا ( 57 ) }

والآية التالية لها

عبارة الآيتين واضحة . وفيهما إنذار شديد بلعنة الله في الدنيا والآخرة وعذابه المهين لمن يؤذي الله ورسوله ، وبيان شدة إثم الذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات وينسبون إليهم ما لم يصدر عنهم بقصد أذيتهم .

ولقد روى ابن كثير عن ابن عباس أن الآية الأولى نزلت في الذين طعنوا على النبي صلى الله عليه وسلم في تزوجه صفية اليهودية ، وروى الخازن في نزول الآية الثانية ثلاث روايات بلفظ ( قيل ) إنها نزلت في الذين كانوا يؤذون علي بن أبي طالب بالكلام ، أو في الذين آذوا عائشة أو في الفساق والزناة الذين كانوا يتعرضون للنساء في الليل ويؤذونهم . وإلى هذا فقد قال المفسرون{[1712]} : إن أذى الله هو نسبة الولد والشريك والفقر إليه واتخاذ النصارى وعبادتها من دون الله والإلحاد في أسماء الله وصفاته ، وإن أذى النبي هو تكذيبه ونسبة السحر والشعر والكهانة والجنون والافتراء إليه وما كان من شجّ وجهه وكسر رباعيته في يوم أحد ، كما قالوا : إن هناك محذوفا مقدرا في جملة يؤذون الله ، وهو : يؤذون أولياء الله .

وليس شيء من هذه الروايات في الصحاح ، والذي يتبادر لنا استئناسا بمضمونها ومضمون وروح الآيات السابقة واللاحقة أن الآيتين متصلتان موضوعا وسياقا بما قبلهما وما بعدهما ومعقبتان على ما قبلهما وممهدتان لما بعدهما ؛ حيث احتوت الآيات السابقة تنبيها إلى عظم إثم من يؤذي رسول الله بأي شكل ؛ والآيات اللاحقة تعليما لنساء المؤمنين يجنبهن أذى الناس ، وإنذارا قاصما للمنافقين ومرضى القلوب والمرجفين إذا لم ينتهوا عن مواقفهم المؤذية . وهذا يوضح أن هذه الفئة هي التي كان يتوقع منها ويقع منها ما فيه أذى الله ورسوله والمؤمنين والمؤمنات ، فاستحقت ما احتوته الآيتان من اللعنة والإنذار .

والآيتان في حدّ ذاتهما جملة تامة . وإطلاق العبارة فيهما يجعلهما شاملين لكل نوع من أنواع الأذى وسوء الأدب والبذاءة والقذف والإحراج والبغي والغمز واللمز في حق الله وحق رسوله وحق المؤمنين والمؤمنات . وبهذا الاعتبار فإن فيهما تلقينا مستمر المدى في شجب الذين يصدر منهم شيء من مثل ذلك في كل وقت ومكان ومناسبة وفي التشنيع عليهم والدعوة إلى الوقوف منهم موقف الشدة والتأنيب والتنكيل .

وجملة { بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا } بالنسبة للمؤمنين والمؤمنات تزيد في قوة الإنذار بالإثم كما هو المتبادر .

ولقد أورد المفسرون في سياق الآيتين أحاديث عديدة . فمما رواه البغوي بطرقه حديث قدسي عن النبي جاء فيه : " قال الله يؤذيني ابن آدم بسبّ الدهر وأنا الدهر ، بيدي الأمر أقلب الليل والنهار " . وحديث قدسي آخر عن النبي جاء فيه : " من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب ومن أهان لي وليا فقد بارزني بالمحاربة " . ولقد أورد ابن كثير الحديثين وأورد بالإضافة إليهما أحاديث أخرى منها حديث رواه الإمام أحمد عن النبي جاء فيه : " من آذاني فقد آذى الله ، ومن آذى الله يوشك أن يأخذه " {[1713]} . وحديث آخر أخرجه ابن أبي حاتم عن عائشة جاء فيه : " قال رسول الله : أي الربا أربى عند الله ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : أربى الربا عند الله استحلال عرض امرئ مسلم " {[1714]} . وبعض الأحاديث لم ترد في الصحاح ولا مانع من صحتها . وبعضها واردة ، وفيها تلقين متساوق مع التلقين القرآني كما هو المتبادر .


[1712]:انظر أيضا الخازن وابن كثير والطبرسي والبغوي.
[1713]:هذا النص وارد في التاج برواية الشيخين وأبي داود والترمذي أنظر ج 3 ص 272.
[1714]:في التاج حديث قريب لهذا برواية أبي داود عن أبي هريرة ونصه: (إن من أكبر الكبائر استطالة المرء في عرض رجل مسلم بغير حق). التاج ج 5 ص 24.